محاولة لفهم بشّار الأسد!
قد يكون الحوار، الذي أجرته قناة سكاي نيوز مع الرئيس السوري بشار الأسد، محاولة محفوفة بالمخاطر، والهدف هو تقديمه مجدّداً إلى الرأي العامّ العربي، بحلّة جديدة، وهو الرجل المغترب عن الواقع منذ آذار 2011، حين كتب أحد الأطفال على جدار في درعا "إجاك الدور يا دكتور"، في سياق الربيع العربي الذي أصابت عدواه المنطقة شرقاً وغرباً، فتدحرجت الأحداث والوقائع في سوريا، ولم تنفع كلّ الوساطات العربية والدولية في وقف نزيف الدم. لكنّ الحصيلة ضامرة، إن لم تكن ساخرة. فالرجل الذي بدا من خارج الأرض في القمّة العربية التاريخية في بيروت، عام 2002، لم يتغيّر كثيراً. آنذاك، أسهب الأسد الابن واستطرد في لزوم ما لا يلزم، خلال إلقائه محاضرة مملّة في المفاهيم السياسية على نظرائه الرؤساء والملوك. وفي تلك القمّة أطلق وليّ العهد آنذاك الأمير الراحل عبد الله بن عبد العزيز مبادرة الأرض مقابل السلام مع إسرائيل. ما يزال بشار الأسد يهوى الجدل مع الذات، حين يحاوره إعلامي، أو يناقشه سياسي، أو حين يلقي خطاباً في مجلس الشعب، أو في ميدان من ميادين الوطن الجريح، وكأنّ من البديهيّات لديه أن يناقش الأمور البديهية التي لا تحتاج إلى أدنى تأمّل.
الشيء ونقيضه
بالنمط عينه، يمكن قراءة حواره الأخير مع قناة سكاي نيوز، فلا نعرف أهو مع استرجاع العلاقات الطبيعية مع الدول العربية، والعودة إلى الجامعة العربية أم لا؟ هل هو مع الحوار مع واشنطن أم لا؟ هل يريد لقاء إردوغان أم لا؟ هل هو مع السلام مع إسرائيل والتطبيع معها أم لا؟ هل يفتح مكاتب "حماس" الإخوانية مجدّداً في دمشق أم لا؟ بل هل يعتبر "حماس" حركة مقاومة حقيقية أم لا؟ هل يعترف بوجود معارضة سورية، سواء أكانت في الداخل أو الخارج، أم لا؟ هل يُعيد اللاجئين السوريين إلى قراهم ومدنهم أم لا؟ هل ينوي مكافحة المخدِّرات المنطلقة من سوريا إلى البلدان العربية، لا سيّما دول الخليج، كما يزعم أنّه يكافح الإرهاب أم لا؟ لقد جاءت إجاباته كلّها حائرة ومحيِّرة.
1- الموقف من الحرب: لم يتّعظ الأسد من ويلات الحرب، التي كان بالإمكان تجنّبها لو سمع نصيحة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، فأجرى بعض الإصلاحات الضرورية، لكنّه يقول في الحوار: "لو عدنا بالزمن إلى الوراء، فسوف نتبنّى السياسة نفسها. كان ممكناً تجنّب الحرب لو قبلنا الخضوع للمطالب المعروضة، وهي تناقض الحقوق والمصالح السورية. كنّا سندفع ثمناً أكبر بكثير". وما هي هذه المطالب؟ وهل ثمّة ثمن أكبر ممّا دفعته سوريا، شعباً ودولة؟
2- العلاقة مع الدول العربية: هو يؤكّد أنّ العلاقة مع الدول العربية ستبقى شكليّة، وأنّ الجامعة العربية لم تتحوّل بعد إلى مؤسّسة بالمعنى الحقيقي. لماذا؟ لأنّنا العرب نحبّ الخطابات والبيانات واللقاءات الشكليّة. فلم تصل العلاقة مع الدول العربية إلى مرحلة وضع الحلول. وطالما أنّه لا توجد حلول للمشاكل، فستبقى العلاقة معها شكليّة. ما الذي يقصده؟ يتبيّن القصد لدى تطرّقه إلى مواضيع أخرى. هو يقول إنّ تجارة المخدّرات أمر طبيعي. وازدهار هذه التجارة عندما تضعف الدولة هو أمر طبيعي أيضاً. فمن يتحمّل المسؤولية في هذه الحالة؟ يجيب الأسد مستنبطاً: هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سوريا، وليس الدولة السورية. هو يقصد الدول العربية خاصّة، ومنها التي أعادته إلى الجامعة العربية. لكنّه يعود ويؤكّد: "نحن نقول ما مضى فقد مضى. وننظر دائماً إلى المستقبل". وما زال ينتظر الثمن مقابل مكافحة المخدّرات، كما يبدو. ولمن ينتظر ابتعاد الأسد عن إيران، فإليه الجواب الواضح: "سوريا تعرف كيف تختار أصدقاءها بشكل صحيح"، يقصد روسيا وإيران. فهل العرب على أجندة الأسد؟
3- الحوار مع واشنطن: يقول الأسد إنّ الحوارات مع الأميركيين عمرها سنوات وجرت بشكل متقطّع منذ عام 1974 ولا علاقة له بأيّ إدارة من الإدارات. لكنّه يستدرك بأنّه لم يكن لديه أمل حتى للحظة واحدة بأنّ الأميركي سوف يتغيّر "لأنّه يطلب ويطلب، يأخذ ويأخذ، ولا يعطي شيئاً. لكنّ سياستنا في سوريا هي عدم إغلاق أيّ باب في وجه أيّ محاولة، حتى لا يُقال لو فعلوا كذا لحصل كذا". ما فائدة الحوار إذاً مع واشنطن؟
4- اللقاء مع إردوغان: لماذا لم يشترط الأسد على الولايات المتحدة الانسحاب من شرق سوريا قبل التحاور معها، كما يشترط على إردوغان سحب قوّاته من الشمال الغربي لسوريا قبل اللقاء به؟ يقول الأسد: عدم وضع شروط مسبقة على تركيا، يعني لقاء من دون جدول أعمال، أي من دون تحضير، ومن دون نتائج. ويسأل: لماذا نلتقي؟ لشرب المرطّبات مثلاً؟ واتّهم تركيا بتمويل الجماعات الإرهابية في سوريا، التي هي صناعة تركيّة كما يقول، فعن أيّ إرهاب (كردي) يتحدّث إردوغان. لكن يبقى السؤال نفسه: هل يلتقي إردوغان أم لا؟
5- العلاقة مع إسرائيل: قال الأسد إنّ سوريا لم تتلقَّ أيّ عرض من إسرائيل بهذا الشأن. والموقف السوري منذ مفاوضات السلام عام 1990: إن لم تسترجع سوريا أرضها المحتلّة فلا داعي لإضاعة الوقت. لكنّه بالمقابل يقول إنّ "إسرائيل تستهدف الجيش السوري بشكل أساسيّ تحت عنوان الوجود الإيراني. وسيستمرّ ذلك ما دامت إسرائيل عدوّاً، وسيستمرّ ما دمنا نتمكّن من إفشال مخطّطات الإرهابيين ولو جزئيّاً. بدأت الضربات عندما بدأ الجيش السوري تحقيق انتصارات مرحلية في المعارك. ونأخذ بالاعتبار أنّ الحرب لم تنتهِ بعد". فلم نفهم، هل إسرائيل عدوّ ولا يمكن إقامة سلام معها بالمطلق، أم ثمّة إمكانية لذلك تحت معادلة الأرض مقابل السلام؟
6- عودة حركة حماس: سئل الأسد: هل تعود العلاقة مع حركة حماس كما كانت قبل عام 2011؟ قال إنّها لن تعود كما كانت، مع أنّها تندرج ضمن المبدأ العام، وهو الوقوف مع أيّ فصيل فلسطيني يواجه الاحتلال الإسرائيلي. ومن المبكر عودة مكاتبها إلى دمشق، لأنّ المعارك داخل سوريا لديها الأولويّة الآن. ولم يشرح كيف أنّ المعارك العسكرية ضدّ المعارضة تعيق فتح مكاتب "حماس"؟ بالمقابل، انتقد الأسد حركة حماس بشدّة، متّهماً إيّاها بالغدر والنفاق، وأنّها حركة إخوانية، أي إرهابية، بل انتقص من دورها كحركة مقاومة. وبعد كلّ ذلك، لماذا لا يرفض الأسد صراحة عودة "حماس" إلى سوريا؟
7- الموقف من المعارضة: يؤكّد الأسد، وهو موقف معروف، أنّ المعارضة التي يعترف بها هي المعارضة الداخلية. لكنّ الطريف أنّه يسمّيها المعارضة المصنّعة محلّياً في مقابل المعارضة المصنّعة خارجياً. هو يعرّف المعارضة المصنّعة محلّياً بأنّها تلك التي تمتلك قاعدة شعبية وبرنامجاً وطنياً ووعياً وطنياً. لكنّه يعرّف المعارضة المصنّعة خارجياً بأنّها تلك المرتبطة بالمخابرات الخارجية، وهي مرفوضة. وما المقصود إذاً بتصنيع المعارضة داخلياً؟ يستطرد الأسد في شرح مفهوم المعارضة التي هي شيء طبيعي. ثمّ يقول إنّ كلمة معارضة خارجية لا تعني السوء. "قد يكون أحدهم معارضاً داخلياً ومرتبطاً بالخارج. وقد يكون معارضاً بالخارج لكنّه مرتبط بالوطن. فالقضية ليست لها علاقة بالخارج وبالداخل، بل لها علاقة بأين تكمن انطلاقتك، من الشعب أم من المخابرات الأجنبية. هذا هو السؤال فقط". وشرح الماء بعد جهد بالماء!
8- عودة اللاجئين: وهي نقطة حسّاسة جدّاً للدول المجاورة كما للدول المُضيفة للآلاف من السوريين الفارّين من بلادهم. لكنّ الأسد في الحوار المذكور يتناول النتائج، ولا يعالج الأسباب، ويطلب من المجتمع الدولي تعمير البنية التحتية المدمّرة كي يتمكّن اللاجئون العودة إلى قراهم والمدن المدمّرة بصواريخ الأسد وبراميله المتفجّرة، وبأسلحة حلفائه الإقليميين والدوليين كذلك.
9- مكافحة المخدِّرات: حين سُئل الأسد عن تجارة المخدّرات وعن دور بلاده في تصديرها، دخل في جدلية عويصة جامعاً بينها وبين الإرهاب، بطريقة غير مفهومة، قائلاً: "إذا كنّا نحن من يسعى كدولة لتشجيع هذه التجارة في سوريا، فهذا يعني بأنّنا نحن كدولة من شجّعنا الإرهابيين ليأتوا إلى سوريا للتدمير وللقتل لأنّ النتيجة واحدة. إذا وضعنا الشعب بين الإرهاب من جانب والمخدّرات من جانب فنحن نقوم بأيدينا بتدمير المجتمع والوطن، فما هي مصلحتنا؟ حتى العصابات لا تتعامل مع دول لأنّها تعمل بشكل سرّي. تأتي من أقصى الغرب ومن أقصى الشرق. هي تتعامل مع أشخاص عن طريق الرشوة، فلا يمكن أن تتعامل مع دولة لأنّها عندها تصبح تجارة معلنة وليست سرّية". وبعد هذا اللغط المنطقي المتهافت، يحمّل الدول العربية مسؤولية الكبتاغون وكلفة وقف التجارة، عن طريق تقوية الدولة!
10- الموقف من الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة: أمّا موقف الأسد من الانتخابات في لبنان، وأيّ مرشح هو أقرب إلى دمشق، فقد بدا جوابه هنا الأكثر عقلانية وواقعية، بأنّه لا يتدخّل في الشأن اللبناني ربّما لأنّه لم يعد يملك شيئاً في لبنان، مع الحضور الطاغي للحزب، فملأ الفراغ.
في الختام، يبدو أنّ أفضل الكلام في توصيف المأساة السورية برمّتها، ما أدلى به الفنّان السوري المبدع فارس الحلو قبل سنوات، حين قال: "المجتمع الدولي يخطئ حين يعتبرنا ضحايا. بل نحن الناجون من المعتقلات السورية. نحن الذين نجونا من هذه المعتقلات بطريقة أو أخرى". الموت في سجون النظام هو القاعدة، والخروج منها حيّاً، هو الولادة الجديدة!
هشام عليوان - أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|