دراسة صادمة.. الذكاء الاصطناعي قادر على الخداع والتشبث بوجهة نظره!
جنبلاط في دمشق: الله يرحمك يا بيي
سيكون اللقاء اليوم بين زعيم المختارة وليد جنبلاط ونجله تيمور وبين زعيم سوريا الجديد أحمد الشرع حدثاً تاريخياً. ولا يأتي هذا الوصف للقاء من قبيل المبالغة لتحسين شروط القراءة، وإنّما كنتيجة لمسار يقارب الـ 48 عاماً. ولخّص كمال جنبلاط هذا المسار بعبارته الشهيرة "السجن الكبير".
وها هو اليوم نجل الأخير يصافح في القصر الرئاسي بدمشق من يجلس على الكرسي الذي جلس عليه منذ قرابة الـ54 عاماً، ديكتاتور سوريا حافظ الأسد ثم نجله بشار، من دون انقطاع لغاية بداية الشهر الجاري.
سيتبادل الزعيم الجنبلاطي والشرع التهاني. سينظر "أبو محمد الجولاني" الى وليد جنبلاط (75 عاماً) على أنّه من جيل والده حسين (79 عاماً). أمّا هو (أحمد الشرع) فهو في عمر مماثل لتيمور جنبلاط وكلاهما من مواليد العام 1982.
ولن تكون عبارة "السجن الكبير" سوى البديل لكلمة "مبروك".
ان تبدل السلطة في سوريا بعد هذه الحقبة الديكتاتورية الطويلة، هو "أقرب الى الخيال" كما يقول جنبلاط الذي اعتبر أنّ سقوط الأسد لم يخطر على بال.
ما ستأتي به أنباء هذا اللقاء السياسي الأول من نوعه، هو صفحة جديدة في تاريخ لبنان وسوريا. فقد اعتاد زعماء لبنان على مدى أكثر من نصف قرن أن يكونوا أمام خيارين لا ثالث لهما: القبر أو المنفى، إذا كانت علاقاتهم مع طاغية دمشق "ليست على ما يرام". وهناك بحوزتنا، لائحة طويلة لتعداد من كان مثواهم القبر لأنّهم قرّروا الجمع بين البقاء في الوطن وبين علاقة "ليست على ما يرام" بينهم وبين الأسد.
كما ستكون هناك لائحة مماثلة تضمّ الذين فضّلوا المنفى على البقاء في الوطن كي يبقوا أحياء وفي حال "ليست على ما يرام" مع الديكتاتور الأسدي.
وطبعاً، هناك من صبر على ضيم جفاء الديكتاتور وبقيَ في لبنان لكن في السجن، لكن هؤلاء قلّة قليلة.
لو يتّسع الوقت اليوم أمام اللقاء في القصر الرئاسي بدمشق، لكان جنبلاط استعاد ما جرى مع أبيه كمال في آخر لقاء عقده مع حافظ الأسد في آذار 1976. ففي ذلك العام كان جيش نظام الأسد يستعدّ للدخول الى لبنان كي يمكث فيه حتى العام 2005.
وعندما خيّر الأسد جنبلاط بين مغانم لا تفوّت في السلطة في لبنان مقابل الانضواء تحت جناح حاكم سوريا ولبنان معاً، أجابه كمال جنبلاط: "لن أدخل في سجنك الكبير".
أما الشرع، فلديه قصة أخرى عن والده الذي كان في السعودية حيث أبصر نجله الوحيد (زعيم سوريا الان) النور عام 1982. ولمّا قرّر حسين الشرع العودة من المملكة مع الأسرة للاستقرار في دمشق عام 1989، سكن عند عودته في حيّ المزة.
لكنّه إبّان أحداث الثورة السورية بدءاً من العام 2011 اضطر للفرار من سوريا والاستقرار في مصر، بعد انتشار صيت ابنه الملقب بـ"الجولاني" في المعارضة المسلّحة والتي استقرّت في ادلب في شمال سوريا حتى انفتحت لها أبواب اكثر من 80 في المئة من سوريا منذ الثامن من الشهر الجاري.
لن يكون بالأمر الهيّن من الآن فصاعداً الاقتناع بأنّ زمن الطغيان في سوريا قد ولّى إلى غير رجعة. ومثل حال سوريا، هي أيضاً حال لبنان حيث يتعيّن على المؤمنين بذلك حقّاً، وهم لا زالوا قلّة قليلة كحال جنبلاط الذي يمضي ساعات هذا النهار في دمشق، ومثله رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، يتعيّن على هؤلاء استخدام كلّ احتياطي المنطق لديهم لطمأنة المشككين في أنّ زمن تبعية لبنان وتأثّره بكل الشّقاء السوري قد انتهى.
ما لا بد أن يدركه الخائفون والمشكّكون، من ذوي حسن النية طبعاً، انّ الرواية التي لم تنفّذ من الأسواق طوال أكثر من نصف قرن والتي تحمل عنوان "الحقّ على إسرائيل"، لم تعد من الآن فصاعداً مفروضة وبالإكراه كمقرّر في السياسة والتربية والتاريخ وفي كل شيء تقريباً في سوريا ولبنان. فإلى جانب إسرائيل، لم يقصّر الزمن الديكتاتوري في سوريا والتبعية في لبنان في القيام بـ"الواجب" على الإطلاق.
ومن بين القرّاء الأشهر لهذه الرواية، الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي خرج في مؤتمر صحافي بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 ليشرح مع "وسائل إيضاح" ان إسرائيل متورّطة في هذا الاغتيال. لكنّ أعواماً عدّة مرّت حتى برهنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنّ مجموعة من "الحزب" هي التي نفّذت الاغتيال.
أمّا أحد المؤلفين البارزين لرواية "الحق على إسرائيل" فهو من دون شكّ حافظ الأسد نفسه.
وفي فصل بارز كتبه الأخير بنفسه، تبلغ الرواية ذروة تستحق القراءة عبر الزمن. فبعد اغتيال كمال جنبلاط، في 16 آذار 1977، عقد في دمشق اجتماع بين ياسر عرفات (أبو عمار) رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وحافظ الأسد. ويروي ياسر عبد ربه، أمين السر السابق للجنة التنفيذية للمنظمة، وكان حاضراّ في الاجتماع ضمن الوفد المرافق لعرفات واقعة مهمة من الرواية.
في بداية الاجتماع ، أطلع عرفات، الأسد، على نتائج أعمال المجلس الوطني الفلسطيني الذي عُقد في القاهرة. وقال عرفات إنّ المجلس سمّى دورته "دورة الشهيد كمال جنبلاط".
وكانت المفاجأة، حين سأل الأسد عرفات عن هوية من قتل جنبلاط.
وروى عبد ربه أن عرفات شعر بارتباك شديد ولم يجد مخرجاً غير اتهام إسرائيل، بعدما "خفت أن يقول له: حضرتك يا سيادة الرئيس". لكنّ الأسد أصر على الإلحاح في السؤال: لماذا تعتقد يا "أبو عمار" أنها إسرائيل وليس غيرها؟ فقال له عرفات: أنا أعرف المنطقة التي كان فيها كمال جنبلاط. تنزل نزولاً، وفي آخر النزول توجد تحويلة ثم تبدأ بالصعود. هم كمنوا له عند التحويلة، من يقدر يفعل ذلك غير إسرائيل"؟
من حسن طالع أحمد الشرع، أنّ والده نجا من المصير الذي لاقاه والد وليد جنبلاط وجدّ تيمور. لكن، ومن حسن طالع الزعامة الجنبلاطية اليوم انّها، وفي داخل القصر الرئاسي السوري، تستطيع القول بثقة ان حافظ الأسد قتل كمال جنبلاط من دون الاضطرار للجواب الذي ادلى به عرفات عام 1977. ويختم جنبلاط بعبارة: "الله يرحمك يا بيي".
هل هناك ما زال لا يعتقد بأن زمن الخوف قد ولّى من لبنان وسوريا معاً؟
أحمد عياش- نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|