الصحافة

لبنان يستغيث… هل يُنقذه الدعم العربي والدولي من الانهيار الكارثي؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

وسط تصاعد المخاوف من احتمال اندلاع حرب إقليمية، أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، تحذيراً عاجلاً من أن لبنان يقف على شفا انهيار كارثي بسبب الاعتداءات الاسرائيلية الأخيرة. جاء ذلك في دراسة تفصيلية تحت عنوان “الأثر المتعدد الأبعاد للاعتداءات الاسرائيلية على لبنان”، التي أكدت ضرورة التدخل الدولي “العاجل” لإنهاء النزاع ومعالجة أسبابه الجذرية، ولاستعادة الاستقرار في المنطقة بما يتماشى مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

مأساة إنسانية
الدراسة الأممية رسمت صورة مأساوية عن الخسائر البشرية، بحيث استشهد 569 شخصاً وأصيب 1850 آخرون، بينهم 50 طفلاً و94 امرأة، جراء الغارات الجوية الاسرائيلية في 23 أيلول/سبتمبر. وتعتبر هذه الحادثة واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية الناجمة عن غارات جوية في يوم واحد خلال القرن الحادي والعشرين.

وبحسب إحصائيات تقرير وحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة للحكومة، بلغ إجمالي عدد النازحين المسجلين في مراكز الإيواء المعتمدة في لبنان 146,400 نازح. وتم توزيع هؤلاء النازحين على 834 مركز إيواء جهزت في مختلف المحافظات اللبنانية، والتي تشمل مدارس حكومية ومجمعات تربوية ومعاهد مهنية ومراكز زراعية وغيرها من المرافق.

أعباء اقتصادية واجتماعية
في ظل الدمار الذي خلّفه الصراع، بحيث تضرّر أكثر من 23 ألف منزل في النبطية وجنوب لبنان، حذرت الدراسة من ارتفاع كارثي في معدلات الفقر، اذ من المتوقع أن تصل نسبة الفقر إلى 94 في المئة في النبطية و87 في المئة في محافظة جنوب لبنان، في انعكاس للأبعاد الإنسانية السوداوية للحرب الدائرة.

وفي هذا السياق، أكدت الأمينة التنفيذية لـ “الإسكوا” رولا دشتي، أن “هذا النزاع قد دمّر ليس البنى التحتية وحسب، بل أيضاً نسيج المجتمع نفسه”. وأضافت: “إن تدمير المنازل والمدارس والمرافق الصحية، إلى جانب النزوح الواسع النطاق، يسهم في تآكل رأس المال البشري ويفضي إلى شرخ التماسك الاجتماعي”. وشددت على أن إنهاء النزاع ومعالجة أسبابه الجذرية “يعدّ أمراً بالغ الأهمية لرفاهية شعوب المنطقة واستقرارها”.

وكشفت الدراسة أيضاً عن حجم الضرر الذي لحق بالقطاعات الرئيسية في الاقتصاد اللبناني، حيث تجاوزت خسائر قطاع السياحة، الذي يُعد الركيزة الأساسية للاقتصاد، 3 مليارات دولار. كما تعرض القطاع الزراعي لدمار شديد نتيجة استخدام القنابل الفوسفورية الحارقة.

كذلك، حذرت من أن الاستهداف المنهجي للأصول الزراعية يمثل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي في المناطق الريفية، ما يعوق جهود التعافي، موضحةً أن هشاشة مؤسسات الدولة اللبنانية، التي تكافح لمواجهة التداعيات، إلى جانب استمرار الصراع وتضاؤل الموارد العامة وغياب الدعم الدولي، تدفع الحكومة نحو انهيار محتمل. وأشارت إلى أن الجهود المبذولة لإدارة الأزمات الانسانية والتنموية باتت “مستنزفة”. 

مناشدة ودعم
الدراسة الصادرة عن المنظمات الأممية أوصت بضرورة اتباع نهج منسق للتعافي وإعادة الإعمار مخصص للمنطقة، مدعوماً من المجتمع الدولي، لضمان مسار مستدام للمضي قدماً في المناطق التي مزقتها الحرب في لبنان.

وفي بادرة تضامن عربية ودولية واسعة، سارعت دولة الامارات العربية المتحدة إلى تقديم حزمة مساعدات إغاثية عاجلة بقيمة 100 مليون دولار للشعب اللبناني. كما قدّمت كندا والمملكة المتحدة مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 10 ملايين دولار كندي، و5 ملايين جنيه استرليني على التوالي. وفي السياق ذاته، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم مساعدات إنسانية بقيمة 10 ملايين يورو (11.2 مليون دولار) لمساعدة المتضررين من تصاعد الأعمال القتالية وذلك لتلبية الاحتياجات الملحة، مثل الحماية، والمساعدات الغذائية، والمأوى والرعاية الصحية.

بالاضافة إلى الدعم المالي، وجهت القيادة السعودية بتقديم مساعدات طبية وإغاثية لدعم الشعب اللبناني في مواجهة هذه الظروف الصعبة. كما أطلق برنامج الأغذية العالمي عملية طارئة لتقديم المساعدات الغذائية لمليون شخص. كذلك، وصلت طائرة عسكرية فرنسية محملة بـ12 طناً من المعدات الطبية، إلى جانب طائرة مساعدات إنسانية أردنية، وطائرة تركية تحمل 30 طناً من المواد الطبية والغذائية. وبادرت قطر إلى توزيع مساعدات إغاثية، بينما أمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإرسال مساعدات طبية وإغاثية طارئة. وأعلن العراق عن إقامة جسر جوي وبري لنقل المساعدات، بما في ذلك الأدوية والمواد الغذائية والوقود، فضلاً عن استقبال الجرحى والمصابين في المستشفيات العراقية.

426 مليون دولار لإنقاذ المتضررين
على الصعيد المحلي، أطلق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بالتعاون مع المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الانسانية في لبنان عمران ريزا، نداءً إنسانياً عاجلاً لجمع 426 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة للمدنيين اللبنانيين. وحذر ريزا من أن عدم توفير هذه الموارد سيؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق.

وأكد البيان الصادر عن منسق الشؤون الانسانية في لبنان أن هذا النداء يهدف إلى دعم مليون شخص تضرروا بصورة مباشرة جراء الأعمال العدائية. وسيتم تخصيص الأموال لتوفير الاحتياجات الأساسية الملحة، بما في ذلك الغذاء والدواء والمأوى والماء والخدمات الصحية والبلدية، وذلك بالتعاون مع الشركاء الانسانيين في إطار الاستجابة الطارئة التي تقودها الحكومة.

وعلى الرغم من تقديم المساعدات الانسانية بقيمة 63 مليون دولار منذ اندلاع المواجهات في 8 تشرين الأول/أكتوبر، أكد البيان أن هذه المساعدات لا تغطي سوى جزء يسير من الاحتياجات الانسانية المتزايدة في لبنان وهي غير كافية لمواجهة الأزمة الإنسانية الكارثية، بحيث هناك نقص شديد في الموارد وحاجة ماسة إلى مساهمات إضافية من المجتمع الدولي. وحذر من أن استمرار الأعمال العدائية واستهداف المدنيين يفاقم الأزمة ويستدعي توفير المزيد من الدعم الأساسي الذي يحتاجون إليه.

مرحلة حرجة
يواجه لبنان، الذي دخل حرب 2024، خطر الانهيار الكارثي، إذ يتعرض لخسائر مالية وإنسانية فادحة، وصدمات اقتصادية متتالية تزيد من هشاشة وضعه الاجتماعي والاقتصادي. ولقد شكل التأخير في تنفيذ الاصلاحات على مدى العقد الماضي عائقاً كبيراً أمام تعافي لبنان ونهوضه من كبوته الاقتصادية، كما أدى إلى تآكل الثقة بين الحكومة والمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المانحة، التي بدأ اهتمامها يتقلص بعد أن كانت تربط المساعدات المالية بالاصلاحات المطلوبة.

ففي حرب تموز/يوليو 2006، لعب الدعم الدولي والعربي دوراً حيوياً في مساندة الاقتصاد اللبناني، ما مكّنه من مواجهة تحديات الحرب بصلابة. اليوم، يواجه لبنان حرباً شرسة تهدد بإحداث ندوب اقتصادية طويلة الأجل، قد تؤدي إلى دمار شامل للاقتصاد وانهيار كامل للدولة، خصوصاً مع تفاقم الأزمة السياسية وتعطيل مؤسسات الدولة وعدم وفرة الدعم المالي والمادي الذي يُعتبر ضرورة مُلحّة في هذه المرحلة الحرجة.

سوليكا علاء الدين-لبنان الكبير

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا