موازنة الضرورة تجاهلت الضروريات
يعتبر قانون موازنة 2024 الذي أقره مجلس النواب اللبناني في 26 يناير إنجازا كبيرا قياسا إلى حالة الشلل والتعطيل والانهيار والحرب التي تعيشها البلاد.
وقد أعاد القانون شيئا من التصويب الى الانتظام العام، بصرف النظر عن واقعة تراجع قيمة الأرقام المالية لهذه الموازنة بالدولار الأميركي (من 17 مليار عام 2019 الى ما دون 3.27 مليارات لهذا العام).
والأهم من كل ذلك، فقد تجاوزت بعض الكتل النيابية قراراتها السابقة في مقاطعة العمليات التشريعية وحضرت الى مجلس النواب، وهذه الكتل كانت تمتنع عن المشاركة بالتشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وهي المهمة التي ينص الدستور على إنجازها دون إبطاء عند شغور المركز وقبل أي عمل آخر.
بين توصيف الموازنة «ككارثة تزيد من الانهيار» كما ورد على لسان القوى المعارضة لها، وبين اعتبارها «انجازا بطوليا في هذه الظروف الصعبة، وهي المرة الأولى التي تقدمها الحكومة ضمن المهلة الدستورية منذ العام 2002، أي قبل بدء الدورة التشريعية السنوية الثانية لمجلس النواب» كما وصفها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، هناك مبالغات واضحة من الفريقين.
فهي موازنة ضرورة مقبولة بعد التعديلات التي أدخلتها عليها لجنة المال والموازنة ـ لاسيما تبني اقتراح كتلة اللقاء الديموقراطي بفرض ضريبة 10% على أرباح الشركات والأشخاص الذين استفادوا من إجراءات الدعم وعمليات صيرفة ـ ولكنها في الوقت ذاته ليست مثالية الى الحدود التي وصفتها الحكومة، وهي تجاهلت الكثير من الاستحقاقات المالية، ومنها بعض حقوق الموظفين والأساتذة خصوصا كونها أقفلت إمكانية اعطاء سلف خزينة، وتغافلت عن فرض الضرائب العادلة على المستفيدين من الأملاك العامة، خصوصا البحرية منها.
والموازنة تجاهلت المواضيع المالية الداهمة، لاسيما ملف احتجاز ودائع المواطنين في البنوك، وملف الدين العام الذي كان السبب الرئيسي للانهيار المالي.
وهذه الوضعية الفائقة الأهمية ليس من الطبيعي تجاهلها بمناسبة إقرار قانون جديد للموازنة، والأوضاع الصعبة في البلاد لا تعفي حكومة تصريف الأعمال ولا المجلس النيابي من معالجة هذا الاختلال الكبير، لأن الدولة تتحمل المسؤوليتين عن هذه الواقعة الرهيبة: المسؤولية الأولى لكونها صرفت أموال الناس عن طريق الاستدانة من مصرف لبنان، والمسؤولية الثانية لأنها تخلت عن واجباتها في إيجاد الحلول لهذه الكارثة المالية التي لم تحصل من قبل، وهي لم تحرك ساكنا لمعالجة الملف، حتى إنها تماطل في طرح خطة التعافي على محمل الجد.
الرأي العام يعرف أن موازنة في هذه الظروف القاسية، لا تستطيع محاكاة كل متطلبات الدولة. ووضعية الركود وتراجع النمو الاقتصادي، لا يسمحان لها بفرض المزيد من الضرائب، ولا زيادة الرسوم في المرافق العامة المتعثرة. لكن هذا الرأي العام، ومعه غالبية الخبراء في الشؤون السياسية والمالية، مندهشون من الخفة التي تعاطى بها المسؤولون بمسألة ديون الدولة، وخدمة هذه الديون، وكيف أن الموازنة لم تلحظ نهائيا ضمن بنودها المستحقات على الدولة.
وهذه الديون التي تبلغ قيمتها 98 مليار دولار حسب آخر الإحصاءات الموضوعية (منها 76% بالدولار والباقي بالليرة اللبنانية) غالبيتها صرفت من ودائع اللبنانيين التي مازالت رقميا بحدود 93 مليار دولار في المصارف، بينما الموجود منها احتياط في مصرف لبنان دون 10 مليار، والمودعون غير اللبنانيين محصورون بمجموعة من الأشقاء السوريين والكويتيين أصابتهم النكبة من غير سبب.
لا يوجد منطق مالي في العالم يبيح لدولة أن تتصرف بهذا الاستخفاف، وهي تمنعت عن دفع استحقاقات اليوروبوند (ومجموع قيمتها 33.5 مليارا) وعن مستوجبات السندات المحلية منذ 9 مارس 2020، وهي لم تفاوض الدائنين، ولا تضع خطة مرحلية لإعادة المستحقات عليها، برغم أنها استفادت الى حدود كبيرة من انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وتراجعت قيمة ديونها الى ما يقارب 50%. بينما هي كانت قد صرفت غالبية الديون على مشاريع فاشلة، وعلى تغطية عجز الكهرباء التي مازالت غائبة عن منازل المواطنين.
الأنباء الكويتية ـ ناصر زيدان
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|