تأمين الكهرباء كبّد الخزينة اللبنانية 45 مليار دولار!
لم يجمع اللبنانيون في تاريخهم على أمر مشترك، كإجماعهم على فساد وترهّل وفشل الدولة اللبنانية الكارثي، في إدارة قطاع الكهرباء إنتاجاً وتوزيعاً، وفي استنزافه لدولارات المحروقات.
فالقطاع الذي أحرقت في معامله عشرات المليارات من دولارات المودعين، وكان فساده أحد أسباب سقوط القطاع المصرفي، وتبخر الودائع، راح يموت بالتدرّج، فيما الحلّ الناجع، جاثم أمام عينيه. فوقف الانهيار المتتالي وإنقاذ الخزينة من أثقال سقوطه، موجود ومتوافر في القطاع الخاص الذي أبدى جاهزيته مرات عدة، لمشاركة الدولة في تأمين التيار الكهربائي 24/24، وقدّم لذلك الخطط، والجدوى الاقتصادية، والمنافع المالية التي ستعود على الدولة والناس.
بيد أن المصالح والصفقات "الغنية" بالعائدات على جيوب الطبقة السياسية، أقصت الحلول جميعها، وأبعدتها بألف تلفيقة إلى الأدراج المنسيّة، فيما ارتضى المسؤولون موت كهرباء الدولة، لتحيا جيوب كارتلات المولدات ورعاتهم "الشركاء" من أهل السلطة.
وفيما سقطت بالملموس في لبنان والعالم، مفاهيم ضرورة إدارة القطاع العام للمرافق الخدماتية، وبان فشل موظفي الدولة وعدم أهليتهم لتأمين الشفافية الإدارية والمالية من جهة، والاستقلالية وجودة الخدمات من جهة أخرى، برزت على الساحة اللبنانية "كهرباء زحلة" كتجربة رائدة، توثِّق نجاح القطاع الخاص في إدارة قطاع حيوي وخدماتي مثل الكهرباء.
فالشركة التي فرضت نجاحها بما سمح لأصحابها بالاستمرار في إدارة الكهرباء، هي ترجمة فعلية وواقعية، جسّدت ولا تزال، نجاح المبادرة الفردية والخصخصة، في إدارة مرفق خدماتي عام، على تماسّ مباشر مع مصالح المواطنين.
وفيما كان لبنان يغرق في العتمة الشاملة، كانت زحلة وجوارها منارة 24 ساعة يومياً، مع نسب جباية تصل إلى 100%، وصيانة دورية وفورية عند الحاجة، بالإضافة إلى الشروع في إنتاج الطاقة المتجددة عبر الألواح الشمسية، وتبادل ما ينتجه منها المشتركون على الشبكة، وإجراء مقاصّة بذلك عبر العدادات الذكيّة، ما يقلص من فاتورة المستهلك من جهة، ويزيد من إنتاج "كهرباء زحلة" من جهة أخرى.
لذا فإن التأسيس الجديد للجمهورية، مع ما يرافقه من تفاؤل بإصلاح المؤسسات، وآمال بتوقع نموّ اقتصادي مقبول، الذي بدأ مع رئاسة جمهورية وحكومة جديدتين، ستندثر مفاعيله عاجلاً، ما لم يتم تجاوز العقد السياسية، والعقائد الاقتصادية البائدة، التي وقفت دوماً سداً منيعاً أمام تسلم القطاع الخاص إدارة قطاع الكهرباء، على غرار شركة "كهرباء زحلة" ومنعته من ضخ ديناميته وخبراته، ورأسماله البشري والمالي، في استثمارات تنهض بالقطاع وخدماته.
لكن الشروع بتبنّي الخصخصة في إنتاج وتوزيع الكهرباء، يبقى شرطه أن يتم تحت رعاية ورقابة هيئة ناظمة من الاختصاصيين لا الأزلام، تضع استراتيجية عامة لقطاع الطاقة عموماً، وتقترح القوانين الحديثة اللازمة، بالإضافة إلى دورها في مراقبة وضبط أكلاف الإنتاج من جهة، وأسعار المبيع إلى المستهلك من جهة أخرى، بما يؤمن مصلحة الدولة والمواطنين على حد سواء. فالهيئة الناظمة تضع المعايير والمواصفات والأصول وطرق الاستثمار والمنشآت، وتعطي تراخيص إنتاج، كما من واجباتها أن تحدد كيف يجب أن تكون وكيف تُربط بالمناطق وتحدّد التعرفة ودفتر شروط المناقصات وتراقب التنفيذ.
"كهرباء زحلة" 24/24 وجباية 100%
خلال الفترة الممتدة من عام 2010 لغاية 2021 تم تحويل 25 مليار دولار "فريش" إلى الخارج لمصلحة وزارة الطاقة والمياه وكهرباء لبنان، وإذا ما أضيفت الفائدة إلى هذه الأموال يتخطى المبلغ 26 مليار دولار، بما يشكل نحو 37% من حجم الفجوة المالية في لبنان البالغة نحو 70 مليار دولار.
وإلى هذه الخسائر لا يزال المواطن اللبناني يدفع فاتورتين واحدة لمؤسسة الكهرباء وأخرى لمولدات الحيّ. في المقابل، وفيما يدفع اللبنانيون ثمن الفشل في إدارة قطاع الكهرباء، تنعم مدينة زحلة وجوارها بإنارة على مدار الساعة مع تأمين الصيانة 24/24 في كل الظروف وخصوصاً خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، مع "جودة الفولتاج" إضافة إلى انتظام جباية الفواتير.
هذا النموذج على الرغم من التصويب عليه لأسباب سياسية وكيدية، يُعدّ وفق المطلعين "نموذجاً يجب أن يُعمّم على كل المناطق، في إطار مشروع اللامركزية الكهربائية".
وينطلق هؤلاء من كون "نموذج كهرباء زحلة الوحيد الذي أثبت نجاحه في الواقع الكهربائي في لبنان على عكس الكثير من المشاريع والمحاولات في تأمين الكهرباء في مختلف المناطق اللبنانية. فقد تمكنت كهرباء زحلة من خلال إدارتها الناجحة والمواظبة في عملها من تذليل كل العقبات المتراكمة خلال الحروب التي مرت على لبنان لتأمين الكهرباء النظيفة ضمن النطاق التشغيلي لها، إذ استطاعت تنظيف البلدات والأحياء من المولدات الخاصة التي كانت تلوّث البيئة". إلى ذلك، وفي إطار حرصها على البيئة البقاعية أنشأت كهرباء زحلة محطة لتوليد الطاقة الكهرباء من الطاقة الشمسية بقوة 2 ميغاواط. ويُعدّ هذا المشروع الجريء الأول من نوعه في لبنان من حيث التقنية لقدرته الاندماجية على شبكة التوزيع توازياً مع الإنتاج التقليدي.
وفيما يعيب البعض على "كهرباء زحلة" أسعارها المرتفعة، تؤكد مصادر متابعة أن سعر الكيلوواط ساعة في كهرباء زحلة هو الأرخص في لبنان، وتحديداً إذا ما قورن مع سعر كهرباء لبنان خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار رسم الاشتراك الذي تفرضه مؤسسة الكهرباء على المشتركين". ويشير هؤلاء إلى أن سر نجاح كهرباء زحلة يكمن في الجباية 100% في جميع المناطق، أما الهدر على الشبكة فلا يناهز 5% (معيار عالمي) في مقابل هدر بين 35% و50% لدى كهرباء لبنان حسب المناطق.
وبرغم الأزمات المتتالية ركّبت كهرباء زحلة نحو 10 آلاف عداد ذكي تعملون بانتظام وبنتيجة اتصال مع العدادات 100%، وهي الوحيدة في لبنان التي تسمح للمشتركين بتبادل الطاقة مع الشبكة من خلال نظام التعداد الصافي (net metering) لمشاريع الطاقة المتجددة، أي إنه إذا أنتجت كهرباء لبنان الكهرباء 24/24 يبقى ضرورياً تطبيق نموذج كهرباء زحلة لتوزيع الطاقة وضبط الهدر والقيام بالجباية وتأمين التوازن المالي لكهرباء لبنان.
سلوى بعلبكي - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|