من خطاب ترامب إلى مستقبل ايران...شيعة لبنان يخلعون الرداء العتيق
أيّ رؤوس ستسقط ...؟!
انه زمن دونالد ترامب. بعد المشهد العسكري الآخر، المشهد الديبلوماسي الآخر. اعادة ترتيب الرؤوس، واعادة ترتيب العروش، واعادة ترتيب الخرائط؟ بحركة من اصبعه أوقف الدم في لبنان وفي غزة، لا من أجلنا، بطبيعة الحال، وانما من أجل "اسرائيل". أيضاً، بحركة من اصبعه لا بد أن يزيح بنيامين نتنياهو. هذا رجل يصلح فقط للحرب لا للسلام. هل ثمة رؤوس آخرى في طريقها الى السقوط؟
لبنانياً لا خطر علينا. تطمينات أميركية وأوروبية على السواء. ولكن مثلما لا نريد دولة مركبة بطريقة ميكانيكية لا تفاعيلة، لا نريد حكومة مركبة بطريقة ميكانيكية لا تفاعلية. دعونا نتمثل بالنموذج الاسباني بعد الحرب الأهلية. التوقيع على "ميثاق النسيان "Pacto del olvido. لا للكراهية وللصدام وللدم، لتكون الأجيال الجديدة "أجيال للحياة"، بحسب البرتغالي الرائع خوسيه ساراماغو.
قيّض لنا أن نكون في منطقة شديدة الالتباس. المستشرق الفرنسي جاك بيرك لاحظ "... هناك يعتقدون أنهم ولدوا لكي يموتوا فقط. أجل، لكي يموتوا فقط".... مصيبتنا الكبرى اننا لم نحاول يوماً، وعلى امتداد أكثر من قرن، بناء دولة بعيدة عن المفهوم الطوائفي، وهو المفهوم القاتل للدولة.
نعلم أننا بحاجة الى أيدي الآخرين ولو كانت الأيدي الغليظة، والى أموال الآخرين ولكن بشروط تقنية لا بشروط سياسية، بعدما ذهب بنا الارتهان الجيوساسي والجيوستراتيجي الى الخراب. لم نكن في يوم من الأيام بالدولة القادرة داخلياً ولا خارجياً. الأحرى لم نكن للبنان، بل مضينا في اجترارنا العبثي للقرن التاسع عشر، لتثبت الأشهر الأخيرة والأسابيع الأخيرة، أننا لا نستطيع الخروج من تحت الأنقاض الا بمؤازرة القريب والبعيد، مع خشيتنا من أن نقع ثانية في نقطة التقاطع بين لعبة الأمبراطوريات ولعبة القبائل. ما دفعناه كان باهظاً جداً، وهائلاً جداً، علّنا نأخذ الأمثولة من أرواحنا ومن أيامنا التي ذهبت هباء، ليكون لبنان قضيتنا الأولى والأخيرة، دون أن يعني ذلك الأخذ بجاذبية الغيتو في زمن الهويات المركبة والثقافات المركبة وحتى الديانات المركبة. لنتذكر قول سفير أميركي سابق هو ريتشارد جونز "عبقريتكم، كلبنانيين، أنكم في قلب الشرق الأوسط وعلى تخومه".
في حديث مع الوزير الراحل، ورجل الدولة الاستثنائي بالنزاهة وبالحنكة وبالملاءة الثقافية جان عبيد، قال "مشكلتنا في بعض قادة الطوائف عندنا كونهم "ظواهر فرويدية". الافراط المروع في النرجسية، ودون أن يكون لديهم ذلك المستوى من الوعي، الوعي الأخلاقي أو السياسي، لكي يتمكنوا من التفريق بين مقتضيات الطائفة التي تجرنا الى الوراء، ومقتضيات الدولة التي تجرنا الى الأمام"...
حقاً كان هناك قطب سياسي مؤثر يراهن على نهاية مختلفة للحرب، بازالة فئة لبنانية بكاملها من الخريطة، وعلى تداعيات مختلفة للزلزال السوري، بحيث يكون الرجل الوحيد في العربة الذهبية التي تحمله من الصومعة الى القصر. قراءة عرجاء، بل وقراءة مدمرة للواقع اللبناني، الذي طالما قلنا انه يشبه البيت الصيني، ان سقط عمود منه سقط البيت بكامله. هكذا لبنان، بلد الطوائف المختلفة والأفكار المختلفة والآفاق المختلفة، لا بلد الكهوف ولا بلد الأقبية...
ذاك المصطلح الرديء "الديموقراطية التوافقية". لوياجيرغا أفغانية، ولكن بربطات العنق الفاخرة. ثمة رئيس جمهورية الآن لا ينحدر من ليل المافيات، ولا من ليل الصفقات. وثمة رئيس للحكومة قرأنا كتبه، وتأملنا في أفكاره التي مثلما استقاها من الواقع اللبناني، أخذ بالاعتبار تجارب عالمية مماثلة. هنا العقل الذي يشق الطريق نحو دولة لا تتوقف عن اعادة تشكيل نفسها، عند اي منعطف استراتيجي أو تاريخي. ولكن ألا يشبه العديد من ساستنا تماثيل الملح. تقولون... تماثيل الشمع؟
تغيرَ الكثير في المنطقة، وحتى شكل وجوهنا. الغريب أنهم لا يتغيرون ، وهم ما زالوا يقولون بـ"الديموقراطية التوافقية"، كتجسيد لوصف المطران الجليل جورج خضر "لبنان واقع ركام لا واقع جماعة"، كذلك تجسيد لما كتبه الأنكليزي وليم طومسون في كتابه "الأرض والكتاب" (1870) حول صراع الكراهيات بين الطوائف في لبنان. اذاً الى أين يمكن أن يصل جوزف عون ونواف سلام الى الدولة أم الى المغارة؟
ترانا نختلف حول جبران خليل جبران أو حول فيروز (هيفاء وهبي شيء آخر)، أم نختلف حول العتابا والميجانا، أو حول سحر جبالنا، وسحر أوديتنا، وسحر سهولنا. تيار دو شاردان، الكاهن والفيلسوف الفرنسي (وهو استاذي)، دعا الى أن نكون "حقل السنابل لا غابة الخناجر".غريب أن موجة التديّن لدى المسيحيين ولدى المسلمين في ذروتها. ولكن هل من طريقة للعثور على الله بيننا (أوفينا؟). الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا الذي طارده "الحاخامات "بالسكاكين، قال انه لم يعثر على الله في الكتب المقدسة. عثر عليه في داخله. ألم يصف جورج قرم الطائفية، كوسيلة مكيافيلية للعبور الى السلطة في لبنان، بـ"رقصة الفالس على أرصفة الجحبم"؟
الآن، دونالد ترامب (بكل مواصفات الاله في الميثولوجيا الاغريقية) في البيت الأبيض. بلادنا بين الأهوال "الاسرائيلية" والأهوال السورية. لا داعي للنزول الى الملاجئ. انها ايام عجيبة أو عجائبية في الشرق الأوسط...
نبيه البرجي-الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|