الصحافة

قصّة القارب الذي نقل هنيّة من بيروت إلى غزّة...

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعد ساعات من إطلاق الصواريخ من بلدة القلَيْلة إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، تلقّيت اتصالاً من أحد رجال الدين الذي تربطني به صداقة قديمة، لكن تفرّقنا التوجّهات السياسية، قائلاً لي بعد السلام والتحيّة والمباركة بشهر رمضان: "لقد خطرتَ على بالي أمس وذكرت اسمك فتمنّى الحاضرون لو أنّك كنت حاضراً معنا وقمتُ بدعوتك إلى الإفطار". سألته: "أين كان الإفطار ومَن هم الحاضرون؟"، فقال لي: "إسماعيل قاآني وأبو العبد (إسماعيل هنيّة) والسفير الإيراني وبعض الأصدقاء". فأجبته ضاحكاً: "بارك الله بك".

ما استوقفني في هذا الاتصال هو الدافع وراءه. فهل كان عفوياً أو جاء لإيصال معلومة تتعلّق بالصواريخ ومن يقف خلفها؟ وقد دفعني الفضول إلى ولوج محرّكات البحث للإضاءة على شخصية إسماعيل هنيّة الذي لم ألتقِه يوماً، فكانت هذه الخلاصات.

العداء لأميركا والإعجاب بإبداعاتها

على الرغم من عدائه الشديد لأميركا وفقاً لمواقفه المعلنة، فإنّ إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس معجب بالرواية الأميركية "الشيخ والبحر" للكاتب إرنست همنغواي. قد تكون ولادة هنيّة في مخيّم الشاطئ للّاجئين في غزّة، التي لجأ إليها والداه هرباً من مدينة عسقلان عام 1962 عقب النكبة، سبباً لتعلّقه بقصص البحر والشواطئ، وأبرزها رواية "الشيخ والبحر".

المحيطون بهنيّة، وتحديداً في قطاع غزّة، ينادونه بالشيخ "أبي العبد". وهو الذي بقي حريصاً على إلقاء خطبة الجمعة والوقوف بالمصلّين إماماً في مسجد المخيّم على الرغم من تولّيه رئاسة الحكومة عام 2006 إثر فوز حركة حماس بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني.

كلّ الألقاب مُنحت لهنيّة بالصدفة، من دون أن يجهد في تحصيلها. سطوته داخل "حماس" حصل عليها بفعل كونه مديراً لمكتب المؤسّس الشيخ أحمد ياسين. وبعد حملة الاغتيالات الإسرائيلية لقيادات "حماس" في الداخل لم يبقَ غيره من رفاق منفى مرج الزهور عام 1992 وجامعة ابن تيمية، التي أسّسها الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في تلك البقعة اللبنانية التي نُفي إليها مع رفاقه من قبل الاحتلال الإسرائيلي، كي تُسرج عليه سروج كوادر الحركة.

مارس دور رجل الدين فبات شيخاً، وهو الحامل لشهادة اللغة العربية لا الشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية في غزّة.
فاز بمنصب رئيس المكتب السياسي للحركة، بفعل الخلاف بين إيران والحزب من جهة، وسلفه خالد مشعل من جهة أخرى. وهو خلاف وصل إلى حدّ الطلاق والقطيعة.

تؤكّد مصادر مطّلعة أنّ مواجهة حادّة حصلت بين هنيّة ومشعل بقطر في الأسبوع الأخير من شهر تموز 2022 على خلفيّة التطبيع مع النظام السوري، وهو ما استدعى تدخّل رئيس المخابرات القطرية لفضّ الإشكال بينهما.

ما سرّ بيروت عند هنيّة

ترتبط تحوّلات وقرارات هنيّة بزيارته لبيروت، وتحديداً الضاحية الجنوبية. مع الاشارة إلى أنّ الرجل معروف عنه قلّة التنقّل خارج غزّة، فالدول التي يعرفها حقّ المعرفة ثلاث: إيران، وسوريا، ومعهما لبنان.
بعد كلّ زيارة لبيروت، يظهر هنيّة خلف حدث ما. في زيارته ما قبل الأخيرة عام 2021 وبعد لقائه الأمين العام للحزب حسن نصر الله جاء قرار "حماس" بمصالحة نظام بشار الأسد، وعودة الحركة إلى الحضن الإيراني إثر ابتعاد فرضته وقائع المشهد السوري.

أمّا زيارته الأخيرة قبل يومين فأنتجت صواريخ "القليلة". وإن كان القرار في الزيارة الأولى قد جاء بعد عشاء مع نصر الله، فإنّ القرار في الزيارة الثانية أتى بعد مأدبة إفطار جمعته في بيروت مع قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني والسفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني.

اعتاد هنيّة تنفيذ الأوامر. هكذا كان مع الشيخ أحمد ياسين، وهو كذلك الآن مع نصر الله وقاآني. ينفذّ ما يُطلب منه، بداية من الصدام مع خالد مشعل بعدما رفض نصر الله استقباله في 16/12/2021، واقتحام مكاتب الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، كما أمره بذلك في حينه قاسم سليماني عام 2007، مروراً بذهابه لمصالحة بشار الأسد بناء على طلب نصر الله، وانتهاء بإطلاق الصواريخ من لبنان كما أوحى إليه قاآني.

لم يخرح هنيّة من وظيفته الأولى كسكرتير للشيخ أحمد ياسين. وكأنّه بقي قابعاً في ذاك المكتب، إذ تحوّل وهو في أعلى منصب بحركة حماس إلى رئيس للمكتب السياسي بمواصفات سكرتير في غرفة عمليات قآاني - نصر الله، مندوباً لحركة حماس فيها.

بالعودة إلى رواية إرنست همنغواي "الشيخ والبحر" التي تأثّر بها إسماعيل هنيّة، تتحدّث الرواية، التي نُشرت عام 1952، عن صيّاد عجوز يدعى سانتياغو يتمتّع بحيويّة ونشاط. كان يجلس في زورقه، وحيداً، ساعياً إلى الصيد في خليج "غولد ستريم". ومضى أكثر من ثمانين يوماً ولم يظفر ولو بسمكة واحدة. رافقه في الأيام الأربعين الأولى ولد صغير كان بمنزلة مساعد له، لكنّ أهل هذا الولد أجبروه على قطع كلّ صلة بالصيّاد. وأشدّ ما كان يؤلم الغلام رؤية العجوز راجعاً إلى الشاطئ خاوي الوفاض وزورقه خالٍ، في مساء كلّ يوم، ولم يكن يملك إلا أن يسرع إليه ليساعده في جمع أغراضه وشراعه الأبيض. وكان هذا الشراع يبدو وكأنّه علم أبيض يرمز إلى الهزيمة التي طال أمدها. وفي يوم خرج إلى البحر لكي يصطاد شيئاً، وإذ علقت بخيوطه سمكة كبيرة جدّاً. بدأ يصارعها حتى تمكّن منها. في طريق العودة جذبت رائحة الدم أسماك القرش التي هاجمت القارب والتهمت ما اصطاده العجوز، فلم يبقَ سوى هيكل السمكة العظيم. فقام بتركه على الشاطئ ليكون فرجة للناظرين ومتعة، وعاد إلى منزله منهكاً ومتعباً، وعندما رأى الناس هيكل السمكة اندهشوا من كبرها وعظمتها فبقي اسم الصياد سانتياغو مرفوعاً ومفتخَراً به حتى هذا اليوم.

ما حصل مع الشيخ العجوز ليس بالضرورة أن يحصل مع الشيخ أبي العبد. الخوف أن يعود هنيّة من رحلته في قارب نصر الله وقاآني إلى مخيم الشاطئ في غزة من دون سمكة، فقط هيكل عظمي لسمكة مفترضة. عندها لن يكون هنية كسانتياغو مفتخراً بما حقّقه.

زياد عيتاني- اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا