في لبنان... أزمة دولة تبدأ من مسؤول يقدّم وعداً برفع الصوت لا أكثر
مؤسف فعلاً أن تصبح الإثباتات التي تؤكد أن لبنان "منقوص" على معظم المستويات، بسيطة جداً، وسهلة جداً، وفي متناول أي مُتابِع لأبسط نشاط سياسي محلّي.
لا خجل ولا ضجر...
ففي العادة، لا يستقبل أي مسؤول رفيع أو متوسط أو عادي شخصاً أو وفداً، محلياً أو أجنبياً، إلا إذا كان جاهزاً لتلك الزيارة، وممتلكاً لأدقّ تفاصيلها، ولأبسط مضامين النقاشات التي سيتمّ التداول بها.
وفي العادة، يتوجب على أي مسؤول، ومهما كانت مرتبته، أن يبتعد عن الساحة عموماً، أو عن المشهد اليومي ولو جزئياً، بين حين وآخر، عندما لا يعود لديه ما يقوله أو يحلّه، سواء في الملفات الداخلية حصراً، أو تلك المرتبطة بوقائع خارجية.
وأما في لبنان، يمكن إيجاد الكثير من الغرائب والعجائب السلطوية. ففي بلادنا، يمكن للمسؤول أن يستقبل ويودّع، في زيارة تنتهي كما تبدأ. كما يمكن لأي مسؤول في بلدنا أن يكرّر استقبال الزوّار أنفسهم، ليستمع الى كلامهم نفسه، وليُسمعهم كلامه نفسه، من دون خجل أو ضجر.
كما يمكن لأي مسؤول في بلدنا أن يستسهل تحديد مواعيد استقبالاته، على طريقة أن "في الحركة بركة"، وكيفما أتت النتائج. وما كان من نتيجة ذلك سوى الأزمات والمشاكل والحروب، وصولاً الى ما نحن فيه اليوم من تآكُل داخلي كبير، وحاجة ماسّة لكل شيء، بدءاً من الحاجات الاجتماعية والمعيشية، وصولاً الى العناوين المتّصِلَة بالالتزامات الخارجية.
إيصال الصوت
وأما الكارثة، أو الكارثة الكبرى، فهي عندما يستقبل أي مسؤول لبناني زوّاره، ويرحّب بهم، ويستمع إليهم والى حاجاتهم، فيما تأتي النتيجة النهائية أنه يعدهم بإيصال صوتهم، وبحمل قضيّتهم... وبغير ذلك من الكلام الغريب.
للوهلة الأولى، قد تبدو وعود المسؤول دعماً مهمّاً، وقد تُظهر أنه متفهّم ومتعاون... ولكن بتدقيق أكبر، يحقّ لنا أن نطرح السؤال التالي، وهو أن بما أنه هو المسؤول، وبما أن الناس يقصدونه لعرض قضية أو مشكلة معينة، ولعلمهم بأنه قادر على إيجاد خواتيم أو حلول لها إذا أراد ذلك، وبما أنه صاحب نفوذ وسلطة، وبما أن كل صاحب نفوذ وسلطة (خصوصاً إذا كان رفيع المستوى) يكون قادراً على تحريك أو تغيير أو تصحيح... الكثير من الأشياء، بدءاً من الصغيرة الى الكبيرة، فلمن سيوصِل صوتهم؟ وما الحاجة الى وعود يقدّمها لهم، بدلاً من أن يقول جهاراً اعتبروا أن المشكلة أو الأزمة... انتهت، أو وجدت طريقها الى الحلّ اعتباراً من الآن، مثلاً؟
أزمة دولة
الأمثلة كثيرة ضمن هذا الإطار، على أمور لا تحتاج سوى الى ضرب يد على الطاولة لحلّها، ورفع الظّلم، من دون الحاجة الى متابعات تقنية معيّنة، ولكننا نجد المسؤول يَعِد من يزورونه طلباً للمساعدة بإيصال صوتهم، أو بدراسة الملف فقط، ومن دون أي نتيجة.
وهنا، ماذا يعني الوعد بإيصال الصوت؟ وبدراسة الملف؟ هل هو احترام لتراتبيات معيّنة؟ أو عدم رغبة بتأمين الحلّ؟ وما هو مستوى البلد الذي يَعِد فيه المسؤول الناس بإيصال صوتهم، بدلاً من أن يتحرّك بسرعة؟ والى من يمكن لمسؤول (أي صاحب مسؤولية مُطالَب بالعمل وإيجاد حلّ لا بإيصال الصوت) في بلده أن يوصِل الصوت؟ هل الى الصين مثلاً؟ أو الى الغرب؟ أو ربما الى المريخ؟ أو الى كواكب أخرى؟
غرائب وعجائب كثيرة تتحكم باليوميات اللبنانية، البسيطة منها والكبيرة، وهي تُظهر أن هناك أزمة دولة في لبنان. دولة تستقبل وتودّع نفسها، وتقدّم الوعود لنفسها بنفسها، فيما هي الجهة التي تلتزم أو تخرق في آنٍ معاً.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|