الصحافة

عشائر السويداء لـ"الهجري": الجمر لا يزال متقداً تحت الرماد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

على الرغم من إعلان أطراف الصراع، الذي اندلع بمحافظة السويداء ما بين 13 - 18 تموز الفائت، عن قبولهم اتفاق وقف «إطلاق النار»، الذي تم التوصل إليه بعد يوم من هذا التاريخ الأخير، وأضحى نافذ المفعول بدءا من يوم 21 تموز، فإن ذلك لم يؤد إلى استعادة المدينة لهدوئها، وزاد من ذلك التطورات المتسارعة التي سوف تشهدها المدينة فيما بعد تلك الأحداث، والتي كان أبرزها رفض «اللجنة القانونية العليا»، التي تأسست بقرار من «رئاسة الطائفة الروحية للموحدين الدروز» برئاسة الشيخ حكمت الهجري، لـ«خارطة الطريق» السورية الأردنية، والمدعومة أميركيا، التي جرى الإعلان عنها لحل الأزمة في السويداء يوم 16 أيلول الجاري، وما زاد في منسوب التوتر هو إن تلك «اللجنة» دعت في اليوم التالي، يوم 17 أيلول، لجمع آلاف التواقيع التي ترفع شعار «حق تقرير المصير»، وهو الاستفتاء الذي استمر لمدة ثلاثة أيام، وكانت نسبة المؤيدين فيه لذلك «الحق»، تكاد أن تصل إلى 100% من عدد المشاركين، وفقا لما ذكرته العديد من صفحات الناشطين التي يديرها أشخاص محسوبون على التيار الداعي لتكريس «الحالة الانفصالية» للمدينة .

أصدر «أبناء عشائر السويداء المهجرة»، يوم أول من أمس الثلاثاء، بيانا تحذيريا شديد اللهجة اتهموا فيه «ميليشيات الشيخ حكمت الهجري»، بممارسة شتى أنواع «السلب والاختطاف»، كما هدد البيان بـ«رد عسكري حاسم»، في حال قامت تلك الميليشيات بـ«نقض اتفاق وقف إطلاق النار، وخارطة الطريق المعمول بها دوليا»، وأضاف البيان المصور، أن «عشرات الفيديوهات وصلت إلينا، وهي تظهر تهديدات بهجوم على قرى المحافظة المحررة»، والبيان الذي أكد دعمه للحكومة السورية ووقوفه «معها في هذه المرحلة المصيرية»، كان قد حدد مسارات ثلاثة للرد في حال «قررت تلك الميليشيات خرق الاتفاق»، أولها «القيام بشن هجوم مضاد وشامل لتحرير كامل محافظة السويداء»، وثانيها «العمل على تحرير المختطفين من أطفال ونساء و رجال بالقوة»، ثم «استعادة المنازل والأراضي والممتلكات المسلوبة» التي قال البيان انها ستعود طال الوقت أم قصر، كما حمل البيان الشيخ الهجري، وميليشياته، «المسؤولية الكاملة عن أي تصعيد مقبل»، وناشد البيان عشائر عموم سوريا بضرورة «الاستعداد لساعة الصفر التي ستقرع إذا نقض الأعداء اتفاقهم»، مضيفا إن «هذه المعركة ستكون معركة الكرامة والوجود».

أهم ما يشير إليه بيان العشائر هو إن «الجمر لا يزال متقدا تحت الرماد»، وإن اتفاق وقف إطلاق النار هش إلى الدرجة التي لا يمكن معها الركون إليه في سياق التأسيس لاستقرار طويل ومستدام، لكن توقيت نشر البيان، الذي جاء بالتزامن مع تزايد حظوظ «الاتفاق الأمني»، المزمع توقيعه ما بين دمشق وتل أبيب، وهو الأمر الذي أكده المبعوث توم براك، الذي قال أمام تجمع للصحفيين، يوم أول من أمس الثلاثاء، إن «سوريا واسرائيل تقتربان من إبرام اتفاق خفض التصعيد»، من الصعب له أن يكون عبثيا، وبمعنى آخر فإن التزامن بين الحدثين لم يكن مصادفة، بل إن أحدهما جاء نتيجة للآخر.

كشفت أحداث السويداء، شهر تموز المنصرم، عن أزمة مستعصية لم يكن يعرف أنها بهذا الحجم الذي ظهرت عليه، فمنذ اندلاع النزاع ما بين الميليشيات الدرزية و بين عشائر السويداء، تداعت العشائر العربية، من أقصى البلاد إلى أقصاها، لإسناد و دعم هذه الأخيرة، وفي تقرير لوكالة «رويترز»، نشرته بعد يومين من اندلاع الصراع، جاء إن «نحو 200 ألف مقاتل من العشائر العربية كانوا قد توجهوا إلى المحافظة الجنوبية لمساعدة عشائر السويداء»، وعلى الرغم من أن هكذا خطوة كانت قد «أثلجت» صدر الحكومة في دمشق لاعتبارات عديدة، فإنها كادت، من حيث النتيجة، أن تعصف بكل شيء على وقع التدخل الإسرائيلي الحاصل يومي 15 و 16 تموز، وعلى الرغم من الآثار الكارثية التي خلفها هذا الأخير على بنية حكومية شديدة الهشاشة، فإن العديد من أولئك المقاتلين أبدى رفضه لموافقة دمشق على وقف دائم لإطلاق النار، وعليه، سرعان ما تكشّف، لهذه الأخيرة، إن المخاطر المتولدة عن «فزعة» العشائر قد تفوق تلك المتولدة عن الأزمة «الأم» .

ذكر مضر حماد الأسعد رئيس «المجلس الأعلى للعشائر العربية في سوريا»، في تصريح له شهر آب المنصرم، ان «العشائر، ومجلسها، يمثلون ما يقارب من 75% من الشعب السوري»، وأضاف إن «دور العشائر هو التصدي للمؤمرات، والدفاع عن الدولة بوجه أعداء الداخل والخارج»، في محاولة منه لتبرير نداء «فزعة العشائر» الأخيرة نحو السويداء لقتال الفصائل الدرزية، وإذا ما كان من المؤكد هو ان الرقم الذي ذكره مضر حماد مبالغ فيه، وبدرجة كبيرة، إلا إن الثابت هو إن ثمة انزياحات مجتمعية كانت قد بدأت مع بدء اندلاع الأزمة السورية ربيع العام 2011، وأدت من حيث النتيجة إلى تنامي العصبيات على اختلاف أنواعها، ومنها العصبية العشائرية، على وقع انحسار دور الدولة الآخذ بالتلاشي آنذاك، بحيث لم يعد الركون للنتائج التي خلصت إليها الدراسة التي أصدرها «مركز عمران للدراسات»، عام 2016، وجاء فيها «إن تقديرات عام 1999 لنسبة البدو في سوريا هي بين 5 - 7 % من إجمالي السكان»، ومن المؤكد إن تلك النسبة قد ارتفعت، وإن كان من الصعب القبول بأنها أصبحت عند 75% التي ذكرها حماد، لكن أيا تكن تلك النسبة، فإن المشكلة، التي تبرز هنا، لا تنحصر في الثقل الذي تحظى به العشائر السورية فحسب، بل تتعداها إلى مشكلة تكاد تكون الأهم، وهي تكمن في أن «الولاء» العشائري، هو من النوع العابر للحدود، والمعروف إن خرائط «سايكس بيكو»، 1916، كانت قد فرضت على «بنيان» العشيرة ذاتها العيش في بلدان عديدة ، وكمثال على ذلك فإن عشيرة «بنو خالد»، المنتشرة في حوران ودرعا، لها امتداد واسع في الأردن، أما عشيرة «الحويطات»، المنتشرة أيضا في درعا والسويداء، فلها امتدادات كبرى في الأردن وشمال الحجاز بالسعودية، ومثلها العشائر المنتشرة في الجزيرة السورية التي يكاد ثقلها الأساس يتركز في العراق والسعودية، ومن المؤكد أن قدرة الدولة، في ظل واقع كهذا، سوف تكون في حدودها الدنيا، خصوصا مع ضعف القاعدة المجتمعية والسياسية التي تستند إليها هذه الأخيرة، ناهيك بأن تلك التركيبة كفيلة بجعل «العشائر» السورية ورقة بإيدي من يسعى لتجميع الأوراق، من نوع الباحثين عن توسعة أدوارهم على الساحة السورية، أو حرف المسارات الراهنة من ضفة إلى أخرى يراها أكثر ملاءمة لأمنه، أو لمصالحه، بغض النظر عن الآثار التي يمكن للفعل أن يخلفها على واقع سوري باتت مؤشراته تقول إنه ينتظر عند حافة الانهيار.

عبد المنعم علي عيسى - الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا