توجس سعودي من صفقة تركية ـ اسرائيلية
هو ذا النظام المثالي في سورية الذي تفتح أمامه أبواب الدنيا. المهم ألاً يكون معادياً لاسرائيل حتى ولو وصلت دبابات الميركافا الى ضفاف بردى (آه بردى !). لا بأس أن يكون في قبضة رجب طيب اردوغان، وأن يكون قادته من بقايا تورابورا. يقتلون من يقتلون، ويبيدون من يبيدون. لا بأس أيضاً أن تكون صلاحيات الرئيس صلاحيات الخليفة باعتباره ظل الله على الأرض. وليذهب أفلاطون وجمهوريته الفاضلة الى الجحيم.
كل العالم الآن مع أحمد الشرع الواثق أنه باق في السلطة الى أخر العمر (أمدّ الله في عمره). هذا هو العالم الآن، العالم الأميركي، لكأن الكرة الأرضية تدور حول اسرائيل، او تدور من أجل اسرائيل. ما على ايران والتي اقتربت من العتبة النووية، دون أن تطأها، الا أن تعود الى المفاوضات على ضفاف نهر الدانوب على وقع سنفونية يوهان شتراوس "الدانوب الأزرق"، لا على وقع الطبول.
دونالد ترامب يختلف عن الرؤساء الأميركيين الآخرين في أنه يعمل أمام الكاميرات لا وراء الكاميرات. شخصية استعراضية، وهو الذي أمضى جزءاً كبيراً من حياته لا في أروقة الكابيتول، ولا في حرم هارفارد، بل متنقلاً بين لاس فيغاس والبيفرلي هيلز أي بين ليالي مادونا وليالي الليدي غاغا. حقاً بماذا يختلف عنهما حين يستجلب الكاميرات لتصوير "حفل" توقيع قراراته التنفيذية (Executive orders ) أو قراراته الأمبراطورية.
لبنانياً، تصوروا أن رجل "اسرائيل الكبرى" في البيت الأبيض هو الذي يحمينا من جنون بنيامين نتنياهو الذي ما زال يبحث عن ذريعة، ولو كانت تلك الصواريخ البدائية التي يعرف من يقف وراءها، وما الهدف من اطلاقها، من أجل جر لبنان الى توقيع صك الاستسلام، تحت عنوان التطبيع. مثلما لا مكان لحركة "حماس" في غزة، لا مكان لـ "حزب الله" في لبنان، وان كانت الحركة لم تغلق، يوماً، الطريق الديبلوماسي، ما دام باب قطر وباب تركيا مشرعين أمامها.
من غرائب ذلك العالم أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هو الذي يتوسط بين الرئيس اللبناني جوزف عون ونظيره السوري أحمد الشرع، فهل يلتقي الاثنان في خيمة نصفها على الأرض اللبنانية، ونصفها الآخر، على الأرض السورية، كما كانت الخيمة التي جمعت الرئيسين جمال عبد الناصر وفؤاد شهاب في 25 أذار 1959 ؟
أركان العهد يدركون مدى التعقيدات الجيوسياسية، وكذلك التعقيدات الجيوستراتيجية، في المنطقة، وتداعياتها على لبنان حيث تراهن بعض القوى على التدخل الخارجي ليس فقط لنزع سلاح "حزب الله"، وانما لاجتثاثه سياسياً كونه الجهة التي تستقطب القوى المعارضة للتطبيع وفق المفهوم التوراتي. على كل، الطائرات الاسرائيلية التي تستهدف عناصر الحزب لاستنزافه عسكرياً وحتى وجودياًً تتقاطع مع خطط تلك القوى لاستنزافه سياسيا ً ووجودياً بطبيعة الحال.
لا نحتاج الى دليل اضافي لندرك أن ما من سلطة قامت في دمشق الا وحاولت التحكم بالساحة اللبنانية. من خالد العظم الذي كان يكره رياض الصلح، الى بشار الأسد الذي اعتمد على رستم غزالي، بتلك الشخصية الفجة والفظة، في ادارة المتاهة اللبنانية، مروراً بأديب الشيشكلي الذي سبق وذكرنا أنه هدد الرئيس كميل شمعون بأن يدمر قصر بيت الدين فوق رأسه ان لم يطلق سراح أحد عملاء "المكتب الثاني" السوري (الاستخبارات العسكرية) المعتقل بتهمة تنفيذ عملية اغتيال في بيروت.
لكن سورية تبقى بوابة لبنان الوحيدة الى الداخل العربي، كما أنها تصل براً بين لبنان وأوروبا عبر تركيا. قديماً كانت هناك "خشبة" في نقطة جديدة يابوس الحدودية السورية. لم يكن الأمر يقتضي سوى استعمال الخشبة لاقفال الحدود للضغط سياسياً على لبنان من خلال خنقه اقتصادياً. لطالما قلنا ان حجر قايين ظل يتدحرج عبر الأزمنة الى أن استقر في عقر دارنا.
بالفوقية اياها كان التعامل مع زيارة وزير الدفاع ميشال منسى دمشق للالتقاء بنظيره السوري مرهف أبو قصرة. يفترض أن يكون لبنان تابعاً لولاية دمشق لا نداً لها. هذا ما استدعى التدخل السعودي لتبديد الغيوم الملبدة بين البلدين، وعقد اللقاء الثنائي في جدة في حضور وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان.
ديبلوماسي خليجي مخضرم قال لنا ان السعوديين يتخوفون من صفقة تركية ـ اسرائيلية حول سورية ولبنان، كما لو أن أركان الائتلاف في تل ابيب يريدون ضرب أي دور سعودي جيوسياسي على شاطئ المتوسط، بعدما أعلن الأمير محمد بن سلمان ربط التطبيع باقامة الدولة الفلسطينية (وهي الدولة المستحيلة)، بعدما كان ترامب يراهن على استئناف دومينو التطبيع عبر البوابة السعودية، باعتبار أن لبنان وسورية اللذين يعانيان من أزمات مالية، ومعيشية، قاتلة، يسقطان، تلقائياً، في السلة الاسرائيلية.
الموقف السعودي صدم دونالد ترامب. هذه المرة لا يستطيع التهديد على غرار ما فعله أثناء ولايته الأولى، وليس من مصلحته افتعال أي صدام مع المملكة يستفيد منه الصينيون والايرانيون وحتى الروس.
الديبلوماسي الخليجي رأى أن من مصلحة لبنان وسورية، وحتى من مصلحة السعودية، أن تكون الدول الثلاث في جبهة واحدة في التعاطي مع الطروحات الخاصة بالتطبيع، اذ حين يرفض الاسرائيليون اقامة دولة فلسطينية، هذا يعني أنهم لا يريدون لأي دولة عربية أن يكون لها دورها في صياغة مستقبل المنطقة التي طالما رأى فيها الرحالة... أرض العجائب!
نبيه البرجي-الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|