المعارضة تتكتم حيال مرشحها الرئاسي وعينها على المحور"المهزوم"
مع اقتراب جلسة مجلس النّواب المقرّرة في 9 من كانون الثاني المقبل، لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، والتي دعا إليها رئيس المجلس نبيه برّي، الواثق والمتفائل بأنّ الجلسة ستنتهي بانتخاب رئيس، وفي الوقت الذي تنشغل فيه الكواليس السياسيّة بمشاوراتٍ ونقاشاتٍ مستمرّة لتحديد مواصفات الرئيس العتيد، فضلًا عن لائحة الأسماء الجديّة المُرشّحة لهذا المنصب؛ أعلنت كتلة "اللقاء الديمقراطيّ" النيابيّة، مساء الأربعاء الفائت، أنّها ستدعم ترشيح قائد الجيش اللبنانيّ، جوزيف عون، لرئاسة الجمهوريّة.
وأهميّة الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها كتلة الحزب التقدّمي الاشتراكيّ تكمن في أنّها فتحت الباب قليلًا أمام عون للوصول إلى سدّة الرئاسة، ونقلت الملف الرئاسيّ إلى مرحلةٍ جديدة، بعد أسابيع من ازدحام نادي المرشّحين للمنصب بأسماءٍ عدّة، لم تلقَ إجماعًا يُعتدّ به. وقد نشهد في الأيام المقبلة صدور مواقف مماثلة من كُتل ونوّابٍ آخرين. ومن هنا، تُطرح تساؤلات حول موقف قوى المعارضة من انتخاب عون: هل ستتلقّف مبادرة جنبلاط، أم تطرح اسمًا أو أسماءً أخرى؟
لمعرفة مواقف الكتل المُعارضة من مبادرة الحزب الاشتراكيّ، تواصلت "المدن" مع عددٍ من النوّاب والمُمثلين عن الكتل النيابيّة.
"قضاء الحاجة بالكتمان"
تؤكّد مصادر "المدن" في حزب القوّات اللبنانيّة أنّه، وبما يتعلّق بالانتخابات الرئاسيّة، فهم يتعاملون معها بسرّيّة في الوقت الراهن. وتقول: "لماذا لم يسلّم جعجع الرئيس برّي أيّ اسم حتّى الآن؟ نحن لا نرى، حتى هذه اللحظة، أنّ الرئيس برّي يتعاطى مع الملفّ الرئاسيّ بالجدّية المطلوبة. نعتقد أنّ عليه أن يتعاطى مع الملفّ وفق طبيعة المرحلة الجديدة التي دخل فيها البلد. فلبنان دخل مرحلة مغايرة تمامًا عمّا كان عليه، لكنّ الرئيس برّي لا يزال يتعامل مع الموضوع على أساس المعطيات السابقة، في حين نطمح معه إلى تصوّر سياسيّ مشترك لطبيعة المرحلة المقبلة، وللأسماء التي تنطبق عليها المواصفات المطلوبة".
وتُضيف المصادر: "لن نتحدّث في الأسماء قبل أن نرى تبلور الأمور. فأيّ اسم نكشف عنه قبل أوانه سنكون كمن يحرقه. لذلك نقول إنّنا سنطرح الأسماء في الوقت المناسب، حين تستوي المسألة. نحن نتحدّث عن محورٍ مهزوم وطائفةٍ منكوبة يحتاجان إلى رئيس للجمهوريّة لبدء إعادة الإعمار، وعن انتخابات يشعرون فيها بالهزيمة، وعن فريق آخر في حالة إرباك سياسيّ. لذلك ننتظر لنرى إلى أين ستصل الأمور، وأعتقد أنّ الأمور ستتوضّح في وقتها، وأيّ إعلان مبكر عن الأسماء سيحرقها".
هذا التكتّم عن أسماء المُرشّحين، فضلًا عن عدم الخوض بجديّة في المبادرات المطروحة، يطغى على إجابات عددٍ من النوّاب الآخرين الذين اتصلت بهم "المدن"، والذين فضّلوا عدم الحديث عن أي أسماءٍ أو اتجاهات في هذا الوقت. ومنهم النائب التغييريّ ميشال الدويهي، والنائبة التغييريّة بولا يعقوبيان، التي أشارت لـ"المدن" أنّه "وحتّى اللحظة لم يُقدّم أيّ شخص اسمًا جديًّا ومناسبًا لنقابله ونسأله عن برنامجه، نحن نتواصل فيما بيننا، ومستمرّون على ذلك".
يُذكر أنّ "المدن" حاولت التواصل مع نواب كتلة "الاعتدال الوطنيّ"، لكنها لم تلقَ جوابًا على اتصالاتها المتكرّرة.
عون مرشّحًا
من جهته، يُشير النائب أشرف ريفي عن كتلة "تجدّد" إلى أنّهم اتخذوا موقفًا بتأييد ترشيح جوزيف عون لرئاسة الجمهوريّة، معتبرًا أنّه "المرشّح الأوفر حظًا"، وقد تبنّوا ترشيحه ككتلة. وعن آمالهم في أن تُفضي جلسة 9 كانون الثاني إلى انتخاب رئيس، يقول ريفي: "الحظوظ مرتفعة ونأمل أن تنتهي الجلسة بانتخاب رئيسٍ جامع".
أمّا بخصوص ترشيح قائد الجيش، فترى مصادر القوّات أنّه شخصيّةٌ جديّة ومطروحة منذ فترة، وتُشير في هذا السّياق: "ما زلنا نتعامل مع الأمر على قاعدة استشراف نيات الفريق الآخر، وأيّ تسمية قبل أوانها ستحترق. لذلك، لو كنّا نريد التسمية لكنا فعلنا كما فعلت المعارضة في اجتماعاتها السابقة، وقلنا: هذا هو اسمنا من دون حرج. فقد سمّينا ميشال معوّض سابقًا بلا حرج، وسمّينا جهاد أزعور كذلك. وبالتالي، في اللحظة المناسبة سنسمّي مرشّحنا".
وموقف القوّات تجاه عون يُشابه موقف عددٍ من النوّاب التغييريين، حيث أكّد النائب إبراهيم منيمنة في حديثه إلى "المدن" أنّ "لعون حظوظًا واضحة منذ البداية، فهو أحد الأسماء الجديّة جدًا، لكننا نريد أن نرى موقف باقي الكتل، كما نترقّب موقف جهات أخرى. لقد كانوا سابقًا غير متحمّسين كثيرًا لطرح اسمه". ويُضيف: "إذا افترضنا أنّ بعض المعارضين قد غيّروا موقفهم تجاه جوزيف عون، لا أعلم إن كانت المعارضة تبنّته رسميًّا أم لا. فلننتظر، فكلّ طرف ما زال يدرس خياراته، والجميع بانتظار تحرّك أكثر جدية".
رئيس اللحظة الأخيرة
من جهته يؤكّد منيمنة أنّه "يتواصل حاليًّا مع باقي قوى المعارضة في هذا الشأن، إذ يبدو أنّ البعض قد أصبح شبه متوافق على ترشيح جوزيف عون، فيما لا تزال أطراف أخرى متردّدة وتناقش مسألة الأسماء، ولا يزال الأمر محلّ نقاش. بالنسبة إلينا، من الطبيعي أن ننظر في مواقف القوى الأخرى، ونرى اليوم أيّها أكثر حظوة. لكنّنا حتى الآن لا نعلم يقينًا؛ فإذا لم يهدأ الوضع على مستوى المؤسّسة العسكريّة، فقد يتحوّل الخيار، إذا جاز القول، إلى خيارٍ جامع. فلننتظر ونرى ما سيحدث، وبعدها نتّخذ القرار".
وحول ما إذا كانوا يأملون خيرًا في الجلسة المقبلة، وأنّها قد تُفضي إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة، أم يستبعدون ذلك، يجيب منيمنة: "نعم، هناك احتمال عالٍ جدًا. أعتقد أنّ الأمر قد يُحسم في اللحظة الأخيرة. ونحن في هذه المرحلة نبحث عن رئيس جامع، فلا يمكننا أن نختار رئيسًا يمثّل فريقًا دون الآخر، أو يشكّل تحدّيًا. علينا الانتظار قليلًا لنرى ما ستقرّره بعض الأطراف الأخرى".
أمّا مصادر القوّات، فتقول في هذا السّياق: "نحن كقوّاتٍ لبنانيّة نرجو، مع حلول السنة الجديدة، أن يكون للبنان رئيسٌ جديد للجمهوريّة، وأن يبدأ مع هذا الرئيس مشروع الدولة الذي توقّف مع الاحتلال السوري للبنان. هذا هو الاتجاه الذي نعمل عليه. أمّا ما يريده محور 'الممانعة'، فلا نزال نجهله. حتى الآن، في ظلّ التواصل القائم والمستمر معه، لا نرى أن لديه نضجًا سياسيًّا يُدرك طبيعة المرحلة الجديدة التي دخل فيها البلد. ما زالوا يتعاملون مع الأسماء وفق القواعد السابقة، وبالتالي قد يعمدون إلى تعطيل الدورة الثانية من جلسة التاسع، وهذا أمر ممكن".
وتشدّد المصادر على أنّها لن تقوم بتعطيل الجلسة، قائلةً: "كانوا أقوى ممّا هم عليه الآن، وكانوا أقوى عسكريًّا، وكانت فرنسا تميل إليهم، وكانت الولايات المتحدة تتقبّلهم إلى حدٍّ ما. أمّا اليوم فهم خاسرون، ونحن أقوى، والأميركيّون يعلنون بوضوح رفضهم لانتخاب أيّ رئيس لا تتوفّر فيه المواصفات المطلوبة. وبالتالي، إذا كنّا في السابق قد طالبنا بدورة ثانية، فكيف اليوم؟ بالتأكيد سيحاولون تعطيل الدورة الثانية، ونحن سنشارك فيها بالتأكيد".
في ظلّ هذا التخبّط السياسيّ واستمرار حالة الترقّب والترصّد بين مختلف القوى، يبقى مصير الاستحقاق الرئاسيّ اللبنانيّ معلقًا على توازناتٍ داخليةٍ هشّة وحساباتٍ إقليميّة ودوليّة شديدة التعقيد. ومع اقتراب موعد الجلسة الحاسمة، يبدو أنّ البلاد تقف عند مفترق طرق: فإمّا تتمخّض الجهود والمبادرات عن انتخاب رئيسٍ قادر على لملمة الصفوف، وبدء مرحلةٍ جديدة من إعادة بناء الدولة ومؤسّساتها، وإمّا يبقى لبنان رهن الفراغ والشغور الرئاسي، ورهينةً لمناوراتٍ سياسيّةٍ لا تُنتج سوى المزيد من الشلل والتراجع. الأيام المقبلة وحدها ستكشف إن كان المشهد السياسيّ سيتحرّك نحو الاستقرار والتوافق، أم سيبقى قابعًا في دائرة التعطيل والمراوحة.
بتول يزبك - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|