هل يقف العالم على حافة فقاعة ماليّة جديدة؟
قلقٌ كبير يلف الأسواق المالية العالمية، مع الأسعار الفلكية لأسهم شركات التكنولوجيا تُغذيها ثورة الذكاء الإصطناعي، في ظل إطار إقتصادي عالمي قاتم، ناتج عن الصراعات الجيوسياسية وعن الحروب التجارية والديون السيادية. هذا الأمر يُعيد إلى الأذهان الأزمات الإقتصادية التي عصفت بالعالم، مثل فقاعة «الدوت كوم» في أواخر الألفية الماضية، والأزمة المالية في العام 2008. فهل يُعيد التاريخ نفسه؟
فقاعة الذكاء الإصطناعي؟
أعلن رئيس الإحتياطي الفيدرالي جيروم باول، أن تقييمات بعض القطاعات وعلى رأسها القطاع التكنولوجي إرتفعت أكثر من قيمتها الحقيقية، وإقتربت من مستويات خطرة تُذكّر بفقاعة «الدوت كوم» في أول هذه الألفية. هذا الإنذار لم يكن الوحيد، فقد اعربت أيضا رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا عن تخوّفها من فقاعة قد تطال قطاع التكنولوجيا، مع تطورات إستخدام الذكاء الإصطناعي. وكذلك فعل المصرف المركزي البريطاني الذي حذّر من تصحيح عنيف في الأسواق، وهو ما يعكس مخاوف من أن الأرباح المُستقبلية لن تكون على مستوى إستثمارات اليوم.
وفي التفاصيل، إرتفع مؤشّر الناسداك من 10,900 نقطة في أوائل العام 2023 ، إلى أكثر من 24,800 في آخر إقفال له. وبالنظر إلى تفاصيل المؤشّر، نلاحظ أن المكاسب الكبيرة تتركّز في عدد قليل من الشركات الضخمة مثل ميتا وإنفيديا وغيرها، مما يعني أن أي تعثّر لشركة من هذه الشركات، قد يؤدّي إلى هزّة في الأسواق وأزمة مالية، قد تتمدّد إلى باقي الشركات وحتى إلى النظام المالي بأكمله!
وما يزيد المخاوف هو الوضع الإقتصادي والجيوسياسي العالمي المُتردّي، والذي يُساهم بشكل كبير في إحتمال وقوع أزمة عالمية. فخطر الركود الإقتصادي في أول إقتصاد في العالم كبير، إضافة إلى التباطؤ الكبير الذي يشهده ثاني إقتصاد في العالم، مع تراجع القطاع الصناعي الصيني. وحال الاقتصاد الأوروبي ليس بأفضل، مع مؤشرات تُنذر بحالة من الركود الإقتصادي.
وتلعب الحرب التجارية بين الولايات المُتحدة الأميركية والصين دورا كبيرا في ضرب التجارة العالمية، مما يؤثّر على القطاع الصناعي في مُعظم الدول المُنقسمة أصلًا على مواضيع جيوسياسية، مثل الحرب الروسية – الأوكرانية. كل هذا يُعقد الواقع الإقتصادي، ويُهدّد سلاسل التوريد ، ويُضعف ثقة المُستثمرين، مما قد يؤدّي إلى خسائر في الأسواق المالية قد تُقدّر بتريليونات من الدولارات الأميركية!
سلوك المُستثمر
لعل أهم مؤشّر للمخاوف في الأسواق هو سلوك المُستثمر الذي يُمكن إستخلاصه من عِدّة مؤشرات وعلى رأسها مؤشّر التقلّب (VIX) الشهير، والذي يُطلق عليه إسم مؤشّر الخوف. هذا المؤشّر يدل على توقّعات المُستثمرين فيما يخصّ تقلّبات سوق الأسهم المُستقبلية، حيث أن إرتفاعه يعني أن المُستثمرين يتوقّعون عاصفة في الأسواق. وبالتالي يعمدون إلى بيع الأصول الخطرة (أسهم النمو المُرتفعة) وشراء الأصول الآمنة مثل الذهب وسندات الخزينة. وبما أن الدول تُعاني من ارتفاع في الديون السيادية، لذا نرى أن هناك إقبالًا كبيرا على شراء الذهب، وهذا الإقبال هو أحد أسباب إرتفاع الذهب إلى مستويات قياسية.
المخاوف الأساسية تكمن في إحتمال قيام المُستثمرين بعملية بيع كبيرة للأسهم في محافظهم ، وهو ما يعني إنخفاض الأسعار، وبالتالي خسارات مالية كبيرة. وإستطرادا إنخفاض الإستثمارات في الشركات وتراجع النمو الإقتصادي أو ركود إقتصادي، ولا إنكماش إقتصادي في حال كانت الموجة كبيرة.
أيضا من المخاوف المطروحة، أن تمتدّ هذه الأزمة لتطال النظام المالي والمصرفي مع إفلاس العديد منها. من هنا، تعمد عدد من المصارف المركزية الرئيسية في العالم وصندوق النقد الدولي، إلى إجراء مُحاكاة لسيناريوهات سيئة ،لمعرفة مدى الضرر الذي ستتسبب به أزمة مثل هذه الأزمة.
التداعيات على لبنان
من الصعب تقييم المخاطر لفقاعة الذكاء الإصطناعي بدقة على الإقتصاد اللبناني، نظرا إلى غياب الأرقام الدقيقة عن لبنان (حتى داخل المؤسسات الدولية). إلا أن الأكيد هو أنه نظرا لإرتباط هذا الأخير بالإقتصاد العالمي، قد تنتقل العدوى منه إلى الداخل اللبناني. وقد ينتج عن ركود الاقتصاد العالمي، تداعيات مباشرة على تحاويل المُغتربين اللبنانيين، وعلى الإستثمارات في لبنان، وحتى على المُساعدات الدولية.
أكثر من ذلك، قد يكون للأزمة (في حال كانت عنيفة) تداعيات على مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، الذي سيُعدّل حكما من أولوياته في المُساعدات، وهو المؤتمن على سلامة النظام المالي العالمي. أيضا قد يكون هناك تداعيات على العديد من الشركات اللبنانية، التي تُقدّم خدمات للشركات الأجنبية في مجال التكنولوجيا، من باب وقف الطلب العالمي على هذه الخدمات. وهو ما يعني خسارة لبنان لقسم من العملة الصعبة التي يتلقّاها. إلا أنه في المقابل، تُشير التحاليل إلى أنه نظرا إلى ضعف إرتباط الإقتصاد اللبناني بالأسواق العالمية، خصوصا بعد أزمة العام 2019، هناك إحتمالات ضئيلة لإنتقال مباشر لهذه العدوى إلى النظام المالي اللبناني المُتضرّر أصلا من أزمة 2019.
في المحصلة، لا شكّ في أن ثورة الذكاء الإصطناعي قد تكون محرّكا أساسيا للنمو الإقتصادي العالمي في المرحلة المُقبلة، خصوصا أنه تم إستنزاف الإستثمار في العوامل التقليدية، إلا أنه من الضروري قبول فكرة أن هذا الأمر يحمل مخاطر حقيقية، قد يكون أقلّها التراجع في الأسواق، وأكثرها التصحيح العنيف مع ما يحمل ذلك من تداعيات على الصعيد العالمي.
البروفسور جاسم عجاقة - "الديار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|