زمن التروي والصبر المطلق: تحوُّلات في حزب الله بعد نصر الله
عامٌ مرّ على اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان؛ حربٌ لم يشبه ما بعدها ما قبلها على الإطلاق، ولا سيّما بالنسبة إلى حزب الله، الطرف الذي كان نصيبه الأكبر من تبعاتها. فالحزب خاض هذه المواجهة مسانداً لغزّة، ودفع ثمناً باهظاً تمثّل بآلاف الشهداء والجرحى، وبفقدان قيادتي الصفَّين الأوّل والثاني، وصولاً إلى الضربة القاصمة التي أصابت بنيانه باستشهاد أمينه العام السيّد حسن نصر الله، الرجل الذي كان يشكّل بعزيمته وكاريزماه وحنكته السياسية ضابطَ الإيقاع للحزب. لقد أُدخل التنظيم إثر ذلك في نفقٍ مظلم لم يتعافَ منه بعد بشكلٍ كامل، إذ إنّ ما جرى لم يكن حدثاً عادياً، ولولا تماسك بنيته لكان انهار بالكامل، وهذا يُسجَّل له. وبعد أن طوى الحزب صفحة السيّد نصر الله والسيّد هاشم صفيّ الدين، انتقل إلى مرحلة جديدة بقيادة الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً، لتُطرح الأسئلة الكبرى: إلى أين وصل هذا التنظيم الأصفر بعد عامٍ على أقسى حربٍ عرفها؟
معركة الحزب بين الداخل والخارج
معركةُ الحزب اليوم ليست خارجيّةً فحسب، بل داخليّةٌ أيضاً؛ فهو يسعى إلى تثبيت وجوده وسط عاصفة ضغوطٍ تُمارَس عليه، خصوصاً في ملفِّ السلاح الذي لا يزال يراوح مكانه، مع خطواتٍ تصعيدية من الحكومة اللبنانية. هذا عدا عن الخروقات والحرب الإسرائيلية المستمرة، ووقوف الحزب بين إيكال المهمة للدولة أو العودة للتصدي من جديد. في هذا الإطار تُفيد معلوماتُ "المدن" أن القيادة السياسية للحزب تدرك تمامًا حساسيةَ المرحلة وصعوبتها، ولا تُفكّر في القيام بأي خطواتٍ عسكرية تصعيدية؛ بل ستترك عهدة الملف بيد الدولة اللبنانية لإظهار حقيقة رؤيتها — أن الدولة عاجزة عن التصدي بشكلٍ مطلق — إضافةً إلى علمها الكامل بأن إسرائيل لن تتهاون مع أي محاولةٍ للحزب للدخول مجدّدًا في الصراع والرد ولو بشكل محدود على الخروقات. وتشير معلومات مصادر مطلعة على أجواء حزب الله، إلى إن الحزب، ومع استيائه من تصريحات الموفدين الأميركيين، يُبدي أهميّة لتلك التصريحات على الصعيد التنظيمي في تثبيت نظريته القائمة على أن لبنان في حاجةٍ إلى سلاحه لمواجهة الأطماعِ الإسرائيلية.
نعيم قاسم… قيادة بواقعية لا بشعبوية
وفي إطار المطالبات المستمرة بضرورة ردع إسرائيل مجدّدًا ، تُفيد معلومات "المدن" أن الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، يتصرَّف بواقعيةٍ لا شعبوية؛ وقد قال في أحد اجتماعاته الداخلية مع قيادات الحزب إن المرحلة الآن مختلفة عما كانت عليه مع السيّد حسن نصر الله. إذ كان السيّد يمتلك المعطيات التي تمكّنه من الحديث عن إمكان الدخول إلى الجليل وإمطار إسرائيل بالصواريخ، هذا عدا عن وضع دول المحور آنذاك من سوريا إلى إيران والمقاومة في غزة. إلا أن الحرب كانت غادرةً وصعبةً وتلقّينا فيها ضرباتٍ كبيرة. واليوم يتردَّد عن قاسم قوله إن المرحلة مرحلةُ صبرٍ وبناءٍ للهرمية من جديد، وأن الحزب ليس في وارد الدخول مجدّدًا خصوصًا في هذه المرحلة المعقّدة؛ فلا يمكن التهورُ بقرارٍ يغامر بمستقبل لبنان عمومًا وحزب الله خصوصًا، في ظلّ الضغط الداخلي والخارجي والحصار على الحدود.
إعادة الهيكلة: نقاشات لا خلافات
دفعت هذه التطورات بعضَ الجهات في لبنان إلى تسريبِ إشاعاتٍ عن خلافاتٍ داخل قيادة الحزب نفسها، وخصوصًا على المستويين السياسي والعسكري فيما يتعلّق بتعامله مع تطوّرات الحرب لجهة نهايتها وما بعدها. وفي هذا الإطار تُؤكّد مصادر مطّلعة على أجواء حزب الله لــ"المدن" أن الحزب لا يزال حتى هذه اللحظة يخوض ما يُعرف بعملية إعادة الهيكلة التي لم تنتهِ بعد، وأن هذا الأمر لا يعكس خلافًا بالمعنى المتعارف عليه، بل أن هناك نقاشاتٍ مستمرة لتجنّب تكرار أي خطأٍ سابق. وهناك ثقةٌ بالشيخ قاسم كقائدٍ للمرحلة الحالية وتعاطيه الواقعي مع الأمور، وحتى مع امتعاض البعض من شعبية الحزب تجاه بعض القرارات والرضوخ أحياناً وعدم المواجهة مع الدولة، فإن قيادة الحزب تعي تمامًا أن التعامل مع المرحلة لا يكون وفق ما يتمنّاه المشاهدون، بل وفق مقتضيات المصلحة الحزبية الخالصة.
تعدد الأصوات: فراغ الكاريزما بعد السيد
بعد استشهاد السيّد نصر الله برز أيضًا في الحزب كثرةُ المصرّحين والمتحدّثين باسمه، حتى لاحظ البعضُ فروقاتٍ بين تصريحٍ وآخر؛ فعندما يقول الشيخ قاسم استعداده لنقاش مصير السلاح، ويأتي تصريحٌ آخر من قياديٍ بعدم القبول بالنقاش في هذا الموضوع، فإن ذلك يشي بأمرٍ ما غريبٍ لم يكن يحدث في أيام السيّد نصر الله. وتلفت المصادر هنا إلى أنه، وفي هذه المرحلة بعد ما جرى، من الطبيعي أن تسير الأمور بهذا الشكل، إلا أن الجميع يقف خلف قرارات مجلس الشورى الجهة الموكَّلة بالقيادة واتخاذ القرار، علماً أن شخصية السيّد كانت تطغى على الشورى أحيانًا، وبقي متفرّدًا في صنع القرار مستندًا إلى الثقة التنظيمية والشعبية. وتؤكّد المصادر أن لا خلاف داخلي بين الشيخ قاسم ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا كما حاول البعض أن يروّج، وأن العلاقة جيدة وتسير وفق الأطر التنظيمية. والحزب يحتاج مزيدًا من الوقت لإعادة تثبيت بنيانه والعودة كما كان، خصوصًا مع المشاكل المالية والضغط الخارجي والداخلي وكثرة الاستحقاقات.
نعيش سوياً وإلا!
من الصعب جدًا أن يتكرّر السيّد وأن تتكرّر مرحلة حزب الله في عهدِه، لكن الحزب لا يزال موجودًا وحاضرًا ومتماسكًا داخليًا ويتعاطى مع المرحلة بتروٍ وصبرٍ مطلقٍ، رغم بعض الهفوات التي تظهر. تلك الهفوات دفعت بعض الإعلاميين الذين يسيرون في ركب الحزب إلى الحديث عن أمور لا يرغب الحزب في الكشف عنها، كتمويله جهات داخلية معيّنة. لكن قيادة الحزب تحاول معالجة المسائل العالقة، لتصل إلى عودة الاستقرار التي لا تكتمل دون انسحاب إسرائيل ووقف الخروقات. وهو — أي الحزب — سيبقى متمسّكًا بالدولة لأنه يدرك تمامًا أن قرار السلم والحرب لن يعود إليه كما في السابق، لكنه أيضًا لن يسلم كل أوراقه؛ فهو في انتظار الانتخابات النيابية المقبلة ليؤكّد داخليًا أن تمثيله واسع ولا يمكن تجاوزه في السياسة المحلية. وفي حال شعر بأن الضغط الخارجي سيستمر بالتوازي مع الضغط الداخلي للنيلِ من وجوده وإضعافه، وفي حال قررت إسرائيل وأميركا خنقَ الحزب بالكامل، فسيكون خياره في النهاية كما يورد المثل المصري الشائع: «يا نعيش عيشة فلّ، يا نموت إحنا الكل".
حسن فقيه - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|