أيّ صفقة تنتظر لبنان؟
لم يكن أمام قادة حركة "حماس" الا القبول بهذا السيناريو، بعدما تلقوا وعوداً من دونالد ترامب، رجل الصفقات التي تعقد في الظلام لا رجل القيم، ولا رجل الاستراتيجيات، بأن يكون للحركة مكانها ومكانتها في المسار في المسار السياسي الذي لا يمكن، حتى لكهنة الغيب، أن يتبينوا الى أين يمكن الديبلوماسي، وكذلك أن يصل بالفلسطينيين...
فوجئنا بأعلام سوريا وهي الشقيقة، واعلام تركيا حيث الباب العالي، ترتفع في القطاع، باعتبار أن الرئيس أحمد الشرع دفع بجحافله الجرارة الى الجولان، لمساندة اخوانه في العروبة وفي الاسلام، وباعتبار أن مولانا الخليفة هز الشرق الأوسط بجنرالاته وباساطيله، حين كان رعاياه يبادون برماح (رماح النار) المغول الجدد.
لكننا اعتدنا على تلك المواقف من الحركة، التي لا شك أنها أبلت بلاء عظيماً فجر 7 تشرين الأول 2023، وان بقراءة قصيرة النظر، لردات فعل بنيامين نتنياهو الذي كان بحاجة الى تلك اللحظة لكي يعوم فوق حقول الدم.
تذكروا أي ثمن دفعه حزب الله بسبب وقوفه الى جانب غزة، بالترددات الكارثية، وبالملابسات العملانية لـ "حرب الاسناد"، وقد أدت الى ذلك التغيير الدراماتيكي في المشهد الجيوبوليتيكي، رغم أننا نرى فيها الجانب المفيد، وقد أدركنا مدى الهوة التكنولوجية والاستخباراتية بيننا وبين "اسرائيل"، والى أين يمكن أن يصل الدعم الأميركي لها، ناهيك عن معرفة مكاننا في العالم وبين العرب، لنكون الآن، وقد زالت فكرة الحرب من يومياتنا، أمام الاختبار الكبير في ظل ادارة أميركية لا تريد فقط اعادة تشكيل الشرق الأوسط، وانما أيضاً أعادة تشكيل العالم.
ما من قيادي في الحركة تجرأ على تحية الدم اللبناني الذي أريق من اجل غزة، وبعدما ترك عرابو الحركة، أي عرابو "الاخوان المسلمين"، قيادييها يسقطون الواحد تلو الآخر، ويسقط معهم عشرات آلاف الفلسطينيين، لنكون الآن أمام مفاوضات تفتقد الحد الأدنى من التوازن الديبلوماسي، وصولاً الى صفقة قد تنتهي بهذه الكلمات "لا فلسطين مقابل... لا اسرائيل الكبرى" !
لطالما قلنا ان مشكلتنا في المنطقة، مشكلتنا الأبدية، أننا في نقطة التقاطع بين لعبة الأمبراطوريات ولعبة القبائل، ونقطة التقاطع بين الايديولوجيا والتاريخ، كما نقطة التقاطع بين الأنبياء وقطّاع الطرق، ما يجعلنا نستعيد قول هنري كيسنجر بأن الصراع في المنطقة هو بين نصف الله، والنصف الآخر (أين الشيطان في هذه الحال)؟ وكان عالم الاجتماع السويسري جان زيغلر (صاحب "أمبراطورية العار")، قد لاحظ أن الغيب هو حلبة الصراع بين العرب واليهود.
المثير هنا، اشارته الى أن مفكرين يهود حاولوا تسويق العدمية، إن في الفلسفات الغربية أو في الآداب الغربية. أليست الاقامة على تخوم الغيب، كما هي حالة الكثيرين منا، وحيث الغرق في المستنقع الايديولوجي، تعني الاقامة على تخوم العدم ؟ هنا صناعة الموت ضرورة الهية لصناعة الحياة...
هذه اشكالية جدلية ببعديها الفلسفي واللاهوتي، ولا مجال للغوص فيها، وان كانت راسخة في البنية الداخلية للصراع. ولكن بعد تلك المذبحة الكبرى على أرض غزة، وحيث لا نهاية لدوامة الدم، هل أدرك اليهود أن رهانهم على"اسرائيل الكبرى" رهان عبثي؟ بعدما رأى جيريمي بن عامي، رئيس جماعة "جي ـ ستريت"، المناهضة للوبي اليهودي "اننا أحللنا في قيادتنا دونالد ترامب محل يهوه". الرئيس الأميركي قال ان ما فعله "للاسرائيليين" أكثر بكثير مما فعله أي رئيس آخر، دون أن يقول ان ما فعله بالفلسطينيين أكثر بكثير مما فعله أي رئيس آخر.
لكن مشكلة نتنياهو أنه ذهب في الرهان على دونالد ترامب أكثر مما ينبغي، وكان هذا الأخير مستعداً لكي يبيع رأس فولوديمير زيلينسكي الى فلاديمير بوتين من أجل "المعادن النادرة"، والى أن يبيع رأس زعيم "الليكود" من أجل النفط. ولكن من قال ان العرب موجودون على أجندة الأمبراطور؟
لا أحد يدري ما في رأس "المقاول الأعظم"، وعلى حساب من يريد أن يعقد الصفقة الكبرى. بطبيعة الحال ليست على حساب "اسرائيل"، مع يقيننا بأنها ستكون على حساب الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، بل وعلى حساب العرب الذين هللوا لكون بيان نيويورك، الذي صدر عن الأمم المتحدة بدفع من السعودية وفرنسا، سيؤدي الى قيام الدولة الفلسطينية. لكن خبراء في القانون الدولي يتحفظون على تلك المقولة، ويعودون الى اتفاقية مونتفيديو لعام 1933، التي وضعت أسس هذا القانون، وحيث التوصيف المتكامل لمفهوم الدولة.
في هذا المجال، تقول البورفسورة رافاييل ميزون، استاذة القانون الدولي في جامعة "باريس ـ جنوب (Paris – Sud) "، ان بيان نيويورك يضع شروطاً مسبقة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو مخالف للقانون الدولي لأن الاعتراف بالدول غير مشروط ولا رجعة فيه، طبقاً للمادة 6 من الاتفاقية.
ما رأي قيادات فلسطينية خبرت مرارات المفاوضات (اللولبية ) مع "اسرائيل"؟ "صحيح أن خطة ترامب أوقفت هيستيريا الدم لدى بنيامين نتنياهو، ولكن اذا أخذنا بالاعتبار التصريحات السابقة للرئيس الأميركي، فهذا يعني الدخول في نفق ديبلوماسي قد نجد في نهايته فلسطين معلقة على الصليب".
لا أحد يعلم ما مصير لبنان، وما مصير سوريا، بعدما باتت فلسطين أثرًاً بعد عين. لا دخل لكبار مسؤولينا بهذه المسألة التافهة (مصير لبنان). الآن الحفاظ على عذرية صخرة الروشة من الغزاة، وسحب ترخيص جمعية ثقافية لانتهاكها تعميم والي بيروت. حقاً، اننا نخجل!!...
نبيه البرجي -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|