حكمة صدّي جنبته الغرق في السدود
تزامن تولّي جو صدّي وزارة الطاقة والمياه مع واحدة من أشد موجات الجفاف التي شهدها لبنان منذ عقود. فاستغل "التيار الوطني الحر" هذا الظرف لمحاولة الاستحصال على "صكّ براءة" لسوء إدارته ملف السدود، وما رافقه من علامات استفهام حول خياراته الخاطئة وحجم الزبائنية، وغياب الشفافية.
لذا، سارع "التيار" إلى الجزم بضرورة استكمال مشاريع السدود التي لم تُنجز، مبرّرًا التعثر بشعاره الشهير "ما خلّونا"، وبالانهيار المالي الذي بدأ عام 2019، متجاهلًا أن غالبية هذه السدود كان يفترض أن تُنجز، بحسب جداولها الزمنية، قبل عام 2017. كما روّج لفكرة أنها لو اكتملت، لأنقذت لبنان من تبعات موسم الجفاف الحالي.
ثمّ ادّعى "التيار" زورًا أن "القوات اللبنانية" ترفض السدود بالمطلق، متهمًا إياها بعرقلة "مسيرة الإصلاح والتغيير" التي كان يقودها في الطاقة والمياه. في المقابل، أكدت "القوات" مرارًا أنها ليست ضد السدود كمبدأ، بل ضد النهج الملتوي الذي اتبعه وزراء "التيار" في هذا الملف، مشددة على أنها تؤيّد تنويع مصادر المياه، بما في ذلك السدود، شرط أن تكون مجدية علميًا وتندرج كلفتها ضمن المعايير المقبولة عالميًا.
واستكمالًا لسياستهم الفارغة و"النكدية"، عمد النواب والكوادر العونيون مع جيشهم الإلكتروني إلى شن حملة ضغط ممنهجة على صدّي، بهدف دفعه إلى تبني مشاريع السدود، في محاولة للتنصل من المسؤولية وتخفيف النقمة الشعبية.
لهذه الغاية نصبوا له "فخًا محكمًا"، يقوم على معادلة مزدوجة:
1- إن وافق الوزير صدّي على السير بالسدود، يُروّج بأنه اعتمد خططهم، وأن "القوات" التي عرقلت هذه المشاريع سابقًا لأسباب سياسية عادت وسارت بخيارات "التيار".
2- وإن رفض، يُتهم بأنه وزير يعمل بكيدية وانتقام، يطيح بالحلول ويُمعن في تعطيش الناس خدمة لأجندة "معراب".
غير أن حكمة صدّي، ورصانته الهادئة، وبُعده عن الاستعراض والضجيج، جعلت منه رجل دولة حقيقيًا، يقدّم العلم والشفافية على الشعبوية والمزايدات. فكان تصرّفه بعيدًا عن تصفية الحسابات، ما جنبه الوقوع في فخ "التيار"، وفي مستنقع السدود المثقوبة.
فمنذ اليوم الأول لتسلّمه "الطاقة والمياه"، اتخذ قرارًا بإبعاد الوزارة عن زواريب السياسة ومصالحها الضيّقة، منسجمًا بذلك مع النهج الذي أرسته "القوات" في عمل وزرائها منذ دخولها الحكومات بدءًا من العام 2016، وإصرار رئيسها سمير جعجع على الحفاظ على صورة الوزير القواتي النزيه، الكفوء، والملتزم بالشفافية والرقابة والمصلحة العامة.
وأعلن صدّي أنه، وبسبب قصر عمر الحكومة، سيُركّز على حسم مصير السدود غير المنجزة، وجميعها مشاريع أطلقها وزراء "التيار"، من بقعاتا وبلعا وجنة وغيرها، والتي كلّفت الخزينة العامة واللبنانيين مبالغ طائلة منذ سنوات، وبقيت عمليًا "لا معلّقة ولا مطلّقة".
لذلك، باشر صدّي بالتواصل مع الجهات المانحة لإقناعها بالمساعدة في هذا الملف عبر تأمين دعم وتمويل "لتشكيل فريق من الخبراء الدوليين المتخصصين والذين لم يتعاطوا سابقًا بملفات السدود المذكورة، بهدف إعداد دراسات علمية دقيقة حول واقعها وإمكانات تشغيلها. وذلك لتحديد مصيرها بموضوعية، بعيدًا من أي أحكام مسبقة أو خلفيات سياسية، سواء باستكمال الأعمال، أو التوقف عنها نهائيًا، أو حتى الاستفادة من الأشغال المنفذة لشؤون أخرى"، كما كرّر صدّي مرارًا.
وها هي جهود وزير صدّي ومتابعته الدقيقة تُثمر أخيرًا، إذ تبلّغ رسميًّا موافقة كل من الاتحاد الأوروبي (EU) والوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) على تقديم الدعم لتقييم الوضع القائم لسدّي بقعاتا وبلعا. وبحسب الجهتين، ستُعدّ التوصيات من قبل خبراء مستقلين يتم اختيارهم عبر مناقصة دولية شفافة، على أن تصدر في تقرير استشاري يتناول واقع السدّين والخيارات المتاحة بشأنهما، مع الإشارة إلى أن العمل يُتوقع أن يُنجز خلال الربع الأول من عام 2026.
طوني عطية - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|