سعد الحريري… وثقل الغياب عن بيروت!
في 17 أيلول 2022 كتبت مقالاً في “لبنان الكبير” بعنوان: “غياب سعد الحريري… وغيبوبة الطائفة!” – تناولت فيه يومها غياب الطائفة السنية عن إستحقاق رئاسة الجمهورية الذي كان على الأبواب، وذلك بعد غياب الرئيس سعد الحريري الذي كان أعلن بداية ذلك العام تعليق عمله السياسي، تاركاً بذلك الساحة إفساحاً في المجال لكل من يرغب من الطامحين الى الزعامة الذين كانوا قد أشبعوه مزايدة وتقريعاً طيلة سني عمله السياسي، التي كانت بالنسبة إليه شخصياً والى البلاد عموماً بمثابة “سنوات الجمر”، بما حملته من تطورات ومغامرات داخلية وخارجية كان عمادها منذ العام 2008 “مرشد” السلطة “حزب الله” ما لبثت أن أوصلت البلد إلى جهنم.
اليوم وبعد ثلاث سنوات ونيف من تعليق عمله السياسي ومع إستحقاق الانتخابات البلدية وإعلانه عدم التدخل فيها لا ترشيحاً ولا تأييداً بعد أن كان ألمح في 14 شباط الماضي الى أنه سيكون فيها إلى جانب أهل بيروت، وترك الأمر لعائلات بيروت وفاعلياتها على إعتبار أن “الانتخابات حاجة أهلية إنمائية غير سياسية، وبناءً على ما تشهده بيروت من محاولات تشويه لدورها ومحاولات السيطرة على قرارها عبر لوائح هجينة والسجال الطائفي والمذهبي غير المسبوق، كما عدم رغبتي بأن يتحمَّل التيار مجدداً وحده وزر وضع إداري لا سيطرة له عليه” كما قال في بيانه الأخير، تثبت التطورات مرة أخرى مدى ثقل غياب سعد الحريري على بيروت خصوصاً ولبنان عموماً بما يُمثِّل من صوت للإعتدال والتضحية في سبيل التوافق الوطني ولو على حسابه السياسي وحتى الشخصي، وهو غياب لا يزال البعض من سيئي النية وقناصي الفرص “المتطرفين” الذين كانوا أساساً في التآمر على سعد الحريري وإحراجه حتى إخراجه، يراهن عليه ويحاول “الاستثمار” فيه عبر محاولات فاشلة لمصادرة قرار بيروت، في محاولة لـ “وراثة” الحريرية ودور سعد الحريري السياسي والشعبي، ناسين أو متناسين أو ربما لا يفقهون بأن الحريرية حالة وطنية وليست فقط سياسية، ولا يمكن لأحد وراثتها من باب اللعب على المشاعر الطائفية والمذهبية لأن هذه اللعبة سلاح ذو حدين، وقد أثبتت الأيام وتثبت كل يوم للقاصي والداني بأن سعد الحريري هو الرقم الصعب في الطائفة السنية – ما دامت الأمور تُحسب طائفياً – سواء في بيروت أو في لبنان كله، كما أنه وإنطلاقاً من هذا الواقع سيبقى رقماً وطنياً صعباً وعصياً على التهميش والإلغاء ولا مناص لهم سوى التعامل مع هذا الواقع، سواء أعجب ذلك البعض أم لا، هذا البعض الذي يحلم مع بعض ضعاف النفوس الملتحقين به وبمشروعه، بأن التطورات الاقليمية قد تساعده على الإنقلاب على الميثاق الوطني الذي أُقر في إتفاق الطائف، من حيث محاولة “تلزيم” السُنة والبلد مرة أخرى – إذا صح التعبير – لطرف إقليمي، مقابل إمتيازات له في السلطة كما حصل في أواخر ستينيات القرن الماضي، عندما قايض أسلافه إصلاح النظام بإتفاق القاهرة ظناً منهم بأن النار ستقتصر إن إندلعت على جنوب لبنان بعيداً عنهم وعن إمتيازاتهم.
إن ما يحصل اليوم في بيروت على خلفية الانتخابات البلدية، والبلد على ما هو عليه من إنهيار ومحاولات يقوم بها العهد الجديد والحكومة لتعويمه، يثبت بأن البعض لم يزل في عقلية ما قبل الحرب الأهلية، ولم يفهم بعد كل التجارب والمآسي بأن هذه الممارسات التي تنطلق من خلفية سياسية كيدية لا وطنية للأسف، هي التي تفتح الكوة للتدخلات الأجنبية في البلد الذي يدَّعي هذا الفريق السياسي أن مهمته هي الحفاظ على سيادته، ويجهل أو يتجاهل أن السيادة واحدة وليست إنتقائية وأنها ليست حكراً على طرف دون آخر، وأنه لا يمكن الإستقواء بوصاية جديدة بذريعة الخلاص من وصاية قديمة بإسم السيادة، وأن الحل الأمثل هو الوحدة الوطنية عبر التفاهم الداخلي من دون إفراط بالإحساس بفائض القوة والإستقواء على الشريك، ولا التفريط بحقوق أي من مكونات لبنان فكيف إذا كان من مكوناته الرئيسية والأساسية، فهل يرعوون؟
ياسين شلبي -لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|