الصحافة

خطة السلاح: تهدئة موقتة أم بداية تسوية شاملة؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يطلّ المشهدان اللبناني والإقليمي على منعطف دقيق، مع عودة لجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار في الناقورة إلى الانعقاد بعد أشهر من الجمود. ليست مجرد عودة تقنية لمسار بروتوكولي، بل هي إشارة مزدوجة تكشف عن مسعى أميركي لترتيب قواعد الاشتباك في الجنوب، وتثبيت الجيش اللبناني كطرف أساسي في المعادلة الأمنية، بما يعكس محاولة واشنطن الجمع بين دعم مؤسسات الدولة والضغط غير المباشر على حزب االله.

الحضور الأميركي اللافت، من خلال الموفدة مورغان أورتاغوس وقائد القيادة المركزية الأدميرال براد كوبر، حوّل الاجتماع من مجرد متابعة لآليات القرار 1701 إلى منصة سياسية. فالرسالة واضحة: الولايات المتحدة تضع الجيش في صدارة الاهتمام، وتربطه بمسار دولي يراقب عن كثب أي تصعيد أو خرق، في ظل إصرار الحكومة على خطة حصر السلاح بيد الدولة. وبدت الجولة الميدانية التي قام بها الوفد الأميركي مع قيادة الجيش أقرب إلى إعلان نوايا: واشنطن تساند المؤسسة العسكرية وتدعو الأطراف جميعها إلى التهدئة، لكن من دون التنازل عن حقها في إدارة ميزان الضغوط.

في المقابل، تعكس المداولات الجارية استعداداً إسرائيلياً للقبول بمبدأ التهدئة، لكنه استعداد مشروط. فتل أبيب لا تزال تنظر بريبة إلى قدرة لبنان على فرض سلطته الكاملة، أقلّه في جنوب الليطاني. صحيح أن ثمة إعلاناً شبه رسمي عن أن جمع السلاح جنوب الليطاني تحقّق بنسبة 85%، إلا أنّ هذا لا يُلغي الشكوك الإسرائيلية حيال ما تبقّى من نفوذ لحزب االله. الشرط الإسرائيلي إذاً ليس تفصيلاً، بل هو اختبار لمعادلة الداخل اللبناني ولجدية الدولة في ترجمة قراراتها.

هنا تبرز معضلة حزب االله. فالحزب، الساعي إلى تجنّب مواجهة مباشرة في هذه المرحلة، يقدّم إشارات مرنة عبر تأكيده التعاون مع الجيش في الخطوات الميدانية. لكنه في الوقت نفسه يحافظ على مسافة تحفظ له موقعه الاستراتيجي: لا يريد أن يظهر في موقع المعطِّل، ولا أن يعطي انطباعاً بأنه سلّم قراره العسكري. تكشف هذه الازدواجية إدراك الحزب أن التصعيد مكلف، وأن الانخراط في مسار التهدئة تحت مظلة الجيش قد يحميه من ضغوط أكبر، لكنه لا ينزع عنه صفة القوة المقرّرة في المعادلة اللبنانية.

بدورها، تكشف التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بعد قرار الحكومة بجمع السلاح جانباً آخر من المشهد. فتل أبيب تعتبر الخطة اللبنانية «غامضة» وتفتقر إلى جدول زمني واضح، مما يسمح وفق ظنّها بإبقاء الباب مفتوحاً أمام تفاهمات داخلية تراعي دور الحزب. في العمق، تخشى إسرائيل أن تتحول هذه الخطة إلى تسوية جديدة بين الدولة وحزب االله، من دون أن تغيّر جوهر المعادلة العسكرية. لذلك تسعى إلى جرّ واشنطن لتبنّي مقاربة أكثر تشدداً، تدعم خيار الضغط وربما المواجهة.

لكن الموقف الأميركي لا يبدو متماهياً بالكامل مع هذا التوجه. تدرك واشنطن، المنشغلة بتفادي انهيار الحكومة اللبنانية، أن أي مواجهة واسعة قد تقوّض فرص إعادة الإعمار وتدفع السلطة في لبنان أكثر نحو الارتهان إلى التوازنات الإقليمية. هنا يظهر التناقض بين الحليفين: إسرائيل تريد إضعاف الحزب كشرط لتقوية الدولة، فيما ترى الولايات المتحدة أن تصليب مؤسسات الدولة قد يكون السبيل لتقليص نفوذ الحزب تدريجياً. وبين هذين الخطين، تبقى المعادلة اللبنانية أسيرة لعبة عض الأصابع.

يضيف التحرك العربي بُعداً آخر. فالترحيب السعودي الضمني باجتماعات الناقورة ونيّة إرسال مبعوث رفيع إلى بيروت يشي بأن الرياض تراقب التطورات وتستعد لدور سياسي داعم. هذا لا يعني انخراطاً مباشراً في التفاصيل الأمنية، لكنه يعكس إدراكاً عربياً بأن تثبيت التهدئة في الجنوب ضرورة إقليمية تتقاطع فيها مصالح دولية وخليجية.

على خطٍ موازٍ، يختبر حزب الله نيات الحكومة. أعاد السجال حول خطة الجيش لجمع السلاح فتح النقاش البنيوي في مفهوم السيادة والأمن. فبينما تعتبر الحكومة أن الخطة خطوة جريئة لإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة، يصرُّ الحزب على أن أي حديث عن نزع سلاحه قبل تسوية الصراع مع إسرائيل يتجاهل الأساس الذي قامت عليه معادلة المقاومة منذ عام 2000. هذا التناقض ليس تقنياً، بل يعكس رؤيتين متصارعتين للبنان: دولة مكتملة السيادة أم ساحة مواجهة إقليمية.

تأسيساً على هذا الواقع، يبدو لبنان واقفاً عند مفترق طرق حاسم. نجاح خطة الجيش في الترسخ كمسار تراكمي نحو حصرية السلاح قد يفتح الباب أمام إعادة بناء الدولة، لكن أي إخفاق أو انزلاق نحو التصعيد سيعيد إنتاج الأزمة المزمنة. الرهان الأميركي على الجيش، والتوجس الإسرائيلي، وحسابات حزب االله، والترقب العربي، كلها عناصر متداخلة في مشهد واحد. أما الخلاصة فهي أن الجنوب بات من جديد مختبراً لموازين القوى، وأن أي تسوية مستقبلية ستظل رهينة القدرة على التوفيق بين السعي إلى التهدئة والحاجة إلى حفظ التوازنات الداخلية والإقليمية.

أنطوان الأسمر- "اللواء"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا