صراف: المؤتمر الاستثماري الدولي في بيروت نقطة أساسية لبناء لبنان الجديد
الرؤساء الثّلاثة لأورتاغوس: لا تكرّروا تجربة 1982
لم يكن “الصوت العالي” المفاجىء الأسبوع الماضي، الصادر عن مسؤولي “الحزب” والناطقين باسمه، تعبيراً عن صدفة أو توارد أفكار. فهذه ليست “مواويل” محليّة الصنع. بل هي أوركسترا ينظّمها المايسترو الإيراني بدقّة، على إيقاع “دفّ” المفاوضات بين إيران وأميركا، و”طبلة” القصف الإسرائيلي المستمرّ لشباب “الحزب” وكوادره في كلّ لبنان… هنا قراءة في هذه المعزوفة المستجدّة.
خلال زيارتها الأخيرة للبنان، سمعت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس “لهجة” واحدة من الرؤساء الثلاثة. يمكن اختصارها وفق المفردات اللبنانية بأنّها تحذير “من تكرار تجربة 1982”.
تقول النظريّة، كما يشرحها مصدر مواكب لزيارات أورتاغوس، إنّ إسرائيل في عام 1982، اجتاحت العاصمة بيروت واحتلّتها… وفرضت اتّفاق 17 أيّار مع إسرائيل. وفرضت بشير الجميّل رئيساً للجمهورية. ووصل جيشها إلى طريق البقاع شمال العاصمة.
فما كانت النتيجة؟
رفضٌ داخليٌّ أدّى إلى إسقاط العهد. باغتيال بشير الجميّل وخروج إسرائيل من بيروت تحت ضربات المقاومة. وخروج أميركا وفرنسا من المنطقة بتفجيرات طالت جنود جيشيهما. والنتيحة النهائية كانت انتصار أعداء أميركا والغرب، وعودة النظام السوري ليحكم لبنان بدعم سوفيتيّ.
طبعاً المشهد مختلف اليوم. لكنّ اللبنانيّين لم يتغيّروا كثيراً على ما يبدو.
إذ يتمهّل الرؤساء الثلاثة في “الإسراع في هوى” أميركا. ويحذّرون من تكرار التجربة. ورئيس الجمهورية قال هذا الكلام للرئيس إيمانويل ماكرون في الإليزيه. حيث تحدّث عن الحوار والاستراتيجية الدفاعية. وماكرون نقل هذا الكلام لرئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، وإلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
تكوّنت لدى السلطة في لبنان قناعة مفادها أنّه لن يكون هناك ضربة لإيران. على “قاعدة ذهبية”، بحسب خبراء في زواريب واشنطن، مفادها الآتي: “في أميركا، إذا تعدّدت الأصوات، فهذا يعني أنّه لا يوجد قرار حاسم”. ويذهب التحليل إلى ظهور “تفسّخات في إدارة ترامب، مع بدء الحديث عن خروج إيلون ماسك وربّما غيره قريباً”.
جوزف عون يتمهّل… ويفاوض أميركا
بعبدا تحديداً لا تريد “دفش الأمور” باتّجاه تكرار الماضي. باعتبار أنّ مساعدة العهد تكون بإعطاء مهل زمنيّة معقولة. هذه المهل التي تبيّن أنّها وجدت لنفسها طريقاً إلى “العقل الأميركي”. الذي قدّم “الصيف” هديّة إلى مفاوضيه اللبنانيين. وبات يعتبر أنّنا أمام نافذة زمنية تنتهي في بداية الخريف المقبل.
إنجاح العهد والحالة هذه يتطلّب أن تتزامن 4 مسارات:
1- المسار الداخليّ: وذلك عبر تقوية الدولة، وقضم البنى غير الدولتيّة، من السلاح الفلسطيني إلى الأحزاب المسلّحة، وصولاً إلى “الحزب”. ويُستكمل المسار الداخلي بالمساعدة في بناء الاقتصاد وتعافيه، وتقوية كلّ جوانب الدولة، من جيش وأجهزة أمنيّة وليس انتهاءً بنهوض القطاع المصرفي.
2- استقرار سوريا: وهذا ضروريّ لضبط الحدود وقطع خطوط الإمداد بشكل نهائي. وهذا ما عمل عليه الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، تحت إدارة وزير الدفاع الأمير خالد بن سلطان، وبتوجيهات من وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان. عبر جمع وزيرَي دفاع لبنان وسوريا في الرياض. وبعد ذلك اللقاء، تمّ الاتّفاق على مهلة 60 يوماً، للتحضير لاجتماع جديد ينهي النزاع الحدودي من البحر إلى مزارع شبعا، التي ستُترك لمرحلة لاحقة. مع التأكيد أنّ المناوشات الحدودية كانت “كبتاغونيّة” الطابع، وليست سياسية أو عسكرية بين البلدين.
3- تقدّم المسار الأميركيّ السعوديّ: أي تقدّم قطار “التطبيع مقابل الدولة الفلسطينية”. وهو المسار الذي يمكن أن يسحب “ورقة فلسطين” من كلّ محور الممانعة. ويعيد القضية إلى الحضن العربي. بأن تكون الدول العربية هي الوصيّة على الدولة الوليدة، حمايةً واقتصاداً وسياسةً.
4- مسار الضّغط على إيران: وهو المسار الذي انطلق بمحرّكات عُمانيّة، ووصل إلى محطّته الثانية بمفاوضات مباشرة بين أميركا وإيران. والهدف منه إضعاف البرنامج النووي عسكريّاً، والحصول على تنازلات من إيران في ملفّ “أذرعها”. وذراعها الأهمّ “الحزب” في لبنان.
أمّا اقتصار الضغط على لبنان، بالسياسة أو بالقصف والاغتيالات، فلا ترى السلطة في لبنان أنّ منه طائلاً.
التّسويق لـ”الحوار” مع “الحزب”… كيف استثمره؟
وصلت هذه النظريّة إلى الإدارة الأميركية. ثمّ وصلت إلى العرب. وتمّ “أخذ العلم” بها. لكن قبل أن توضع خلاصاتها موضع التنفيذ، كانت المفاوضات بين أميركا وإيران قد بدأت. وعلى وقع الخريطة المذكورة أعلاه، حرّكت إيران “الأصوات” العالية في لبنان. فرأينا نسخة ProMax من الأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم. إذ خرج بخطاب أعاد تذكير جمهور “الحزب” بالأمين العامّ الراحل السيّد حسن نصرالله. من حيث تمسّكه بالسلاح، وتهديده الآخرين، وصولاً إلى هجومه على صحافيين وناشطين يوجّهون اتهامات فساد إلى إدارة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. وهو ما قدّمه بصورة القائد الغاضِب المُهدِّد، وليس بصورة مَن تنازل بتوقيع اتّفاق وقف إطلاق النار والموافقة على تسليم السلاح. كما كان حاله قبل الخطاب الأخير.
طُلِب أيضاً من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “الحزب” وفيق صفا أن يخرج ليهدّد أيضاً، ويتحدّث عن “وهم” الحديث عن “نزع السلاح”، وأنّه “لا توجد قوّة تستطيع نزع السلاح”.
تزامن هذا مع الطلب من عدد من المعلّقين السياسيين الذين يدورون في فلك إيران وحزبها، أن يخرجوا ليعيدوا رسم صورة “الحزب القويّ”، الذي “لم تستطع كلّ دول الغرب أن تهزمه في الخيام”. للاستطراد والقول إنّه لن يسلّم سلاحه.
لكنّ مواقف “الحزب” هذه منطلقاتها ليست لبنانية. وهي تهدّد باستعادة المساعي لتحويل لبنان إلى صندوق بريد في التفاوض الإيراني الأميركي. وهذا خطير على الطائفة الشيعية وعلى لبنان.
لكنّ من يقرأ خطاب الشيخ نعيم كلّه، سيجد فيه جملاً مناقضة تماماً لهذا الصوت العالي، ومنها: “نحن نفّذنا ما علينا والدولة كذلك، لكنّ إسرائيل لم تنفّذ. والطريق الوحيد لمساهمتنا في تطبيق القرار 1701 بعد تنفيذ الاتّفاق هو الحوار”. وتابع: “الحزب مع تنفيذ التزام رئيس الجمهورية”، كاشفاً عن “تبادل للرسائل بين “الحزب” والرئيس عون”.
انقلاب “الحزب” على التّفاهمات مع جوزف عون؟
في العمق لم ينقلب “الحزب” على التفاهمات مع الرئيس جوزف عون. يسود ارتياح في بعبدا. فبعد كلمة قاسم، تمّ تسليم مخزن سلاح كبير فوق صيدا، في خراج بلدة عقتنيت. وهي بلدة مسيحية في قضاء صيدا. وهي بالتأكيد تقع شمال نهر الليطاني.
لكنّ الصوت العالي كان لزوم “المفاوضات” بين أميركا وإيران. التي تسارعت وتيرتها، وبدأت الوفود التقنيّة تدخلها. وهي الوفود التي تصل في العادة قبيل توقيع الاتّفاق لبحث التفاصيل. وهناك 3 بنود يبحثها الطرفان:
- الملفّ النوويّ: وإيران لم تقُل يوماً إنّها عملت لتصنيع سلاح نوويّ.
- الصواريخ البالستية: سيكون ممنوعاً على إيران إخراجها وتسليمها لحلفائها.
- الأذرع: ستكون إيران ملزمة باحترام سيادة الدول ووقف تسليح الجماعات العسكرية وتمويلها.
في المحصّلة تفاوض إيران على “تسليم سلاحها” في المنطقة كلّها، وليس فقط في لبنان. والنصيحة التي يوجّهها مواكبون للمفاوضات هي ألّا يحاول “الحزب” الاستثمار فيه. لأنّه سيكون في موقع Lose-Lose Situation. فإذا تمّ توقيع الاتّفاق لن يقبض الحزب أيّ ثمن. وإذا وقع الخلاف فسيدفع الثمن.
في الختام، أيّاً كان “الصوت العالي” الذي صدر قبل أيّام، فإنّ موقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة واضح وحاسم في البيان الوزاري الذي تعهّد بحصر السلاح بيد الدولة. و”الحزب” لأوّل مرّة في تاريخه منح الحكومة الثقة بناءً على هذا البيان. وبالتالي فإنّ هذا الملفّ يتّجه إلى التنفيذ. بالطبع لا توجد مهل زمنية بسبب طبيعة لبنان. لكن ستظهر خطوات في الأسابيع القليلة المقبلة ستؤكّد القيام بإجراءات عمليّة وتنفيذيّة لن تشمل فقط “الحزب”. بل أيضاً كلّ سلاح خارج سلطة الدولة أيّاً كانت هويّته وستكون الخطوات مفاجئة.
لبنان يتغيّر. والمنطقة تتغيّر. وزير خارجية لبنان، عن “القوات اللبنانية”، استدعى سفير إيران ليؤنّبه لأنّه كتب على تويتر أنّ “نزع السلاح هو مؤامرة صهيونية”.
القوّات توبّخ سفير إيران… هذا ليس تفصيلاً.
محمد بركات - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|