الصحافة

بين محسوبيات الأمس واليوم: الدولة تُغيِّرُ وجهها فقط!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، يسعى العهد الجديد إلى إقناع اللبنانيين بأن مرحلة مختلفة عمّا قبلها، في السياسة والإدارة العامة، قد بدأت. فيُكثِر الحديث عن مكافحة الفساد وبناء مؤسسات الدولة من جديد على أُسس الكفاءة والنزاهة، بعيداً من المحاصصة والمحسوبيات. وعليه، تأمّل لبنانيون كُثر بالخطاب الرسمي للوافدين الجدد إلى المواقع الرسمية، خيراً. إلّا أن آخرين فضّلوا عدم رفع سقوف توقّعاتهم، ولا سيما أن الوقائع اليومية تخالف كل ما يُقال.

في الإدارات العامة، لم تأتِ التعيينات الجديدة على أساس الكفاءة كما وُعد اللبنانيون، بل أُعيد إنتاج المشهد نفسه، مع فارق وحيد: الوجوه تغيّرت، والانتماءات تبدّلت من الولاء للعهد القديم إلى الولاء للعهد الجديد. وحدهم من وصفهم البعض بـ«الحربوقين» استطاعوا المناورة ببراعة، فـ«كوّعوا» في الوقت المناسب، وسجّلوا أنفسهم على لوائح العهد الجديد، ما مكّنهم من الحفاظ على مواقعهم.

ما يحصل في مصلحة تسجيل السيارات والآليات (النافعة) مثال صارخ: الشعارات الإصلاحية تتهاوى أمام الممارسة اليومية، والتغيير الموعود لم يكن سوى حملة دعائية سُرعان ما انكشفت عندما احتكّ المواطن مباشرة بأرض الواقع.

التعيينات في الأجهزة الأمنية لم تخلُ من طابع الكيدية والانتقام السياسي، لتتحوّل إلى ما يشبه «مجازر» إدارية طاولت ضباطاً وموظفين على أساس الولاءات لا الكفاءات. أما في القضاء، فالصورة أكثر فجاجة: درجات الأقدمية والكفاءة لم تعد المعيار، بل القرب من دوائر النفوذ والقرار.

قضية القاضي الراحل حسن شحرور تختصر المشهد. الرجل الذي أمضى حياته القضائية بالتفاني والنزاهة، كوفئ في نهاية مسيرته بتهميشٍ قاسٍ، إذ عُيّن عضواً في لجنة ترأسها قاضية أصغر منه سناً وأقلّ منه من حيث الدرجات. كان يردّد بمرارة أن «الظلم فقع قلبه»، وهو ما حصل فعلاً، إذ فارق الحياة كمداً. شحرور ليس حالة استثنائية؛ هو نموذج لعشرات القضاة الذين أدركوا أن النزاهة والاجتهاد والتفاني لا تؤهلهم إلى مناصب في دولة تُدار بمنطق الزبائنية.

ورش على الطرقات… وزحمة سير

على الأرض، تعلن الدولة أنها في صدد «نفضة» كبرى. مشاهد الحفريات، أعمال التزفيت وتركيب الإنارة في الأنفاق، وعلى الطرقات، تُوحِي بذلك. لكنّ التدقيق في التفاصيل يفضح حقيقة مختلفة: المتعهّدون الذين ينفّذون المشاريع لم يُلزّموا عبر آليات شفافة، وتحوم حول عقودهم شبهات كثيرة، عدا عن أن التنفيذ لا يراعي الحدّ الأدنى لمصالح المواطنين. فهل يُعقل أن تُنفَّذ أشغالٌ على مداخل ومخارج بيروت صباح يوم الإثنين، في ذروة حركة تنقّل مئات آلاف المواطنين من المناطق إلى العاصمة؟ هذا ما حصل بداية الأسبوع الجاري، عندما علِق المواطنون ساعات في سياراتهم بسبب أعمال الحفر على طريق الأوزاعي.

لا تكتفي الدولة بذلك، وإنما تذهب إلى تقليص المساحات المرورية لمصلحة «زونات مشجّرة»، فيما لا تقمع أصحاب المطاعم و«السوبر ماركت» الذين باتوا يتمدّدون إلى «الأوتوستراد»، متسبّبين في زحمة سير خانقة. وكأنّ تجميل الطرقات وأصحاب المصالح أهم من المواطنين الذين يعلقون في سياراتهم يومياً لدى دخولهم وخروجهم من وإلى العاصمة.

قانون السير… على «المعتّرين»

في المقابل، استيقظت قوى الأمن الداخلي فجأة من سباتٍ دام سنوات. فبعد أن كانت رؤية دركي في الشارع «ستروبيا»، بات هؤلاء ينفّذون حملات لقمع المخالفات بشكل يومي. طبعاً ليست المشكلة في ذلك، وإنما في الطريقة والاستنسابية، إذ بات عادياً أن ينصب العسكريون حاجزاً وسط الطريق، أو حتى على الأوتوستراد، فيزيدوا من زحمة السير، بدلاً من العمل على تخفيفها.

كما بات عادياً أن تحضر شاحنة سحب (بلاطة) في مهمة سريعة إلى أحد الشوارع، لترفع سيارة أو بعض الدراجات، وتمضي من دون إخبار أحد. وهو ما حصل قبل أيام، حينما حضرت «بلاطة» إلى محيط أحد المستشفيات في بيروت ورفعت جميع الدراجات النارية المركونة أمامه من دون تمييز، سواء أكانت مخالفة أم لا، ومن دون الأخذ في الحسبان أنها قد تكون عائدة لأهالي مرضى أو لطواقم طبية.

ومجدداً، لا مشكلة في تطبيق القانون، لكن شرط أن يكون الجميع تحته. لكن في الواقع الحالي، يكفي أن يعرف المخالف ضابطاً أو «ابن دولة»، فيُجري اتصالاً هاتفياً واحداً، ليستعيد سيارته أو دراجته خلال ساعات. أما المواطن العادي، فيجد نفسه أمام متاهة من المعاملات، ويدفع كلفة «الكزدورة» التي تقوم بها دراجته إلى مستودعات (بورة) قوى الأمن الداخلي، إضافة إلى رسوم الحجز، علماً أن هذه المستودعات (البورة) نفسها تُثار بشأنها تساؤلات كثيرة حول التنظيم والرقابة والرسوم غير الواضحة.

الأغرب أن المعنيين بإنفاذ القانون يستسهلون حجز دراجات «المعتّرين» أمام مستشفى في بيروت، ويتغافلون عن مخالفات على بُعد أمتار قليلة منها، حيث مطاعم «الخمس النجوم» والسيارات الفارهة التي تصطفّ على جوانب الطرقات، وفي بعض الحالات صف ثالث ورابع، وحيث يحتل عمّال «الفاليه باركينغ» الأرصفة ويمنعون الناس من ركن سياراتهم ما لم يدفعوا «المعلوم». والأنكى أن الدولة في خدمة «الفاليه باركينغ»، وإلّا ماذا يعني وضع حواجز حديدية وسط بيروت، سوى منع المواطنين من الركن وإجبارهم على تسليم سياراتهم لـ«الفاليه». إنها شراكة غير مُعلنة بين الدولة والقطاع الخاص لمصلحة الأقوياء على حساب الناس.

هكذا يُطبّق القانون في «العهد الجديد»؛ بقساوة على «المعتَّرين»، وبمرونة قصوى على أصحاب النفوذ والأموال! وهكذا تفرض الدولة قوانينها، فيما على المواطنين أن يقوموا بواجباتهم تجاهها، من دون اعتراض. أما واجباتها هي، فحدّث ولا حرج، عن غياب شبكات النقل والمواقف العامة، وقانون السير العصري، والطرق الحديثة والمدروسة هندسياً القادرة على استيعاب حركة المرور المتزايدة.
هذه الدولة نفسها (والدرك أنفسهم) تقفل الطرقات، لأن وزيراً (مَعنِياً) يريد الانتقال من وإلى منزله ووزارته عكس السير، وتجبر المواطنين على انتظاره في سياراتهم «ع السكت»، ريثما يصل إلى مقصده!

لينا فخر الدين -الاخبار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا