الصحافة

عامٌ على رحيل نصر الله: بري نصح السيد بمغادرة لبنان

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ماذا في تفاصيل الأيّام الأخيرة التي عاشها الأمين العامّ الأسبق لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله قبل الاغتيال؟ تفاصيل تُحكى للمرّة الأولى تكشفُ ماذا حصلَ في السّاعات الأخيرة التي سبقَت تنفيذ سلاح الجوّ الإسرائيليّ لواحدٍ من أكبر الاغتيالات التي نفّذتها تل أبيب. وماذا بعدَ اغتيال نصرالله؟ كيفَ غيّر رحيله سياسة “الحزب”؟

 الزّمان: 27 أيلول 2024 بتمام السّاعة 6:18 دقيقة غروبَ ذلكَ اليوم.

المكان: مقرّ الأمانة العامّة لـ”الحزبِ” أسفل 6 مبانٍ في منطقة حارة حريك – الضّاحية الجنوبيّة.

تُدوّي عشرات الانفجارات في أرجاء العاصمة اللبنانيّة بيروت وضاحيتها الجنوبيّة ومناطق جبل لبنان تُرافقها اهتزازات أرضيّة.

أيقَنَ الجميع في تلكَ اللحظة أنّ الهدفَ ليسَ عاديّاً. لم تكد تمرّ نصف ساعة، حتّى أعلنَ المُتحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ يومها دانيال هغاري أنّ سِلاح الجوّ استهدفَ مقرّ الأمانة العامّة لـ”الحزب”، وأنّ المسؤولين الإسرائيليّين بانتظار نتيجة العمليّة.

بعدَ ساعةٍ أعلنَ الجيش الإسرائيليّ أنّ المُستهدَف هو الأمين العامّ لـ”الحزبِ” السيّد حسن نصرالله الذي كانَ يعقدُ اجتماعاً مع قائد قوّة القُدس في لبنان وسوريا العميد عبّاس نيلفروشان بحضور قائد جبهة الجنوب في “الحزب”، وأحد الخلفاء المُحتملين لنصرالله، بحسب ما كشفَ مصدر مُطّلع لـ”أساس”، علي كركي (الحاج أبي الفضل) الذي عُيِّنَ قائداً لعمليّات “الحزبِ” خلفاً لإبراهيم عقيل (الحاج عبدالقادر) عقبَ اغتياله قبل اغتيال نصرالله بأسبوع.

أيقَن نصرالله أنّه باتَ مكشوفاً وفي دائرة الاستهداف بعد 3 محطّات أساسيّة:

  • اغتيال مُستشاره والقائد العسكريّ فؤاد شكر (السّيّد محسن) في 30 تمّوز 2024.
  • تفجير أجهزة النّداء (البيجر) واللاسلكي يومَيْ 17 و18 أيلول 2024.
  • اغتيال قائد العمليّات و”قوّة الرّضوان” إبراهيم عقيل ومعه قياديّو الوحدة في أيلول 2024.

نصيحة برّي لنصرالله

وسّعت إسرائيل غاراتها وهجماتها على لبنان يومَ 23 أيلول 2024. في ذلكَ التّاريخ استهدفَ سلاح الجوّ الإسرائيليّ مخازنَ صواريخ استراتيجيّة ومتوسّطة المدى في الجنوب والبقاع. واستهدفَ منظومات للدّفاع الجوّيّ في منطقتَيْ “المعيصرة” في كسروان، و”علمات” في جبيل. واستهدفَ أيضاً مخازن ومنصّات ورادارات صواريخ أرض – بحر مُتطوّرة من طراز “ياخونت” الرّوسيّة الصّنع، ومن طراز C-802 الصّينيّة الصّنع. بالإضافة إلى مخازن صواريخ قصيرة المدى ومضادّة للدّروع من طراز “كورنيت” و”دبل كورنيت” و”كونكورس”.

أسفرَ ذلكَ اليوم عن مقتل ما يزيد على 300 من عناصر ومسؤولي “الحزب” في سلسلة اغتيالات نفّذها الإسرائيليّون جنوباً وبقاعاً وفي الضّاحية الجنوبيّة.

كانَ واضحاً حجم الانكشاف الأمنيّ لكلّ ما لدى “الحزب” من عناصر بشريّة قياديّة ومخازن سّلاح وغرف عمليّات. هذا دفعَ رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي لأن يوفِدَ أحد المُقرّبين منه حاملاً رسالةً للأمين العامّ لـ”الحزبِ” ينصحه فيها أن يغيّر مكان إقامته أو أن يُغادرَ لبنان على اعتبار أنّه باتَ في دائرة الاستهداف المُباشر. لكنّ جوابَ نصرالله على نصيحة برّي كان “أنا أريد الشّهادة”.

ميقاتي يُلغي.. ثمّ يغادر

تزامنَ توسيع الضّربات الإسرائيليّة مع انعقاد الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة في نيويورك. وكانَ معلوماً أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال يومذاك نجيب ميقاتي قد أعلنَ في 21 أيلول إلغاء مشاركتهِ في أعمال الجمعيّة العامّة بسبب ما يحصل. لكنّه في 24 أيلول غادرَ فجأة إلى نيويورك مع توالي الأنباء عن وساطة أميركيّة – فرنسيّة لإبرام اتّفاقٍ لوقفِ إطلاق النّار.

لكنّ السّؤال هو: ما السّبب الحقيقيّ لمغادرة ميقاتي بيروت إلى الولايات المُتّحدة؟

تكشفُ معلومات “أساس” أنّ نصرالله أوفدَ مساءَ 23 أيلول أحد المُقرّبين منه إلى السّراي الحكوميّ، وطلبَ من ميقاتي المُغادرة إلى نيويورك للتّفاوض على وقف إطلاق النّار على أساس قرار مجلس الأمن 1701 وما يتضمّنه من تفكيكٍ للسّلاح في منطقة جنوب نهر الليطانيّ.

سأل ميقاتي الموفد: “هل هناك ضمانات لالتزام “الحزبِ” بوقف إطلاق النّار؟”، فأجابه: “السّيّد يقول إنّه هو الضّامن لذلكَ”. على هذا الأساس ألغى ميقاتي جلسة مجلس الوزراء في 24 أيلول وتوجّه إلى نيويورك.

الخديعة.. مرّة جديدة

حقيقة الأمر أنّ تظاهر إسرائيل بقَبول التفاوض على وقف إطلاق النّار كانَ خديعةً لتنفيذ اغتيال نصرالله. فعلى الرّغم من قَبول الأخير وقفَ النّار وعمل ميقاتي ووزير الخارجيّة الرّاحل عبدالله بو حبيب على التّفاوض مع وزيرَيْ خارجيّة فرنسا جان نويل بارو وأميركا أنتوني بلينكن لدراسة مُقترحٍ مُشتركٍ أعدّه المبعوث الأميركيّ آموس هوكستين، أعطى رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو الأمرَ من الطّائرة التي كانت تُقلّه إلى نيويورك لاغتيال نصرالله.

تعمّدَ الإسرائيليّون خِداع “الحزبِ” مرّةً جديدةً في 27 أيلول، وذلكَ بعدما خدعوه عقب اغتيال صالح العاروري وفؤاد شكر وإبراهيم عقيل بقولهم إنّهم نفّذوا اغتيالاً دقيقاً ولا يريدون “حرباً موسّعة مع الحزب”.

واحدٌ من أوجه الخِداع الذي مارسه الإسرائيليّون على “الحزبِ” وحركة “حماس” والإيرانيّين كان ما يُبَثّ في الإعلام الإسرائيليّ من مقالات وتقارير عن “عجز إسرائيل” عن مواجهة “محور الممانعة”، وأنّ تل أبيب لم تعُد لديها مُدرّعات ودبّابات وجنود للحرب على جبهة الشّمال، وأنّهم لا يريدون اغتيال نصرالله نظراً لـ”العواقب” التي قد تترتّبُ على ذلك.

كان كُلّ هذا ضمن سياسة “الخداع الاستراتيجيّ” التي واجهَ بها نتنياهو سياسة “الصّبر الاستراتيجيّ” لإيران ومحورها. لكنّ الإعداد السّياسيّ رافقته تحضيرات عسكريّة. الغاية من هذه التّحضيرات كانت تعجيز “الحزبِ” عن أيّ إمكان للرّدّ على اغتيال نصرالله.

تركّزَ الإعداد على تفريغ المعنى العسكريّ للاغتيال. إذ لو كانَ قد نُفِّذَ في تشرين الأوّل 2023 أو في أيّ لحظة قبل آب 2024، لكان ردّ فعل “الحزبِ” مُختلفاً. بكلام آخر، استبقت إسرائيل اغتيال حسن نصرالله باغتيال القيادات العسكريّة والميدانيّة المركزيّة. واستهدفت القُدرات العسكريّة لـ”الحزبِ”، وذلكَ لجعلِ اغتيال نصرالله يمرّ من دونِ أيّ ردٍّ. وهذا ما حصلَ.

بعد اغتيال نصرالله ونيلفروشان وكركي، باتَ “الحزبُ” في حالةِ إرباكٍ سياسيّ وعسكريّ. فليسَ مَن يُنسّق ويُعطي الأوامر للرّدّ. وليسَ مَن يقوم بهذه المُهمّة. والأهمّ أنّه لم تعُد هناك قُدرات لتنفيذ ذلك. إذ إنّ تقديرات إسرائيل قبل آب وأيلول 2024 كانت تؤكّد أنّه في حال اغتيلَ نصرالله من دون ضرباتٍ استباقيّة ومُدمّرة للقيادة والقدرة العسكريّة، سيكون الدّاخل الإسرائيليّ أمام أمطارٍ من آلاف الصّواريخ من كريات شمونة شمالاً إلى إيلات جنوباً.

الانكفاءُ الإقليميّ

لم يُخطئ نتنياهو حين وصفَ نصرالله بأنّه “محور المحور”. ولم يُخطئ أيضاً بقوله إنّ اغتيال نصرالله أدّى إلى سقوط بشّار الأسد ونظامه في سوريا. إذ كانَ نصرالله هو القائد الفعليّ للمحور من بيروت إلى صنعاء مروراً بدمشق وبغداد بعد اغتيال قاسم سُليْماني مطلع عام 2020.

وصلَ نصرالله إلى مكانةٍ وضعته في قلب القرار الإيرانيّ في المنطقة، حتّى إنّه كانَ مؤثّراً في الدّاخل الإيرانيّ. إذ يكشفُ مصدر إقليميّ لـ”أساس” أنّ اختيار وزير الخارجيّة الإيرانيّ الرّاحل حسين أمير عبداللهيان لمنصبه، خلفاً لمُحمّد جواد ظريف، جاءَ بناءً على نصائحَ من نصرالله للقيادة الإيرانيّة. وكانَ مُقرِّراً فاعلاً في بتّ خلافات الفصائل العراقيّة. وأحد المؤثّرين في القرار السّياسيّ لحكومات “الإطار التنسيقيّ” في بغداد. والمشرف الأساسيّ على عمل الفصائل الإيرانيّة في سوريا. ويكاد يكون الشّخصيّة الأولى التي لها التأثير المُباشر على قرارات زعيم ميليشيات الحوثيّين عبدالملك الحوثيّ.

أعادَ اغتيال نصرالله “الحزبَ” إلى داخل حدود لبنان. فهو كانَ مُهندِس “الحزب الإقليميّ”. وكانَ المُقرِّر الأوّل الذي عملَ على إقناع القيادة الإيرانيّة بالتعاونِ مع عبداللهيان بالتدخّل العسكريّ في سوريا لحماية بشّار الأسد. في الخلاصة يمكنُ الجزم بأنّ اغتيالَ نصرالله كانَ الضّربة الأقسى التي تعرّضَت لها إيران منذ 2023، وربما مل يتعدى الأضرار التي تسبب بها قصف الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب لمفاعلاتها النّوويّة في “فوردو” و”نطنز”.

ابراهيم ريحان -اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا