جعجع يُحدّد "موعد" إسقاط شرعية رئيس الجمهورية

ليبانون ديبايت" - المحرر السياسي
يبدو أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بدأ مبكرًا في رسم ملامح خطة سياسية ممنهجة تهدف إلى إسقاط شرعية عهد الرئيس جوزاف عون، انطلاقًا من الاستحقاق النيابي المرتقب في ربيع 2026. ووفق ما يتسرّب من أوساط سياسية مطّلعة، فإن جعجع يرى أن اللحظة المفصلية لإضعاف موقع الرئاسة تمرّ عبر إفشال تشكيل كتلة نيابية وازنة، مستقلة، تلتفّ حول خطاب القسم وتشكّل الحاضنة السياسية للعهد، بما يمكّنه من ترجمة شرعيته الدستورية والشعبية داخل المجلس النيابي. ويُضاف إلى ذلك، السعي إلى نزع الشرعية التمثيلية المسيحية عنه، في محاولة لإحباط أي مشروع سياسي داعم للعهد. بهذا، يفتح جعجع الطريق أمام حزبه للعودة إلى المجلس النيابي كصاحب الكتلة المسيحية الأكبر، متوليًا دور “الحاكم الفعلي” للجمهورية، دون الحاجة إلى التواجد في قصر بعبدا.
ليس تفصيلًا أن يتكرّر اشتباك جعجع مع كل مشروع رئاسي تقوده شخصية عسكرية. فالرجل الذي خاض معارك سياسية وعسكرية ضد قائد الجيش آنذاك ميشال عون في أواخر الثمانينات، يجد نفسه اليوم في مواجهة مع قائد سابق آخر، هو الرئيس جوزاف عون. هذا الصدام المتجدد يعيد طرح تساؤلات حول نظرة جعجع إلى كل ما يمثّله خط المؤسسة العسكرية، من انضباط وصرامة وحضور وطني. وكأن في خلفية المشهد حذرًا دائمًا – وربما رفضًا مبدئيًا – لكل مشروع سياسي يرأسه عسكري يرى فيه تهديدًا لبنيته السياسية.
وعلى الرغم من مرور ستة أشهر على انتخاب الرئيس عون، لم يُسجّل أي تواصل سياسي بين معراب وبعبدا. لا زيارة، ولا حتى موقف يشي باعتراف ضمني بالعهد الجديد. بل على العكس، تبنّى جعجع مقاربة مزدوجة: المشاركة في الحكومة عبر أربعة وزراء، بينهم وزيران يتوليان حقيبتين وازنتين، سيادية وخدماتية، مقابل شنّ هجوم سياسي وإعلامي متواصل على الحكومة، وتحميلها – ومعها رئيس الجمهورية – مسؤولية استمرار الانهيار المالي والاقتصادي، والتخاذل في حصر السلاح بيد الدولة. هذا التناقض المدروس لا يبدو إلا تمهيدًا لتصعيد سياسي قد يبدأ بانسحابات واستقالات لوزرائه من الحكومة تدريجيًا، وينتهي بمحاولة ضرب شرعية العهد قبيل الانتخابات المقبلة.
وفيما لم يتمكن رئيس الجمهورية، رغم كل ما بذله من جهد سياسي، من انتزاع ولو عبارة مجاملة يتيمة من رئيس حزب “القوات اللبنانية”، نال الرئيس السوري أحمد الشرع نصيبًا وافرًا من مديح جعجع في تصريح علني، في مفارقة لافتة تختصر مقاربة معراب تجاه الرئاسة الحالية، وتُسجّل كنقطة سياسية موجعة في رصيد الرئيس جوزاف عون.
في المقابل، يواجه العهد واقعًا سياسيًا وماليًا معقّدًا. لبنان محاصر اقتصاديًا، والمساعدات الخارجية مشروطة بإصلاحات لم تُنجز، على رأسها ملف سلاح حزب الله. الحوار الداخلي غائب، والمبادرات الإقليمية تتلاشى مع استمرار التوترات في الجنوب واحتدام المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية على أكثر من جبهة. أما الحكومة الحالية، برئاسة نواف سلام، فتفتقر إلى الكفاءة والقدرة على إدارة الأزمات، في ظل فريق وزاري لا يمتلك الخبرة، ولا أدوات التواصل الفعّال مع الداخل والخارج. في حين يبدو الفريق المحيط برئيس الجمهورية ضعيفًا، غير قادر على تأمين دعم سياسي أو حماية مسارات القرار، بل يزيد من ارتباك المشهد العام.
سياسيًا، تعمّ الضبابية الساحة. لا مؤشرات واضحة حول عودة الرئيس سعد الحريري، أو مشاركة “تيار المستقبل” في الانتخابات. ولا جواب حاسم حول ما إذا كان الرئيس نبيه بري سيترشح مجددًا إلى الانتخابات النيابية، أو من يمكن أن يخلفه في حال قرر الانسحاب. وفي حال غاب بري عن المعادلة، يفقد العهد أحد أبرز ركائز التوازن السياسي والدستوري، وأحد قنوات الضبط البرلماني الضرورية في وجه اندفاعة الخصوم.
في هذا السياق، تتردد في الكواليس السياسية “همسات” مفادها أن جعجع يسعى ليكون “رئيس الظل” بعد الانتخابات، ممسكًا بمفاتيح القرار من مجلس النواب، بعد أن يكون قد تمكّن من السيطرة على المشهد المسيحي، في ظل تراجع “التيار الوطني الحر”، واستمرار غياب الحريري. هذا السيناريو يمنحه أفضلية استراتيجية قد تعيد تشكيل التوازنات الوطنية، على قاعدة إقصائية واضحة.
وفي ظل غياب أي إنجاز فعلي على المستوى الاقتصادي أو الإداري، يبقى أمام الرئيس عون ورقة واحدة: ملف سلاح حزب الله. وهو الملف الأكثر حساسية وتعقيدًا، كونه محاطًا بالألغام السياسية، ومرتبطًا بتفاهمات إقليمية لم تنضج بعد. وهنا، على حزب الله أن يحسم موقفه: إما أن يواصل تجاهله لهذا العهد الذي أبدى انفتاحًا جديًا ومقاربة واقعية لملف السلاح، أو أن ينتظر مرحلة سياسية جديدة قد يُضطر فيها إلى الجلوس إلى طاولة يرأسها سمير جعجع، بكل ما يحمله من خطاب استئصالي.
هكذا يُراد للعهد أن يُشلّ، وهكذا يُراد للرئيس أن يُحاصر، وهكذا يُراد لجعجع أن يعود حاكمًا… لا من القصر، بل من المجلس.
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|