الصحافة

تنبيهٌ أميركيّ للبنان: أيلول نقطة الفصل

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ خريف 2024، واشنطن في مرحلة انخراط مباشر في السياسة اللبنانية، متّبعة نهجًا أكثر صرامة في إدارة ملفاتها الإقليمية، لا سيما في ما يتعلق بلبنان وحدوده الجنوبية مع إسرائيل. يعكس هذا التحول توجهًا أميركيًا جديدًا يقوم على فرض رؤية واضحة المعالم، تضع خفض التوتر عند الحدود الجنوبية في مقدمة الأولويات، في إطار استراتيجي أوسع يهدف إلى إعادة تشكيل قواعد الاشتباك في المنطقة.

لم يعد خافيًا أن جوهر السياسة الأميركية الراهنة يقوم على الدفع في اتجاه تفاوض مباشر بين لبنان وإسرائيل، ليس فقط عبر القنوات العسكرية المعتمدة حاليًا في الناقورة، والتي تشرف عليها قيادة القوة الدولية - اليونيفيل، بل من خلال لجان ثلاثية مدنية، في خطوة تهدف إلى نقل المفاوضات إلى مستوى أكثر رسمية واستدامة.

تفيد مصادر دبلوماسية مطلعة بأن واشنطن حدّدت مهلة نهائية لانخراط لبنان في هذا المسار التفاوضي - التسووي، تحت طائلة الانسحاب الأميركي الكامل من الرعاية التي يحظى بها لبنان.وتتفاوت التقديرات حول هذه المهلة، إذ يرى بعض المراقبين أن أيار المقبل يشكل الحد الأقصى لتنفيذ الرؤية الأميركية بشأن السلاح خارج سلطة الدولة، فيما يذهب آخرون إلى اعتبار أيلول المقبل نقطة الفصل بين مرحلتين: الأولى ترتكز على السياسات التقليدية التي ترى واشنطن أنها أصبحت جزءًا من الماضي، والثانية تقوم على فرض مسار جديد من التفاوض المباشر، بمعزل عن «اتفاقات أبراهام» التي لا ترغب الإدارة الأميركية في ربط لبنان بها رسميًا.

وفقًا لمصادر دبلوماسية رفيعة، فإن هذا التنبيه الأميركي، الذي يقترب من كونه إنذارًا، جرى إبلاغه إلى المسؤولين اللبنانيين في الأيام الأخيرة، في إطار رسالة مباشرة، مع التشديد على أن الإدارة الرئاسية لن تستمر في توفير غطاء سياسي أو ديبلوماسي للبنان في ظل الجمود الحاصل.
أحدثت الضغوط الأميركية المتزايدة إرباكا محليا واضحًا. ويدرك الحكم تمامًا تداعيات أي رفض لهذا المسار، ولا ريب أنه يواجه معادلة معقّدة: من جهة، أي رفض قاطع قد يعرض استقرار الحكومة للخطر، وقد يدفع واشنطن إلى تقليص دعمها لبنان، في وقت يحتاج فيه إلى دعم دولي صريح. ومن جهة أخرى، سيثير الانخراط في المفاوضات المباشرة خلافات داخلية حادة، خصوصا مع القوى الرافضة لهذا التوجه.

أما على صعيد رئيس مجلس النواب نبيه بري، فهو، وفق المصادر ذاتها، لا يزال متمسكًا برفض أي شكل من أشكال التفاوض المدني المباشر مع إسرائيل، بصرف النظر عن الضغوط أو التهديدات التي قد تلوّح بها واشنطن. ويصر بري على أن تبقى آلية التفاوض العسكري القائمة راهنا، التي تتم برعاية اليونيفيل، الخيار الوحيد المتاح، معتبرًا أن أي تغيير في هذه الصيغة قد يفتح الباب أمام تطورات غير محسوبة العواقب.

تشير تقديرات دبلوماسية إلى أن الإصرار اللبناني على رفض الرؤية الأميركية قد يدفع واشنطن إلى اتخاذ خطوات تصعيدية، أبرزها تعليق أو تعطيل عمل لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار mechanism، وهو ما قد يترجم عمليًا بمنح إسرائيل حرية حركة أوسع، ليس فقط جنوب الليطاني، بل حتى شماله. وتلفت المصادر إلى أن إسرائيل، التي طالما ضغطت لتغيير قواعد الاشتباك في الجنوب، قد تستغل هذا الوضع لفرض واقع ميداني جديد، يتجاوز مجرد تنفيذ ضربات موضعية، ليصل إلى شنّ حرب واسعة جديدة ضد حزب الله.
وعلى الرغم من أن التقديرات بشأن اندلاع مواجهة عسكرية شاملة تبقى غير محسومة، إلا أن المعطيات تشير إلى أن أي تصعيد إسرائيلي سيكون مختلفًا هذه المرة من حيث نطاقه وشدته. فمنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، التزمت تل أبيب إلى حدّ ما قواعد الاشتباك المحددة، لكنها الآن قد تجد في الضغوط الأميركية على لبنان فرصة لإعادة رسم المعادلة، مستفيدة من تراجع مستوى الحماية الدولية للبنان في حال سحب واشنطن دعمها السياسي والدبلوماسي.

في أي حال، تبقى قدرة الإدارة الأميركية على فرض هذا المسار التفاوضي رهن التطورات المحلية، ومدى تماسك الجبهة السياسية في مواجهة هذا الاستحقاق. فواشنطن تدرك أن أي خطوة غير محسوبة قد تثير ردود فعل عكسية، ليس فقط من حزب الله، بل حتى من بعض القوى السياسية التي لا تزال تفضل الإبقاء على قنوات التفاوض الحالية من دون الذهاب إلى خطوات أكثر تقدمًا.
ويبقى لبنان أمام اختبار دقيق بين الضغوط الدولية والتوازنات الداخلية، ومدى قدرة الأطراف السياسية على التعامل مع هذه المرحلة الحرجة، في ظل بيئة إقليمية متوترة، وتحولات استراتيجية قد تعيد رسم المشهد السياسي والأمني في المنطقة بأكملها.
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا