وسط انشغال ترامب بـ"حرب الرسوم".. هل تواجه أوكرانيا "السيناريو الأسوأ"؟
هذا ما يُقلق نوم خامنئي!
حين وقف المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، في خطبة عيد الفطر، نهاية آذار 2025 ليحذّر من خطر “الفتنة” في الداخل، وليقلّل من احتمالات العدوان الخارجي على بلاده، لم يكن يوجّه رسالة إلى شعبه فقط، بل كان يُعلن ضمنيّاً عمق الأزمة التي تعصف بنظامه.
قال خامنئي إنّه على الرغم من التهديدات المستمرّة لا يرى احتمالات كبيرة لحدوث أيّ عمل عدائي من الخارج. أضاف: إذا خطر ببال الأعداء أن يثيروا الفتنة داخل البلاد، فإنّ الشعب الإيراني نفسه سيكون هو من يردّ عليهم.
هذا الاعتراف، غير المعتاد سماعه من قائد درج على تحميل مسؤوليّة أزمات بلاده للعدوّ الخارجي، لا يقلّ عن إدانة ذاتيّة للنظام الإيراني الذي، بعد 46 سنة من الثورة ولغوها الأيديولوجي، يبدو عاجزاً عن ضمان تأييد شعبه له أو صدّه عن “التآمر” مع الأعداء الخارجيّين!
عندما يعترف قائد، مثل خامنئي، بأنّ شعبه قد يجدّد انتفاضاته المتكرّرة منذ الثورة الخضراء 2009، ويصبح أداة للعدوّ، وأنّ الهيمنة بالقوّة والقمع، كما ألمح، أصبحت الملاذ الأخير للنظام، فهو إنّما يقرّ بأنّ شرعية حكمه بدأت تتآكل من الداخل، لدرجة تستوجب التحذير العلنيّ.
عليه، توفّر خطبة العيد، بجزئيّاتها هذه، مدخلاً لفهم الإشارات، غير المسبوق بعضها، التي صدرت عن طهران، بشأن التعامل مع الولايات المتّحدة وضغوطها، لا بوصفها مناورة سياسية وحسب، بل محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من شرعيّة نظام فقدَ ثقة شعبه قبل أن يفقد مواجهاته الخارجية.
إشارات غير مسبوقة
– أوّلاً، ردّ المرشد الأعلى خطّيّاً على رسالة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعاه فيها إلى الحوار، وهي المرّة الأولى منذ الثورة الإسلامية عام 1979 التي يقوم فيها المرشد بالردّ المباشر على رسالة أميركية، انطوت، على الرغم من رفضه المفاوضات المباشرة، على الموافقة على التفاوض غير المباشر، بشأن البرنامج النووي الإيراني.
– ثانياً، نقل تقرير لصحيفة “تلغراف” البريطانية عن مسؤولين إيرانيين أنّ إيران بدأت بسحب مستشاريها العسكريين من اليمن، في إشارة، فُسّرت، بأنّها استعداد للتخلّي عن دعم الحوثيين، مع تصاعد الحملة العسكرية الأميركية عليهم. لم يفُت إيران أنّ البيت الأبيض يؤطّر هذه الحملة، بحسب تسريبات محادثات “سيغنال” بين المسؤولين الأميركيين، في إطار المواجهة مع إيران ونفوذها الإقليمي.
– ثالثاً، ارتياح نسبي، عبّر عنه لموقع “أساس ميديا” عدد من المصادر المطّلعة على مخرجات المفاوضات التمهيدية، إلى احتمال توسّع المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتّحدة في سلطنة عمان، لتشمل ملفّات أوسع من الملفّ النووي، كالبرنامج الصاروخي واستراتيجية النفوذ الإقليمي عبر الميليشيات والوكلاء.
تعكس هذه الإشارات الثلاث، على الرغم من تاريخ إيران المديد في ممارسة التقيّة السياسية، إدراك النظام، هذه المرّة، أنّ استمرار المواجهة مع واشنطن، بنتائجها الكارثية الاقتصادية والاجتماعية، سيقود إلى انهيار داخلي لا يقلّ خطورة عن ضربة عسكرية خارجية.
لم يعد خافياً أنّ ما يُبقي خامنئي مستيقظاً في الليل، هو تحوّل الجبهة الداخلية إلى الحلقة الأضعف، نتيجة مزيج من التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والهيكليّة التي تعمّقت مع الوقت، وهذه عناوينها:
1- الانهيار الاقتصاديّ واستياء الشّعب
تشهد العملة الإيرانية انهياراً متزايداً نتيجة العقوبات الأميركية الخانقة وسوء الإدارة وشيوع الفساد. فالريال الإيراني يُتداول عند حدود 700 ألف للدولار الواحد بعدما جاوز عتبة مليون في ذروة التراشق بالتهديدات بين طهران وواشنطن. في المقابل ارتفع التضخّم بشكل صاروخي، إلى حدود تفوق بكثير حاجز 40% الذي تقرّ به البيانات الرسمية، في ظلّ ندرة الكثير من السلع الأساسية مثل الطعام والوقود.
أمّا على مستوى سوق العمل فتسود بطالة محبطة وقاسية، خاصّة بين الشباب، متجاوزةً 25% في بعض التقديرات، مؤدّيةً إلى ارتفاع طلبات الهجرة في 2024. ويشير تحليل بيانات مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعدّ مادّة الفحص الأساسيّة لتوجّهات الرأي العامّ في إيران، إلى أنّ “الاختناق الاقتصادي” عنوان جامع بين الإيرانيين بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية مع ملاحظة عجز النظام عن تحقيق وعوده.
2- الاضطرابات الاجتماعيّة الواسعة وإمكان نشوء احتجاجات
حال الغليان في الشارع الإيراني لا تخطئها العين، وإن كانت التظاهرات التي تشهدها المدن الإيرانية لا تزال متفرّقة في طهران وأرومية وأصفهان وتتوزّع على أجندات عدّة تراوح بين الشأن الاقتصادي والواقع الاجتماعي ومسألة الحرّيات والحجاب.
بالفعل أشار المرشد في خطبة العيد إلى إشهار البعض عدم التزامهم الصوم، في شهر رمضان، وهو مظهر من مظاهر الطلاق الذي يتوسّع بين النظام الديني والشباب الإيرانيين، الذين يشكّل من هم دون 35 سنة بينهم 60% من المجتمع. وما تحذير المرشد من “الفتنة” وتهديده بـ”ردّ قاسٍ” على الاحتجاجات إلّا تأكيد لإدراكه خطر برميل البارود الذي يقف عليه النظام الإيراني وحال التصادم بينه وبين شرائح حيويّة من شعبه.
3- الانقسامات العرقيّة والإقليميّة
يكتسب التنوّع العرقي في إيران، بين فرس (61%) وآذريين (16%) وأكراد (10%) وبلوش وعرب وغيرهم، أهمّية خاصّة ووعياً مضافاً في ضوء تطوّرات ملفّ الأقليّات في الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا بعد سقوط نظام الأسد العلويّ وتصدّر الجهاديّين السُّنّة مشهد الحكم في دمشق، بالإضافة إلى أثر ديناميّات المصالحة التركية الكردية مع حزب العمّال الكردستاني وزعيمه التاريخي عبدالله أوجلان.
بالفعل تشير تقارير آذار 2025 إلى اشتباكات في بلوشستان، حيث هاجم مسلّحون سنّة مواقع الحرس الثوري، فقُتل 11 شخصاً، وهو ما يبرز كيف يمكن للتوتّرات العرقية أن تتحوّل إلى عنف قابل للاتّساع.
4- تآكل تماسك النّظام وتصاعد صراع النّخب
تواجه وحدة الجمهورية الإسلامية تفكّكاً متسارعاً في ظلّ ضغوط داخلية متفاقمة. بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في أيار 2024 في حادث مروحيّة أثار شكوكاً في تورّط الحرس الثوري، انتُخب مسعود بزشكيان في آب 2024 رئيساً جديداً.
لكنّ هذا التحوّل لم يهدّئ الصراعات بين الفصائل. إذ بلغت ذروتها الخلافات بين البراغماتيين، الذين يقودهم بزشكيان ويسعون إلى تخفيف العزلة الدولية، والمحافظين المتشدّدين المدعومين من الحرس الثوري، الذي يحتفظ بنفوذ هائل.
بالإضافة إلى ذلك برزت تناقضات حادّة بين مستشار المرشد علي لاريجاني الذي نُسب إليه قوله إنّ إيران قد تلجأ إلى السلاح النووي إذا هُوجمت، معبّراً عن موقف متشدّد مشروط، بينما أكّد وزير الخارجية عبّاس عراقتشي أنّ الجمهورية الإسلامية “لن تسعى إلى السلاح النووي تحت أيّ ظرف”.
يضاف إلى ذلك أنّ فضائح الفساد تستمرّ في تقويض مصداقية النظام، مثل قضيّة شاي دبش في 2023 التي كشفت احتيالاً بـ3.4 مليارات دولار، وأُضيفت إليها في آذار 2025 اتّهامات علنيّة من بزشكيان للحرس الثوري ومؤسّسات خامنئي بالفساد، وهو ما أشعل مواجهات في البرلمان تحوّلت إلى “ساحة محاكمة” لأركان النظام.
5- شيخوخة المرشد وعدم اليقين بشأن الخلافة
يواجه المرشد علي خامنئي، البالغ من العمر 86 عاماً، معضلة الخلافة مع غياب وريث واضح، وهذا الأمر يهدّد بفوضى هيكلية بعد رحيله. فنجله مجتبى الذي يُطرح مرشّحاً محتملاً، قد يواجَه باحتجاجات شعبية ومؤسّسية نتيجة اتّهامات بالمحسوبيّة والتوريث، تنطوي على طعن بشرعية نظام الثورة نفسه. وعليه يلوح احتمال فراغ السلطة أو ملئها بمن لا يتمتّع بالشرعية الثورية أو التاريخية، في أفق مستقبل النظام مع ما قد يؤدّي إليه من صراع داخلي أو انقلاب خلال مرحلة انتقال الحكم.
لهذا يذهب إلى المفاوضات
بسبب هذه الجبهة الداخلية، الناتجة هشاشتها، عن اليأس الاقتصادي، والجماهير الجاهزة للاحتجاج، والانقسامات العرقية، والتصدّعات بين النخب، واغتراب الشباب، ومخاوف الخلافة، يذهب النظام الإيراني الذي هُزمت أذرعه في الإقليم وتحطّمت شبكة نفوذه، إلى المفاوضات مع أميركا.
لكنّ هذه المفاوضات تحديداً، التي يُراد منها تخفيف الضغط الخارجي وإنقاذ النظام، هي ذاتها التي ستمتحن شرعيّته وهيبته في الداخل، وتزيد التناقضات حدّة، بل قد تمنح الجماهير أسباباً إضافية للتجرّؤ على النظام الذي لم يعد قادراً على إقناع شعبه بأنّ التهديد يأتي من الخارج وبأنّه الحامي والترس.
نديم قطيش - أساس ميديا
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|