الصحافة

جنبلاط وحدود الدولة الدرزية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يحمل وليد جنبلاط همّ الدروز في لبنان وفلسطين وسوريا والأردن. كأنّه رئيس دولتهم التي لم ترسم حدودها بعد، أو الناطق باسمهم الذي يحاول أن يرسم طريق السلامة لهم في حقل الألغام الذي تمرّ به منطقة الشرق الأوسط وعليهم عبوره بأقلّ قدر من الخسائر. ليست المرّة الأولى التي يُحكى فيها عن دولة درزية افتراضية. وليست المرة الأولى التي يتصدّى فيها جنبلاط لهذه المهمة الصعبة في ظلّ زلزال أمني وسياسي وعسكري من الصعب جدّاً مواجهته ومنعه، وحتى الحدّ من أضراره.

بدل أن تذهب التطورات في سوريا نحو تأكيد الوحدة الداخلية تتجه نحو المزيد من التأزم والافتراق. كانت الأنظار موجهة نحو ما يحصل في الجولان والقنيطرة والسويداء فإذا بما حصل في جرمانا في ريف دمشق يؤجّج المشاعر الطائفية ويغذّي الهواجس الدرزية، ويؤكّد صعوبة الوحدة السورية. 


كان يكفي اشتباك بين مجموعات درزية في جرمانا وقوات تابعة لوزارة الداخلية السورية ليرفع سقف التوتر إلى درجة دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الاستعداد لحماية دروز سوريا، وتمدّد التوتر إلى السويداء وتدخّل مشايخ الطائفة من أجل وضع حدّ للتوتر بعد محاصرة قوى الأمن السوري لجرمانا. 

ليس لبنان بعيداً عن أجواء العواصف التي تهب في سوريا. فالتوغل الإسرائيلي في جبل الشيخ يشرف على حدود حاصبيا وراشيا وتفاعل دروز لبنان مع دروز سوريا وفلسطين قائم ومستمر، بحيث لا يمكن الفصل بين ما يحصل على الساحات الثلاث وهذا الأمر يرفع جانب القلق عند الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. 
الخميس 27 شباط، زار وليد جنبلاط رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وخرج بعد اللقاء ليعرب عن قلقه من التطورات في المنطقة بسبب السياسة الإسرائيلية المتطرفة بتغطية من الإدارة الأميركية، محذّراً من دفع لبنان نحو الانفجار ونشر الفوضى من خلال ما يحكى عن التمهيد لفرض التطبيع، معتبراً أنّ التمسك باتفاق الهدنة هو السقف الذي يحمي لبنان.

وعبّر جنبلاط عن قلقه من تقسيم سوريا، ولفت إلى أن المشروع الإسرائيلي الصهيوني هو تقسيم كل المنطقة، وقال: "نعم أنا قلق جداً، ولا بد من مواجهة هذا الأمر الذي يتطلب من القوى الحية القومية الوطنية العربية في سوريا الوقوف في وجه هذا الأمر، لأن استقرار لبنان مبني على استقرار سوريا... الخطر الصهيوني يتمدّد، ويدمّر في غزة، ويجتاح في الضفة، ويتمركز على أعالي جبل الشيخ ويلغي اتفاقات سابقة على غرار اتفاق العام 1974، لا يمكن للعرب أن يبقوا في خنادقهم الخلفية، فحماية الأمن القومي العربي يبدأ من لبنان وسوريا والأردن...".

حماية الأقليات والفدرالية

هواجس جنبلاط لم تولد فجأة. وقد أتت في سياق متواصل من الأحداث ومن المواقف الإسرائيلية ومنها:


• تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن اسرائيل حصلت على الضوء الأخضر من إدارة الرئيس دونالد ترامب لبقاء قواتها في المنطقة العازلة في جنوب لبنان كما في قطاع غزة وفي سوريا، وأن لا سقف زمنيّاً لذلك.


• قول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال حفل تخرّج في إحدى الكليات العسكرية في 23 شباط: "لن نسمح لقوات "هيئة تحرير الشام" أو الجيش السوري الجديد بدخول الأراضي الواقعة جنوب دمشق. نطالب بالنزع التام للسلاح من جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء. لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا".


• دعوة وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في 9 كانون الأول 2024 إلى قيام حكم فدرالي في سوريا قائلاً: "انتهى الاحتلال الإيراني لسوريا. اعتقدت إيران أنها تستطيع السيطرة على المنطقة بأكملها. لقد اصطدم هذا الطموح بصخور الواقع... من المهم ضمان حماية الأقليات في سوريا: الأكراد والدروز والمسيحيين، وكذلك العلويين، الأقلية التي كانت حجر الأساس لنظام الأسد. إن الهجمات على الأكراد في شمال سوريا، والتي نفذتها فصائل المتمرّدين الموالية لتركيا يجب أن تتوقّف... لدينا بالطبع اتصالات مع الأكراد والدروز في سوريا... إنّ التفكير في أنّ سوريا ستبقى دولة واحدة ذات سيطرة وسيادة فعّالة على كامل أراضيها هو أمر غير واقعي... المنطق هو السعي لتحقيق الحكم الذاتي للأقليات المختلفة في سوريا، ربما من خلال هيكل فيدرالي".

صاروخ مجدل شمس

في 27 تموز 2024 سقط صاروخ على بلدة مجدل شمس الدرزية في الجولان وأدّى إلى مقتل 12 طفلاً وقالت إسرائيل إن "حزب الله" أطلقه من لبنان. قطع بنيامين نتنياهو رحلته في الولايات المتحدة، وتوجه فور وصوله لإسرائيل إلى اجتماع لمجلس الوزراء الأمني لبحث الرد على "حزب الله". كان يمكن لهذا الحادث أن يتسبّب في نشوب حرب شاملة بين "الحزب"وإسرائيل، قد تتوسّع إلى حرب إقليمية. ولكنّه أيضاً كان يكفي إثبات مسؤولية "حزب الله" عنه لإثارة الغرائز الطائفية بين الدروز في الجولان ولبنان، وبين "الحزب". التقط وليد جنبلاط كرة النار ورفع المسؤولية عن "الحزب". واستشعاراً منه بخطورة الوضع اجتاز مسافة فاصلة مع "الحزب" مقدّراً مساندة غزة، ولكنّه بقي يحذِّر من مغبّة توسيع دائرة الحرب. هذا الأمر جعل "حزب الله" يقدّر "مواقفه الوطنية"، ولكنّ المسافة الفاصلة بين الدروز و"الحزب" وبيئته لم تتبدّل.

بين دروز إسرائيل ودروز لبنان

منذ بدأت إسرائيل حربها ضد "حركة حماس" في قطاع غزّة بعد "عملية طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول 2023، انخرط الجنود الدروز في الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب. وكانت لافتة مسألة رفع أعلام درزية على آليات عسكرية وترحيب شعبي بالقوافل العسكرية الذاهبة إلى القتال الذي سقط فيه عدد من الجنود الدروز. هذه المرّة أيضاً استشعر وليد جنبلاط الخطر الذي يمكن أن ينعكس على دروز لبنان من هذه المشاركة الدرزية من دروز إسرائيل في الحرب، ولذلك اختار أن يخاطب رئيس الطائفة الروحي للدروز هناك الشيخ موفق طريف بالرسائل، بعد استقبال الأخير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان يزور عائلات درزية قُتِل أبناؤها الجنود في الحرب، وقد أتى هذا اللقاء بعد أيام على لقاء بيصور في 12 تموز 2024 الذي جمع جنبلاط وطلال أرسلان، وقيادات من الطائفة ورجال دين، لإعلان الإنتماء العربي القومي للطائفة. وقد حيّا جنبلاط من بيصور "أم الشهداء غزّة".


جنبلاط عبّر في رسالته الأولى عن انزعاجه الشديد من استقبال نتنياهو لأنّها "خطوة تضرّ بالموحدين جميعهم في فلسطين كما في لبنان وسائر الدول". وردّ الشيخ طريف، مؤكّداً على "احترام الدولة الإسرائيلية وقوانينها وحقوق مواطنيها وحقّ المواطنة فيها، حالنا حال سائر المواطنين العرب في إسرائيل، راجين أن يبقى دروز لبنان على العهد الثابت في الحفاظ على دولتهم ووطنهم... نحن في هذه البلاد نعيش بحرية واحترام، ولا نخاف ولا نهاب أيّ إنسان كان، ولا نتردّد في اتخاذ أي موقف لمصلحة الطائفة. مواقفنا ومبادئنا الشريفة والواضحة معروفة للقريب والبعيد، ولن نرضى أن يُزايِد عليها أحد". وردّ جنبلاط بالتأكيد على "ضرورة التنسيق بما يعود بالنفع على كل أبناء الطائفة، ولا يضرّ بأي مجموعة منهم في مناطق تواجدهم، وأن يخدم تثبيت وترسيخ انتمائنا جميعاً للهوية العربية الإسلامية".

بعد اغتيال نصرالله وهروب الأسد

هذه الرسائل كانت قبل أن تشنّ إسرائيل الحرب على "حزب الله" وتغتال أمينه العام السيد حسن نصرالله في 27 أيلول الماضي، وقبل سقوط نظام الأسد في سوريا في 8 كانون الأول 2024. لم يتساهل المجتمع الدرزي اللبناني في مسألة تسهيل استقبال النازحين الشيعة، وإن كان تمّ استيعاب الآلاف منهم في الشوف وعاليه إلا أنّ كلّ ذلك ترافق مع التشدّد في منع حملهم السلاح وشراء الأراضي والمنازل، أو حتى فتح محلات تجارية. مواقف جنبلاط الداعمة لمنطق المقاومة دفاعاً عن فلسطين ودعماً لغزّة لم تُسقِط الحذر تجاه "حزب الله" وبيئته منذ ما قبل عملية 7 أيار 2008 التي اعتبرها نصرالله يوماً مجيداً.


كان يمكن تخطّي العلاقة الملتبسة على الساحة اللبنانية إلّا أنّ تداعيات سقوط النظام السوري وتوغّل الجيش الإسرائيلي في الجولان والقنيطرة وجبل الشيخ على امتداد الحدود مع لبنان في راشيا وحاصبيا حيث تتركّز غالبية درزية، أيقظت الهواجس عند وليد جنبلاط. بعد حديث نتنياهو عن حماية الدروز لم تعد المسألة بسيطة. قبل ذلك كان وليد جنبلاط استشعر خطورة الوضع بعد دعوات درزية في السويداء وغيرها من المناطق الدرزية التي كانت خرجت عن سلطة نظام الأسد للالتحاق بالدولة الإسرائيلية، ولذلك عبَر الحدود نحو دمشق في 22 كانون الأول 2024 للقاء الرئيس الانتقالي أحمد الشرع داعياً دروز سوريا إلى الثبات في انتمائهم القومي العربي السوري. بينما أكّد الشرع أنّ الميليشيات المدعومة من إيران فرّقت السوريين وأنّ عقلية بناء الدولة يجب أن تبتعد عن الطائفية والثأر، متعهداً بأن "سوريا ستقف على مسافة واحدة من الجميع في لبنان".

إنكار الدين الدرزي

الثأر كان هاجس وليد جنبلاط. أزمة العلاقة بين دروز سوريا ونظام الأسد كانت بسيطة أمام الأزمة بينهم وبين الفصائل الإسلامية المتشدّدة ومنها "هيئة تحرير الشام" التي كان يرأسها الشرع نفسه. ففي تموز 2015 حصلت ارتكابات فظيعة ضد الدروز في عدد من قرى درعا وإدلب والسويداء، بالإضافة إلى إجبار عدد منهم في إدلب على إنكار دينهم وإعلان الشهادتين، التزاماً بالدين الإسلامي الصحيح. خوف جنبلاط كان يعود إلى ردّ فعل الدروز ضد النظام الجديد في سوريا، وهم عالقون بين نظام سقط عارضوه، ونظام جديد لا يأمنون له، وبين رغبة في الحصول على الحماية الإسرائيلية.


يتصرّف جنبلاط ليس كزعيم لدروز لبنان وحدهم بل كمرجعية سياسية يتأثر بها دروز سوريا وفلسطين، وهو الذي كان داعماً لتمرّد دروز سوريا، بقيادة الشيخ حكمت الهجري، على نظام الأسد. ولكن مع تصاعد الدور الإسرائيلي في سوريا ومع التوغّل في الجنوب السوري وفتح المجال أمام الدروز وغيرهم، للعمل في إسرائيل، ومع تواصل دروز إسرائيل مع دروز سوريا، يكبر خوف جنبلاط من المشروع الإسرائيلي الذي يكشف عن أهدافه بقيام نظام فدرالي في سوريا، وعن التعهد بحماية الأقلية الدرزية في السويداء، والعلوية في الساحل السوري، والكردية في الشمال الشرقي. الخوف ناتج أيضاً من أن نظاماً فدرالياً يقوم في سوريا من الصعب أن يبقى بعيداً عن لبنان. 

نجم الهاشم - نداء الوطن 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا