مسؤولون في إدارة بايدن: ربما لبنان مشكلة أكبر من أن تُحل
على رغم من الآمال بأنّ التغيّرات السياسية في بيروت قد تجلب سلاماً دائماً إلى الحدود بين إسرائيل ولبنان، قد تضطرّ الولايات المتحدة إلى الاكتفاء بحل سريع. ومع ضآلة الآمال في إنهاء الحرب في غزة قبل مغادرة الرئيس جو بايدن منصبه، تحوّل اهتمام المسؤولين الأميركيِّين إلى لبنان، حيث يسعون بشدة إلى عقد اتفاق لوقف إطلاق النار ينهي الغزو الإسرائيلي للبلاد. لكنّ لبنان يثبت أنّه مشكلة عنيدة بنفس قدر غزة بالنسبة إلى إدارة بايدن.
يُثير الهجوم الإسرائيلي على الجارة الشمالية قلق المسؤولين الأميركيِّين، الذين يعتقدون إنّه قد يتحوّل إلى ساحة معركة بين إسرائيل وإيران، ويخلق كارثة إنسانية جديدة، وربما يجرّ الولايات المتحدة والدول العربية المجاورة إلى الصراع كمحاربين. لأكثر من عام، ردّد المسؤولون بأنّ الصراع بين إسرائيل و»حزب الله» اللبناني، وليس الحرب مع «حماس» في غزة، هو الذي يُشكّل الخطر الأكبر على الولايات المتحدة.
مع ذلك، حتى الآن، فشلت الديبلوماسية الأميركية في استقرار الوضع، وحذّر أحد المساعدين البارزين مؤخّراً من أنّ «الوضع خرج عن السيطرة». ويرجّح المسؤولون والمحلّلون الأميركيّون الآن بشكل متزايد أن يُسلّم الرئيس بايدن الأزمة لخَلَفه.
ويرى آرون ديفيد ميلر، مفاوض طويل الأمد للسلام في الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أنّ «هذا صراع يمكن في أفضل الأحوال أن يتمّ التحكّم به أو احتواؤه»، وليس حلّه بشكل كامل. وقد وصف بعض كبار المسؤولين الأميركيِّين حملة إسرائيل المدمّرة ضدّ «حزب الله» بأنّها فرصة لإعادة تشكيل السياسة في بيروت وتقوية الحكومة اللبنانية، ما يقلّل من تأثير «حزب الله» وراعيه إيران.
كما يعتقد المسؤولون والمحلّلون بأنّ جيشاً لبنانياً قوياً بدعم حكومي هو الطريقة الوحيدة لمنع «حزب الله» من إعادة التمركز على طول الحدود مع إسرائيل وتجنّب المزيد من التحرّكات العسكرية الإسرائيلية. لكنّ بالنسبة إلى البعض، فإنّ هذا الهدف يبدو خيالياً.
في حين أنّ «حزب الله» يبدو ضعيفاً بوضوح، وقد تشعر إيران بالخوف من العروض العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، إلّا أنّ كلاهما يحتفظ بنفوذ لن يتنازلا عنه بسهولة.
وللولايات المتحدة تاريخ مؤلم من محاولات تشكيل الحكومات الأجنبية، وهو تاريخ مليء بالأخطاء المكلفة والانحرافات الأخلاقية والغضب المحلي. ولدى الولايات المتحدة تاريخ مؤلم بشكل خاص في بيروت، حيث أدّى تفجير من قبل «حزب الله» في تشرين الأول 1983 إلى مقتل 241 من العسكريِّين الأميركيِّين الذين كانوا في مهمّة حفظ سلام. كما اختُطِف أو قُتل العديد من الأميركيِّين هناك في السنوات اللاحقة.
ويَصف ميلر التجربة الأميركية في لبنان بأنّها «مأساوية». هذا التاريخ ليس غائباً عن أذهان المسؤولين الأميركيِّين، حتى مع سعيهم لإيجاد طريقة لطمأنة إسرائيل بأنّ «حزب الله» لن يُعيد تجميع قواته بمجرّد انتهاء القتال الحالي.
ويعتقد آموس هوكشتاين، مساعد بارز في البيت الأبيض يعمل كمنسق لشؤون لبنان لدى بايدن، «أنّ وقف إطلاق النار في متناول اليد، وهو في مصلحة كلا البلدَين والشعبَين. لكن، إذا سعينا فقط لإنهاء الأعمال العدائية، فسنعود إلى الصراع عاجلاً أم آجلاً». وأضاف: «يجب أن يكون الوضع بعد هذا الصراع مختلفاً تماماً. لبنان يمكن أن يكون آمناً ومزدهراً وحراً. هذا هدف قابل للتحقيق، لكنّه سيتطلّب دعماً من المجتمع الدولي».
خلال رحلة إلى إسرائيل ولبنان الأسبوع الماضي، ركّز هوكشتاين على الهدف قصير المدى المتمثّل في وقف القتال وتأمين الحدود بين إسرائيل ولبنان. الهدف المعلن للولايات المتحدة هو تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أُقرّ في عام 2006 لإنهاء الحرب الأخيرة بين إسرائيل و»حزب الله».
دعا هذا القرار إسرائيل و»حزب الله» إلى الانسحاب من جنوب لبنان، وأن تُؤمّن وتُراقب المنطقة الحدودية بواسطة قوات الأمم المتحدة والجيش اللبناني. لكنّ إسرائيل ترى بأنّ القرار كان فاشلاً، مع عواقب مدمّرة. لم تُمنح قوات الأمم المتحدة صلاحيات استخدام القوة، وأثبت الجيش اللبناني أنّه غير قادر وغير راغب في تحدّي «حزب الله»، الذي بنى قوة عسكرية قوية على طول حدود إسرائيل.
مع ذلك، كانت الولايات المتحدة حتى الآن متسامحة بشكل غير متوقع مع الهجوم الإسرائيلي المدمّر على «حزب الله»، إذ قتلت زعيم الحزب المخضرم حسن نصر الله والعديد من قادته، ودمّرت الآلاف من مخازن أسلحته، وقتلت أو أصابت آلافاً من مقاتليه من الرتب الدنيا عن طريق تفجير أجهزة اتصال كانوا يحملونها.
حتى مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيِّين ووصول عدد اللبنانيِّين النازحين إلى أكثر من مليون شخص، وفقاً للمسؤولين اللبنانيِّين، تشدّد إدارة بايدن على أنّ إسرائيل تتصرّف بدافع الدفاع عن النفس المشروع. فهجمات «حزب الله» من طول الحدود أجبرت حوالى 60,000 إسرائيلي على الفرار من شمال إسرائيل التي حدّدت هدفها بإعادة الأمن إلى المنطقة حتى تتمكن تلك العائلات من العودة إلى منازلها بأمان.
الآن، يضغط هوكشتاين على خطة يقبل بموجبها إسرائيل و»حزب الله» والحكومة اللبنانية، محاولة جديدة لتنفيذ القرار 1701. تتضمّن مسودات الخطة مراقبة وإشرافاً مستقلاً من الولايات المتحدة ودول أخرى، وفقاً لأشخاص اطّلعوا عليها. ومن المحتمل أن تشمل هذه الدول فرنسا، التي كانت تدير لبنان قبل استقلاله عام 1943.
تشمل الخطة أيضاً جهوداً تقودها الولايات المتحدة لتمويل وتدريب القوات المسلحة اللبنانية، إذ يُنظر إلى قائدها العماد جوزيف عون، وهو ماروني كاثوليكي، على أنّه مستقلّ عن «حزب الله». ويعتقد المسؤولون الأميركيّون أنّ بضعة آلاف إضافية من الجنود اللبنانيِّين، بالإضافة إلى نحو 5,000 منتشرين حالياً في الجنوب، ستكون ضرورية لتوفير حماية فعّالة ضدّ عودة «حزب الله».
وحذّر هوكشتاين الشهر الماضي من أنّ عاماً من الاشتباكات «خرج عن السيطرة»، وهو ما وصفه المسؤولون في إدارة بايدن منذ فترة طويلة بأنّه سيناريو كابوسي.
ذلك لأنّهم يخشون أن يؤدي غزو إسرائيلي للبنان إلى عواقب أوسع، وقد يجذب إيران إلى صراع أكثر مباشرة مع إسرائيل. وقد تبادلت إسرائيل وإيران جولات عدة من الغارات الجوية في الأشهر الأخيرة، لكن مع وقوع عدد قليل من الضحايا المدنيِّين. ستكون حرب شاملة بين البلدَين محفوفة بمخاطر كبيرة قد تؤدّي إلى جَرّ الولايات المتحدة إلى الصراع.
السؤال الرئيسي بالنسبة إلى إسرائيل حول اتفاقية وقف إطلاق النار القائمة على القرار 1701، هو ما إذا كان يمكن الوثوق بالجيش اللبناني في تنفيذها هذه المرّة. فلم يكن للبنان رئيس منذ حوالى عامَين، والبلاد غارقة في الشلل السياسي.
وتحدّث وزير الخارجية الأميركي أنتوني ج. بلينكن مع العديد من نظرائه العرب الذين يتمتعون بنفوذ في لبنان، حول كيفية ملء المنصب الشاغر بشخص يمكنه مواجهة التحدّي. وقد وضع «حزب الله» حق النقض ضدّ أي مرشح سوى مرشحه المفضّل.
وأوضح فراس مقداد، زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، أنّ «قطعة أساسية من اللغز» المفقودة حالياً «هي شريك راغب وقادر في بيروت لتنفيذ أي اتفاق. من أجل ذلك، ستحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها إلى إعادة تشغيل النظام السياسي اللبناني من خلال تسهيل انتخاب رئيس وَدود وتشكيل حكومة لا تضفي شرعية على أسلحة حزب الله».
لكنّ المحلّلين يرَون إنّ أي تحدٍّ جدّي لـ«حزب الله» - سواء سياسياً في بيروت، أو عسكرياً من قِبل الجيش اللبناني - قد يؤدّي إلى حرب أهلية.
ويشرح ماثيو ليفيت، خبير في شؤون «حزب الله» في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «في نهاية المطاف، مَن لا يعتقد أنّ «حزب الله» سيقاتل للحفاظ على موقعه في لبنان يخطئ في التقدير. ليس لديّ ثقة بأنّ الحكومة اللبنانية ستتمكن من الوقوف في وجه المسلحين».
وأوضح ليفيت أنّ المسؤولين في إدارة بايدن يأملون بشكل رئيسي في وقف القتال في لبنان قبل أن يتصاعد أكثر. ومع أقل من ثلاثة أشهر متبقية من ولاية بايدن، ومشكلة معقّدة للغاية، قد يكون لديهم خيارات قليلة أخرى، مضيفاً: «أعتقد أنّ إدارة بايدن تفهم حدود محاولة تحريك القطع في لبنان».
بالنظر إلى تلك المشاكل المتوقعة، ليس من الواضح ما الذي قد يؤدّي حتى إلى اتفاق ضيّق لوقف إطلاق النار.
بعد مغادرة هوكشتاين للمنطقة الأسبوع الماضي، كتب زفي بارئيل، كاتب عمود في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أنّه لم يرَ أي علامة على التقدّم بعد ما لا يقل عن 12 رحلة إلى بيروت للمسؤول في البيت الأبيض. وأشار إلى أنّ «حزب الله» وحلفاءه في حكومة لبنان ما زالوا يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة قبل أن يوافقوا على وقف إطلاق النار بأنفسهم.
كل رحلة يقوم بها هوكشتاين إلى المنطقة يعتبرها بارئيل «مجرّد تكرار من دون غاية أو أمل». ويفنّد المسؤولون الأميركيّون هذا التقييم، إذ تحدّث وزير الخارجية بلينكن مع الصحافيِّين الأسبوع الماضي، وأصرّ على أنّ الولايات المتحدة «أحرزت تقدّماً جيداً» نحو تفاهمات لتنفيذ القرار 1701 بشكل فعّال.
ويعتقد رايان كروكر، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في لبنان في أوائل التسعينات، أنّ الولايات المتحدة قد تضطرّ إلى الاكتفاء بوقف إطلاق النار بناءً على القرار، و»خطوات تدريجية» من هناك، مضيفاً أنّ «الواقع السياسي في الشرق الأوسط، وتقويمنا السياسي، ليسا مؤاتيَين لأي شيء أكثر من ذلك».
مايكل كراولي- نيويورك تايمز
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|