"الحزب ": لتعبئة الفراغ السياسي تمهيداً لفرض فرنجية!
كان لافتاً في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الأخيرة تراجع عدد أصوات المرشح ميشال معوض. يشير ذلك إلى تفكك وتضعضع في جبهة خصوم "حزب الله" وعدم قدرة هذا المحور على السير بخيارات تمكنه من الاستقطاب. الصورة التي تعكسها هذه النتائج في غياب خيار ثالث قادر على انتخاب رئيس انقاذي، هو الهجوم المضاد لـ"حزب الله" داخلياً والذي يقترب من إعلان مرشحه الرسمي سليمان فرنجية وتشكيل كتل حوله وذلك بالرهان على الوقت لاقتناع الآخرين أن لا جدوى من الإصرار على ما يسميه مرشح تحدي ومواجهة. هذا الواقع يشير إلى أن التسوية في لبنان لا تزال بعيدة وتعكس إلى حد بعيد مراهنات قوى عدة فاعلة على تغييرات إقليمية ودولية، فيستمر تعطيل انتخاب الرئيس وإنجاز الاستحقاقات الأخرى كما العجز عن انتاج حل مرحلي للأزمات التي تعصف بالبلد.
العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية استعيض عنه بدعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى عقد جلسة لإقرار عدد من المشاريع والملفات الطارئة والضرورية، أي تفعيل عمل مجلس الوزراء بصيغة استثنائية مختلفة عما مارسته حكومة تمام سلام بين العامين 2014 و2016 في ظل الفراغ الرئاسي أنذاك، وهي كانت حكومة أصيلة. وتعكس هذه الوجهة، بحسب "النهار" محاولة تعبئة الفراغ السياسي في البلد على الرغم من المعارضة الشرسة للتيار الوطني الحر. ويظهر أن الدعوة لعقد الجلسة لم تكن لتحصل من دون تشاور مسبق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري و"حزب الله" اللذين قدما ضمانات بتمرير الجلسة خصوصاً الحزب الذي يريد إعادة تفعيل الحكومة بديلاً عن الفراغ الرئاسي إلى حين كسب التأييد لمرشحه الذي "لا يطعن المقاومة"، والهدف من ذلك تجاوز أزمته ورد الاتهامات التي تحمله مسؤولية التعطيل القائمة على رهاناته الإقليمية.
التطورات في المسار الرئاسي والحكومي بدأت تسلط الضوء على توجهات "حزب الله" للمرحلة المقبلة. تعطيل انتخاب الرئيس استخدمه الحزب مع حلفائه للضغط على الآخرين حتى اقتناعهم آخيراً أن لا تسوية من دون كلمته، المقرر فيها والمدعوم إيرانياً إلى اقصى الحدود. ويتضح هذا الدعم الكبير من التغطية والامدادات الإيرانية، انما الاهم وضع لبنان في الأجندة الإيرانية كساحة مواجهة مع الأميركيين، وموقع نفوذ لا يمكن التنازل عنه بخلاف ساحات أخرى يمكن البحث فيها وعقد تسويات وتقاسم السلطة. لذا يهم "حزب الله" عودة حكومة تصريف الأعمال لأسباب مرتبطة باستراتيجيته، بخلاف ما يسعى إليه ميقاتي لتثبيت موقع الرئاسة الثانية واستعادة المبادرة بموازاة تسيير الشؤون الحياتية التي تستلزم قرارات حكومية. وفي المعلومات أن الحزب يسعى إلى إقناع جبران باسيل لمشاركة وزرائه ويضغط لتطويعه علماً أن التيار لا يستطيع فرط انعقاد الجلسة من دون مقاطعة وزراء الحزب.
وبينما يرفض التيار الوطني الحر عقد الجلسة ويعتبر قراراتها تعدياً على صلاحيات رئيس الجمهورية، إلا أنه يحصر تصعيده اليوم ضد ميقاتي ويحيّد "حزب الله"،وهذا الاخير لا يزال بحاجة إلى التيار ويرفض استفراده، لذلك يسعى إلى ابتداع صيغة لا تؤدي إلى تفجير الحكومة والاجواء، أولاً باكتفاء حكومة تصريف الأعمال بإقرار ملفات عادية وتجنب طرح الخلافية، أو السير بما يسمى المراسيم الجوالة للتوقيع، علماً أن الوزراء اليوم لا يحلون مكان رئيس الجمهورية كما في حكومة سلام، إذ يرفض ميقاتي اتخاذ القرارات بالاجماع وبتوقيع منفرد لكل وزير، فذلك يؤدي إلى تفريغ صلاحيات رئاسة الحكومة وتحويلها إلى مجرد "ساعي بريد".
لكن مجرد عودة جلسات حكومة تصريف الاعمال، فإن قراراتها لن تقتصر على مشاريع عادية، بل ستطرح ملفات تدرج تحت العنوان الخلافي، وهو ما يعترض عليه التيار، انطلاقاً من التجارب السابقة. فتبرير عودة "حزب الله" و"حركة أمل" سابقاً للمشاركة في اجتماعات الحكومة بعد تعطيلها اعتراضاً على تحقيقات انفجار المرفأ ولتنحية القاضي طارق البيطار، كانت لمناقشة الملفات المالية والاقتصادية والحياتية، لكنها أقرت العديد من الملفات السياسية. وهذا يعني أن الوجهة لعقد الجلسات بدعم من "حزب الله" هي محاولة لتعبئة الفراغ السياسي وترحيل انتخاب رئيس الجمهورية إلى حين اجتراح صيغة تسوية برعاية إقليمية ودولية.
بدا أن الارتباط عميق بين استحقاق الرئاسة وعودة الحكومة، بالنسبة إلى "حزب الله" تحديداً، ولذا نشهد تغيّرات في أدائه السياسي ظهرت منذ توقيع اتفاق الترسيم والتفاته إلى الوضع الداخلي. فالحزب لم يستطع إقناع باسيل حتى الآن بتبني سليمان فرنجية كمرشح للممانعة، ولا يمكنه تقديم ضمانات له بالحفاظ على مكتسباته التي تحققت في عهد ميشال عون، فيما يسعى "حزب الله" إلى استيعابه خوفاً من انجرافه إلى خيارات سياسية تُفرض عليه إذا قرر الاميركيون رفع العقوبات عنه، وذلك على الرغم من أن باسيل بحاجة للحزب الذي يلعب على هذه الورقة، وهو ليس بمقدوره فعل شيء أو الحصول على مكتسبات وحصص من دون دعم يوفره له "حزب الله".
يتضح أيضاً أن وجهة "حزب الله" لتعبئة الفراغ السياسي ومحاولة إيصال رئيس حليف للمقاومة أو فرضه، ترتبط بالتصعيد الإيراني الأخير، والذي تمثل بخريطة الطريق التي وضعها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامئني للمنطقة ومن بينها لبنان. فأي تسوية خارجية لأزمة لبنان لا بد أن تتبلور بتفاهمات إيرانية - أميركية - سعودية، وان كانت الاخيرة لم تعر في السابق أي اهتمام للوضع اللبناني واعتبارها أن الممسك بالحكم والحكومة هو "حزب الله" ولا مجال للتفاوض معه. وفيما المنطقة تعيش مرحلة توتر وصراع جديدين ومواجهات فإن لبنان لن يكون بمنأى عنها، وهذا يعني "حزب الله" مباشرة المتوقع أن يتشدد في الملفات الداخلية اللبنانية، وهو بالفعل قطع شوطاً كبيراً في إعادة لملمة أوضاعه وتشكيل محوره، وإن كان حليفه جبران باسيل لا يزال يراهن على تغييرات داخلية وخارجية تعيد الاعتبار له في تقرير مصير الاستحقاق الرئاسي.
سيندفع "حزب الله" أكثر إلى الامساك بالملفات وحجزها في إطار التصعيد الإيراني، وذلك في غياب أي تفاهمات إقليمية ودولية. ويبدو أن الحزب ذاهب إلى التشدد في الاستحقاقات والإمساك بكل مفاصل الوضع اللبناني. هذا يعني أن البلد قد يعود إلى مسار المواجهة، بعد مرحلة من التهدئة، خصوصاً وأن التصعيد الإيراني لا يقابله أي ضغط خارجي فاعل حول لبنان. فالسعودية وان كانت تسعى إلى إعادة تجميع البيئة السنية لكنها تعتبر أن لبنان خاضع لسيطرة إيران. فيما الحركة الفرنسية تفتح خطوطاً مع الإيرانيين و"حزب الله" ولا مشكلة عند باريس في صوغ تسوية قد توصل حليفاً ممانعاً للرئاسة طالما أن سياستها تركز على ضروة انجاز الاستحقاقات الدستورية بأي ثمن. كل ذلك يؤكد أن التسوية مؤجلة والبلد إلى مزيد من الخراب...
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|