هل ضمّت إسرائيل ضاحية بيروت إلى الحبل المشدود حول مفاوضات النووي؟
على الحبل نفسه الذي «شدّتْه» إسرائيل، من غزة إلى إيران، بدا «الارتقاءُ» الجديد في التصعيد الاسرائيلي على جبهة لبنان والذي عبّر عنه «تدشينها» مرحلة «إعادة عقارب الساعة» الحربية في الضاحية الجنوبية لبيروت إلى ما قبل اتفاق وقف النار من خلال الغارة المباغتة التي شنّتها عصر الأحد من خارج معادلتين سابقتيْن أرستْهما تباعاً قبل شهر وهما «الجليل مقابل بيروت» و«لا أمان لأي كان من الاغتيال في كل مكان وزمان» قبل أن «تحدّث» برنامج ضرباتها ليصبح ابتداء من 27 ابريل تحت لافتة «مطاردة السلاح أينما كان وحتى في الضاحية» ما يعني واقعياً لا أمان في كل... لبنان.
وفيما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وَضَعَ ضربة الأحد، تحت عنوان «هذه المنطقة في بيروت لن تكون ملاذاً آمناً لحزب الله، وإسرائيل لن تسمح للحزب بأن يقوى ويشكّل أي تهديد لها»، محمّلاً ووزير دفاعه يسرائيل كاتس «حكومة لبنان المسؤولية المباشرة عن منْع تهديداته»، فإنّ هذا التطور المفاجئ سرعان ما اكتسب أبعاداً أكثر خطورة وشمولية بعدما توالى ارتسامُ كونه جزءاً من «مسرح عمليات» تصعيدي واحد تديره تل أبيب.
ففي الوقت الذي لم يفاجئ العارفينَ أن ترفض اسرائيل مقترحَ وقف النار في غزة لتستعدّ لتوسيعِ العمليات في القطاع المنكوب، فإن مَسارَ التشدُّد اتّخذ طابعَه الأشدّ تَوَغُّلاً عبر مجاهرةِ نتنياهو بأن سقفَ اسرائيل في ما خص المفاوضات بين واشنطن وطهران هو التفكيكُ الكاملُ للبرنامج النووي الإيراني «لمرة واحدة ونهائية» وحرمان الجمهورية الاسلامية من الصواريخ البالستية وصولاً للتهديد بتدمير قدراتها النووية، وذلك على وقع «شَبَحِ» عملٍ تخريبي ما زال يحوم فوق الانفجار المُريب بالتوقيت في ميناء الشهيد رجائي في مدينة بندرعباس جنوب إيران.
من هنا بدتْ كبيرةً مَحاذيرُ إعادة الضاحية الجنوبية إلى قلبِ «الاستهداف للاستهداف» - وسط خشية من إدراجها لاحقاً في «يوميات النار» جنوباً وبقاعاً - وسط اعتقادٍ أن هذه الخطوة الاسرائيلية تشكّل واقعياً ضغطاً مزدوجاً: على لبنان الرسمي الذي يرفع شعار «سحْب سلاح حزب الله بالحوار» محاولاً توفيرَ ظروفِ إنجازِ ذلك «بالحوار»، وعلى الحزب «الجريح» الذي وَجَدَ نفسه بعد «تعليق» القتال أمام عملية «قضم» عسكري متدرّج تمعن فيه تل ابيب بلا أي ضوابط لإدراكها عدم قدرته على أي ردٍّ بالنار في ضوء خلاصاتِ حرب الـ 65 يوماً وما تعتبر أنه «كيّ لمعادلاتٍ مضخَّمة» قامت به وترجمته باغتيال «القائد الذي لا يُستبدل أو يُعوَّض» (السيد حسن نصر الله) وبما خسره الحزب خلال المعارك وبعدها، على صعيد الأرض وكل ردعٍ، إلى جانب عدد الضحايا والجرحى والدمار الشامل.
«القرار المُتخَّذ»
وغداة إدانته الاعتداء على الضاحية الجنوبية، داعياً واشنطن وباريس «أن تتحمّلا مسؤوليّاتهما وتجبرا إسرائيل على التوقف فوراً عن اعتداءاتها»، واعتباره أن «استمرار إسرائيل في تقويض الاستقرار سيفاقم التوترات ويضع المنطقة أمام مخاطر حقيقية تهدد أمنها واستقرارها»، عاود رئيس الجمهورية العماد جوزف عون أمس، إحياء الكلام عن «القرار المُتخَّذ» بسحْب السلاح، ما اعتُبر في إطار إحداث توازُن تجاه الداخل والخارج على قاعدة:
- أولاً احتواء أي تفاعلاتٍ محلية لإمعان تل ابيب في ما يبدو «غرزاً للسكين في الجرح» بضرب الضاحية وتظهير تَفوُّقها في تنفيذ اتفاق وقف النار وفق تفسيرها له، وهو ما يضيف طبقات الى التعقيدات التي تحوط بكيفية تأمين «ممر آمن» للدولة ولبنان لسحب سلاح «حزب الله» على نار هادئة.
- وثانياً التأكيد للمجتمعين الدولي والعربي أن لا عودة إلى الوراء في مَسار بسط الدولة سلطتها على كامل أراضيها واحتكارها حمْل السلاح، وهو المسار الذي يستعجله الخارج ويسعى لبنان الرسمي لضبْطه على توقيتِ «السلم الأهلي» والحرص على توفير «سلّم» و«أدراج حوار» لـ «حزب الله» ومعه لتسليم سلاحه، وسط اعتقاد أوساط سياسية أن اندفاعة اسرائيل النارية الأحد تحمل في طياتها رداً على التمهّل اللبناني في مقاربة مسألة السلاح وإغراق الحزب هذه العملية بأفخاخ من نوع تحديد «أولوياتٍ» برسم تل ابيب قبل بدء أي نقاش حول ترسانته العسكرية يريده بأي حال تحت سقف استراتيجية دفاعية تستنبط شراكةً ما مع الدولة.
وقد أكد عون أمام وفد من مجلس الشيوخ الفرنسي أن الدولة وحدها مسؤولة عن أمن الحدود، معتبراً «أن الانسحاب الإسرائيلي من التلال الخمس يشكّل ضرورة للإسراع في استكمال انتشار الجيش حتى الحدود، بحيث تتولى الدولة وحدها مسؤولية أمنها».
وقال إن «الجيش اللبناني منتشر على الحدود الشمالية الشرقية، ويقوم بواجباته كاملةً، ويتولى أيضاً مكافحة الإرهاب، ومنع عمليات التهريب، وحفظ الأمن الداخلي. وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية قرارٌ اتُّخذ، ومن غير المسموح العودة إلى لغة الحرب».
«حزب الله»
في موازاة ذلك، وعلى وقع مسيّرات اسرائيلية لم تهدأ في سماء مناطق عدة وبينها الضاحية الجنوبية حيث حلّقت إحداها ولساعات على علو مخفوض جداً أوحى بأنها أقرب من أي وقت، بدا «حزب الله» مجدداً وكأنه يرمي كرة المسؤولية عند لبنان الرسمي بتحميله وجوب لجم تل ابيب دبلوماسياً ومن دون أن «يسلّفها»، وفق خصومه، ما يساعد على كسر الحلقة المفرغة التي يشكّلهما سباق «ايهما اولاً» الانسحاب أو سحب السلاح، وصولاً إلى رسم تماهٍ مع الدولة عبر تأكيد «أهمية الحرص على تفاهم الدولة والمقاومة، لأن كلتاهما في مركب واحد»، وأن «الحزب لن ينجر إلى التوقيت الذي تريده إسرائيل» في أي ردّ.
وفيما برزت إشارة النائب في حسن عزالدين إلى «ارتباط» بين ضرب الضاحية الجنوبية والمفاوضات الإيرانية - الأميركية، لم يقلّ دلالة إعلان رئيس البرلمان نبيه بري أمام زواره ان «العدو الإسرائيلي يحاول من خلال هذا الاستهداف عرقلة المفاوضات الإيرانية - الأميركية، وهو يريد أن يدفع لبنان إلى حرب جديدة من خلال التأسيس لقواعد اشتباك جديدة لن تكون دائمة».
وفي حين تحدثت تقارير عن عودة رئيس اللجنة الخماسية العسكرية المولجة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف النار والقرار 1701 الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز الى بيروت على أن يلتقي غداً كبار المسؤولين، ذكر موقع «جنوبية» الالكتروني أنه «على اثر الضربة الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية وبعد نحو 15 دقيقة تحركت دورية من الجيش اللبناني الى مكان الاستهداف وعرقلها عناصر من حزب الله»، وأن الجيش «كان قبل أيام أبلغ الحزب أنه سيقوم بالكشف على بعض المواقع داخل الضاحية وتحديداً في المكان الذي استهدفه الطيران الإسرائيلي لاحقاً، لكن الحزب رفض السماح بالكشف على هذا المركز».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|