حزب الله يردّ من خيمة "المزارع" على "ضربة أميركية" له؟
لم تكن خيمة "حزب الله" على تخوم مزارع شبعا فعل تحدٍّ وتصعيد مفاجىء من جانب الحزب للاسرائيليين بغية استدراجهم الى لعبة الاحتكاك والتسخين والتوتير التي يتقنها ويرغب في إدامتها كونها تصبّ في خدمة استراتيجيته.
فالخيمة التي ظهرت فجأة الى الضوء، وكبرت قضيتها فصارت أزمة توشك ان توازي ما يُعرف بأزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا في القرن الماضي، تعتبر اسرائيل انها أقيمت على أرض تابعة "لسيادتها" كونها جزءا من اراضي مزارع شبعا العرقوبية التي نجح الاسرائيلي في بسط سيادته ونفوذه عليها احتلالا في حرب عام 1967 باعتبارها جزءا من الاراضي السورية، وتحديدا استتباعا لجبل الشيخ الاستراتيجي.
ولأن الحزب يعرف اكثر من سواه تعقيدات تلك الجغرافيا والتشابك الحاصل فيها (تقع عمليا على تقاطع عند مثلث الحدود اللبنانية - السورية - الفلسطينية) اختار عن سابق تصميم ان يغرس اوتاد تلك الخيمة في تلك البقعة الضيقة مستغلا تراجعا (قُدّر بثلاثين مترا) للاسرائيليين عنها تمهيدا لعمليات تجريف كانت بدأت وتوطئة لاقامة سياج ودشم وجدار عزل يحضّر لها منذ زمن ربما لفرض أمر واقع يكرس احتلالها الدائم مستقبلا.
وبمعنى أوضح، استغل الحزب محطة زمنية وجغرافية، ارادت فيها اسرائيل انجاز تغييرات في طبيعة المنطقة خرقاً لتفاهم مزمن اشرفت عليه الامم المتحدة يعتبر أن تلك الجغرافيا القصيّة، الجبلية الغنية بالموارد المائية، هي ارض متنازع عليها بين لبنان واسرائيل وسوريا، لذا فلتبقَ تحت الهيمنة الاسرائيلية ولكن شرط ان لا يُعبث بها في انتظار حل شامل وترسيم ناجز، واستطرادا استغل الحزب هذا الفعل الاسرائيلي لاقامة بؤرة توتر تحت ظلال تلك الخيمة من جهة ويندفع الى تغيير قواعد الاشتباك الحاكمة من جهة اخرى، وليؤسس لمرحلة احتدام مفتوحة على كل الاحتمالات السلبية من جهة ثالثة.
قبل ان يبادر الحزب الى غرس اوتاد تلك الخيمة التي يرابط فيها مقاتلون في تلك البقعة الضيقة، كان قد شرع في تنفيذ خطة تصعيد ومواجهة. فقد انطوى تقرير أمني نشره مركز دراسات امنية اسرائيلية، على تقديرات تفيد بان اشارة الانطلاق بالتصعيد النوعي المستدام التي اقرها الحزب كانت يوم السادس من نيسان الماضي تجسّدت في وابل من 34 صاروخا انهمرت فجأة على الاراضي المحتلة في نحو نصف ساعة. وبغضّ النظر عن نتائج تلك الصلية، الا ان التقرير نفسه اعتبر ان هذا الوابل من الصواريخ هو الاعنف منذ حرب عام 2006.
بعدها بأقل من شهر وتحديدا في 21 ايار كانت المناورة العسكرية الاضخم للوحدات المقاتلة من الحزب في قاعدة عرمتى الواقعة في منطقة جزين، وهو ما استدعى موجة من ردود الفعل الداخلية والخارجية استمرت اكثر من عشرة ايام، خصوصا ان الحزب تعمّد ان تكون تلك المناورة الاولى من نوعها منذ ثلاثة عقود تحت مرأى كاميرات اكثر من 250 اعلاميا محليا وعالميا دعاهم الحزب وأمّن وصولهم الى ذلك المعسكر ليشهدوا ظهور اسلحة نوعية من جهة وليعاينوا "مناورة اقتحام لمنطقة الجليل الاعلى"، اي المقلب الثاني من الحدود اللبنانية - الاسرائيلية.
وبين المحطتين كانت ثمة محطة اخرى ما زال الغموض يكتنفها وما زالت اسرائيل عاجزة عن تقديم رواية نهائية لها وتمثلت في متفجرة "كوع مجيدو" الواقع بعمق ثلاثين كيلومترا عن الحدود اللبنانية.
وعنصر الاثارة ان اسرائيل لاتزال حائرة حتى اليوم في تحديد المكان الذي انطلق منه مفجّر العبوة، وهل أتى من الجهة اللبنانية أم من الداخل الاسرائيلي، وهل هو لبناني أم فلسطيني، لذا ما زالت تحجم عن تقديم تقرير نهائي على رغم مرور اكثر من 3 أشهر على ذلك الحدث الامني.
ووسط كل تلك التطورات النوعية كان الاعلام الاسرائيلي يتعمد القاء الاضواء على تحوّل اساسي يتمثل في جرعة التحدي الزائدة التي تبدّت عند مقاتلي الحزب في انتشار شبه معلن لعناصر النخبة عنده (قوات الرضوان) على طول الحدود الجنوبية، فضلا عن اقامة المزيد من نقاط المراقبة. ولقد كانت استنتاجات التحليلات الاسرائيلية ان الحزب اراد ان يبرهن عمليا على ان مفاعيل ما بعد حرب تموز وتحديدا القرار الاممي الرقم 1701 قد استنفدت بدليل ان الوضع على طول الحدود عاد الى ما كان عليه عشية 6 تموز عام 2006.
ومع الاقرار بكل تلك الوقائع فان السؤال الذي يحتاج الى من يجيب عنه هو: لماذا اختار "حزب الله" شهر حزيران الماضي لينصب خيمته الشهيرة على حدود مزارع شبعا وتحديدا عند النقطة التي تسمى في القاموس الاسرائيلي جبل دوف، لينطلق بعدها في رحلة تحدٍّ مع الالة العسكرية ال#إسرائيلية؟
بحسب ما ورد في مستندات شكوى اسرائيل الى الامم المتحدة ان الحزب نصب خيمتيه على مرحلتين: الاولى في 12 أيار والثانية في 31 من الشهر عينه. وفي حين ان اسرائيل اعلنت ان الحزب قد فكك احدى الخيمتين وابقى على الثانية، فان الحزب يقدم رواية تفيد بان كلا الخيمتين مازالتا قائمتين، لكن العدو لا يريد إلا ان يرى واحدة يعتبر انها نُصبت في بقعة عائدة لسيادته، في حين ان الثانية لا تبعد عنها إلا اقل من عشرين مترا.
الاهم في هذه السردية عند عالمين بالعقل الاستراتيجي للحزب هو توقيت هذا الفعل ومكانه.
قد يحمل التحليل القائل بان الحزب اختار دنو موعد ذكرى حرب تموز ليعيد التذكير بدوره وبانه لم يعد "عاطلا" عن الفعل والمواجهة بعد الترسيم البحري وفقا لما بثّه خصوم الحزب، وربما انه اراد ايضا ان يشد من أزر الفلسطينيين في الضفة وقد انطلقوا في رحلة مواجهة جديدة مع قوة الاحتلال. لكن مصادر على صلة بالحزب لا تخفي ان توقيت فعل التحدي والتصعيد هذا وثيق الصلة بالتطورات في الداخل اللبناني، واستطرادا بالمواجهة الخفية بين الحزب وواشنطن، خصوصا ان الاخيرة قد وجهت ضربة للحزب حينما ابطلت جهوده الرامية الى الاتيان بمرشحه رئيسا للجمهورية. فقبل اشهر قليلة اطلق الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله كلاما هدد فيه بالضغط على الحدود الجنوبية اذا ما مضت واشنطن في "تجويع اللبنانيين" وابقائهم في دوامة اللااستقرار. حينذاك كان نصرالله يعطي اشارة الانطلاق بمواجهة مختلفة يعتقد انها اكثر ايلاما للاعداء لانه يعلم مدى حرص واشنطن على أمن اسرائيل. فمنذ ذلك الحين شهد الجنوب تصاعدا نوعيا لاداء الحزب الى ان وجد ضالته المنشودة في الخيمة. وهنا كان الحزب يمارس نوعاً من الرد على فعل اميركي يعتبره معاديا له تمثل في ما يزعم الحزب انه رعاية اميركية للحلف السياسي الذي دعم ترشيح جهاد أزعور. والهدف كان تضييع فرصة كانت في نظر الحزب قريبة المنال لإيصال فرنجية الى سدة الرئاسة. لذا فخيمة "المزارع" هي في وجه اميركا حصراً.
اما اختيار الحزب لتلك الجغرافيا فلانه يعرف انها جزء من بقعة متداخلة بين ثلاث دول وهي تقع عمليا خارج البيئة الحاضنة للحزب. وبمعنى آخر يدرك الحزب ان صدى اي فعل في تلك البقعة اكبر من اي صدى في اي بقعة حدودية اخرى، خصوصا مع احتلال اسرائيل المكشوف لاراضٍ لبنانية هي الجزء الشمالي من الغجر. ويعتبر الحزب انه حقق مآربه من نصبه تلك الخيمة كونها اظهرت تآكل قوة الردع الاسرائيلية.
ابراهيم بيرم- النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|