الصحافة

شدّ الحبال النيابي... بين الحسابات الإنتخابيّة والتسوية المرتقبة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تعيش الساحة اللبنانية هذه الفترة، حالة جديدة من التجاذب السياسي "المجلسي"، مع قرار مجموعة من الكتل والنواب مقاطعة الجلسات التشريعية، على خلفية الخلاف المحتدم حول آلية اقتراع اللبنانيين المغتربين في الانتخابات النيابية المقبلة لعام 2026.

خلاف، يبدو في ظاهره "تقنياً"، الا انه في جوهره يحمل أبعاداً سياسية وانتخابية عميقة، تمسّ بتوازنات القوى وبموازين الربح والخسارة ، التي سترسم المشهد السياسي اللبناني المقبل، بين "تحالف قوى" يتمسك بضرورة إتاحة المجال للمغتربين بالاقتراع للمرشحين في دوائرهم الأصلية، باعتبار أن تقييدهم بستة مقاعد يقلّص تأثيرهم السياسي ، في مقابل جبهة الثنائي – التيار، التي ترى في هذا المسار اخلالا بالتوازن التمثيلي، وتشويها للتمثيل الحقيقي للمقيمين، ما يعقد المشاورات ويجمد الجلسات، وسط عجز الوساطات حتى الساعة، عن التوصل إلى تسوية ترضي الجميع.

مقاطعة تأتي في ظرف سياسي دقيق، يحتاج معه لبنان إلى استعادة انتظام الحياة الدستورية والمؤسساتية تمهيداً للاستحقاق النيابي المقبل اولا، واستجابة لضغوط الخارجية المتزايدة للمضي بالإصلاحات ثانيا، في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، في وقت يعيد معه تعطيل جلسات المجلس بفعل المقاطعة، طرح السؤال الجوهري حول مدى قدرة القوى السياسية على الفصل بين الخلافات الانتخابية والمصلحة الوطنية العليا، كاشفا مرة جديدة هشاشة التوافق الداخلي، وانعدام الثقة بين المكونات النيابية.

من هنا، ترى مصادر نيابية ان مقاطعة عدد من الكتل النيابية لجلسات مجلس النواب، تتجاوز مسألة "الاعتراض التقني" على آلية اقتراع المغتربين، لتتحول إلى أداة ضغط سياسي، ووسيلة تفاوض هدفها فرض تعديل في القانون، أو انتزاع ضمانات انتخابية واضحة قبل فتح الباب أمام أي جلسة جديدة، في معركة تحديد وجهة الانتخابات النيابية المقبلة وما ستفرزه، التي يُتوقع أن تكون مفصلية في إعادة تركيب التوازنات المحلية للسنوات القادمة، حيث يشكل المغتربون، أكثر من 10% من الجسم الانتخابي اللبناني، ما يسمح لأصواتهم بترجيح كفة فريق على آخر، تحديدا في الدوائر حيث النتائج متقاربة بين القوى المتنافسة.

غير ان اعتماد هذه الاستراتيجية، والكلام للمصادر، يحمل في طيّاته مخاطر سياسية ودستورية، اذ ان تعطيل البرلمان في مرحلة دقيقة كهذه، ينعكس مباشرة على مجمل العملية الانتخابية، وعلى قدرة الدولة على إصدار المراسيم التنفيذية المرتبطة بتنظيم اقتراع المغتربين، كما أنه يُضعف صورة المجلس أمام الرأي العام، ويكرّس انطباعاً بأن العمل التشريعي رهينة الصفقات والتجاذبات، خصوصا في ظل قرار السلطة التنفيذية بعدم المبادرة باي خطوة، بما فيها استخدام رئيس الجمهورية لصلاحياته بموجب المادة 58 من الدستور.

وتتابع المصادر بانه رغم تمسك المقاطعين بمواقفهم حتى اللحظة، إلا أن المعطيات تشير إلى أن الجمود لن يستمر طويلاً، فالضغوط الداخلية والخارجية تتزايد، سواء من القوى الدولية التي تتابع ملف الانتخابات كمدخل أساسي للاستقرار، أو من الرأي العام المحلي الرافض لسياسات التعطيل المتكررة.

في هذا الاطار، تكشف المعطيات عن مخرج فرنسي يعمل عليه، يقضي بالغاء حق الاقتراع في الخارج، و"الزام" المغتربين بالتصويت في لبنان لصالح الـ 128 نائبا، في وقت بدأ بعض النواب استعدادهم للبحث في صيغة وسطية، تتيح العودة إلى الجلسات مقابل "ضمانات"، مؤكدين اتجاههم للمشاركة بجلسات دراسة واقرار الموازنة، من منطلق التعامل "عالقطعة" مع الجلسات، بحسب جداول اعمالها، ما يطرح علامات الاستفهام عما اذا كانت جبهة المقاطعين قد بدات بالتصدع. 

على خط مواز، يعمل رئيس المجلس وبعض الوسطاء على بلورة تسوية تقنية – سياسية، تقوم على فصل الخلاف القانوني عن المسار التشريعي العام، أي السماح بعقد الجلسات لإقرار القوانين الضرورية، بالتوازي مع تفعيل الحوار حول تعديلات قانون الانتخاب ضمن اللجنة النيابية خاصة برئاسة نائبه، من ضمن اتفاق مرحلي يتيح للمغتربين التسجيل والتصويت وفق آلية مرنة، على أن يُحسم الجدل القانوني لاحقاً قبل موعد الانتخابات، ما يمكن أن يشكل مخرجاً يحفظ ماء وجه الجميع، ويؤمّن عودة تدريجية للنواب المقاطعين، خصوصا ان المجلس مع بدء عقده العادي في 15 تشرين الاول، ملزم بانتخاب رؤساء ومقرري اللجان النيابية، واعضاء مكتبه.

عليه، وفي ضوء المعطيات السياسية المتوافرة، يمكن القول إن "أزمة المقاطعة" لن تتحول إلى مواجهة مفتوحة أو قطيعة دائمة بين الكتل، بل هي جزء من معركة تموضع مبكر استعداداً لانتخابات 2026، حيث يحاول كل فريق فرض قراءته الخاصة لقانون الانتخاب، وتثبيت قواعد اللعبة بما يضمن مصالحه التمثيلية، مستخدماً سلاح "التعطيل" كأداة ضغط تفاوضي، لا كخيار نهائي، حيث تشير التقديرات الواقعية إلى أن العودة إلى الجلسات مسألة وقت، لأن كلفة الاستمرار في التعطيل أعلى من المكاسب السياسية التي يمكن تحقيقها عبر المقاطعة، فالتجارب السابقة أظهرت أن الخلافات الانتخابية في لبنان نادراً ما تستمر إلى ما لا نهاية، بل تنتهي غالباً بتسويات ظرفية تحافظ على الحد الأدنى من التوازن، وتمنع انهيار العملية الديموقراطية.

في الخلاصة، فإن السيناريو الأرجح هو عودة النواب إلى المشاركة في الجلسات قبل نهاية الخريف الحالي، بعد تفاهم غير معلن حول ملف اقتراع المغتربين، يتيح تمرير الوقت بأقل الخسائر الممكنة، إلى حين اتضاح ملامح المعركة النيابية المقبلة.

ميشال نصر -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا