لليوم الثاني على التّوالي .. السّويداء بلا طحين والأزمة تتفاقم
الاتفاق الأمني السوري - الإسرائيلي مدخل للتطبيع...تداعياته على لبنان إيجابية شرط نزع السلاح
في منعطف سياسي نادر في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، يوقع كل من الجانبين السوري والإسرائيلي في مهلة أقصاها الإثنين المقبل على اتفاق أمني بعد مباحثات متقدّمة استمرت أسابيع.
يأتي هذا الحدث الإقليمي في ظلّ التغيّرات الجذرية التي شهدتها دمشق منذ الإطاحة بحكم بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، حيث يبرز كعامل مفصلي في التوازن الإقليمي. فهل يكون الاتفاق الأمني مجرّد "تفاهم حدودي" أم خطوة أولى في مسار إعادة رسم خارطة النفوذ في المشرق العربي؟
في الخطوط العريضة المُعلن عنها يركز الاتفاق المقترح بين دمشق وتل أبيب على إعادة تفعيل "اتفاق فك الاشتباك لعام 1974" بصيغة محدّثة تتضمن وقف الغارات الجوية والتوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري، تحديد مناطق منزوعة السلاح أو خاضعة لمراقبة أممية، انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من مناطق دخلتها بعد كانون الأول 2024، وأخيراً البند الأكثر حساسية من الناحية الجيوسياسية ويتمثل بوضع قيود على الانتشار الإيراني في جنوب سوريا.
وعلى الرغم من أنّ هذا الإتفاق لا يُصنّف كـ"اتفاق سلام" بالمعنى الكامل، إلا أنه يحمل طابعًا عمليًا قد يفتح الباب لاحقًا على مسارات تفاوض أوسع، تتضمّن تطبيعًا ضمنيًا أو ترتيبات أمنية إقليمية جديدة.
الكاتب والمحلل الجيوسياسي جورج أبو صعب يشير إلى "الخطوات المتقدمة التي يقوم بها الجانب السوري بشخص رئيس الدولة أحمد الشرع على خط تحقيق مصلحة بلاده واعتراف الدول الكبرى بدوره، بدليل أنها فتحت أمامه أبواب المقرّات الأممية، في حين لا نزال نشهد على البطء في تنفيذ القرارات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في 5 و7 أيلول لجهة سحب السلاح ووضع خطة من قبل الجيش اللبناني ووضع الأمور في نصابها مع حزب الله، ما يوحي أننا لا نزال ندور في حلقة تدوير الزوايا في مرحلة تصنّف بالمفصلية في تاريخ لبنان والمطلوب ترجمة الكلام بالأفعال".
في ما خص الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل يلفت إلى "أنه ليس وليد اللحظة، فبعد القصف الإسرائيلي المتتالي لمواقع في العمق السوري والتهديد المتصاعد، حصل تدخل مباشر من قبل الولايات المتحدة بإيعاز من المملكة العربية السعودية والخليج أسفر عن وضع خريطة طريق تقضي بأن توقف إسرائيل اعتداءاتها على سوريا وهذا ما نلاحظه في الأسابيع الأخيرة، والتوقيع على اتفاق أمني يؤمّن لكل من سوريا وإسرائيل ضمانات متبادلة بأن يكون هناك تعاون أمني بينهما، إلى حين إعادة إحياء اتفاقية 1974".
ويجزم أن "لا اقتطاع لأي من مساحة سوريا إنما تقاسم مناطق المراقبة ومناطق مكافحة التهريب والإرهاب، إضافة إلى آليات موجودة ضمن الاتفاق من شأنها أن تضمن لإسرائيل عدم الاعتداء على أراضيها، وللسوريين عدم تعرض العمق السوري لقصف مفاجئ من قبل إسرائيل لأي سبب كان".
على الصعيد الجيوسياسي، يتابع أبو صعب، "هذا الاتفاق الأمني شئنا أم أبينا هو مدخل نحو التطبيع مهما حاول الشرع وسواه التنصل من ذلك. فالاتفاقية الأمنية هي بمثابة اعتراف سوري بإسرائيل واعتراف الأخيرة بالنظام السوري الجديد. وهذا السياق طبيعي للأحداث. فالرئيس الشرع جاء بمهمة قوامها إعادة بناء دولة قوية في سوريا خلافاً للعقلية التي كانت سائدة في مرحلة نظام آل الأسد ومن ضمن "السلة التي تعهّد بها" عملية التطبيع مع إسرائيل، وسيليها لبنان حتماً شاء حزب الله أم لا، لأن لا تقسيم في سوريا إنما فيدرالية ولامركزية موسعة، أما الحدود الدولية فمصانة".
ويضيف: التحوّلات المتسارعة في الجنوب السوري لا تخص دمشق وحدها. ولبنان، الذي شكّل لسنوات الجبهة الأكثر سخونة في الصراع مع إسرائيل، يجد نفسه اليوم أمام معادلة جديدة: إما التكيّف الذكي مع تغيّر قواعد اللعبة، أو الانزلاق إلى هامش جغرافي وسياسي قد يمتدّ لعقود.. في هذا السياق يمكن الجزم أن تداعياته على لبنان "إيجابية"، فعندما تتفق سوريا مع إسرائيل على أمن حدودهما فإن الأمن المصان في السويداء ودرعا سينعكس على جبل الشيخ وعلى الداخل اللبناني من جهة الشرق.
ويختم أبو صعب أن "الاتفاق قد يُعيد إشعال الجدل حول سلاح حزب الله داخل الساحة اللبنانية، لكنه يشكل "فرصة استراتيجية" لحصر السلاح بيد الدولة شرط أن تترجم الأقوال والقرارات بالأفعال الحاسمة، وإلا سيكون لإسرائيل الدور الفاعل في ترجمة مقررات الحكومة".
ثمة من يُشبّه ما يجري اليوم بمحاولة الاتفاق الثلاثي عام 1983، عندما تم توقيع اتفاق لبناني – إسرائيلي برعاية أميركية، لكنه سقط تحت وطأة الرفض الشعبي والإقليمي.
غير أن الفارق اليوم هو أن لبنان ليس طرفًا مباشرًا، بل مراقب "محايد مُرغم"، يشهد إعادة صياغة خرائط نفوذ تحيط به من الشمال والجنوب، من دون أن يكون له مقعد على طاولة المفاوضات.
مصادر عسكرية تقول لـ"المركزية": في ضوء هذا التحوّل، على لبنان أن يتحرّك استراتيجيًا وفق ثلاثة مسارات: تحصيل اعتراف سوري رسمي بلبنانية مزارع شبعا كجزء من أي ترتيبات أمنية مستقبلية، تعزيز دور الجيش اللبناني جنوبًا بالتنسيق مع الأمم المتحدة تحسبًا لأي فراغ أو تصعيد، فتح قنوات دبلوماسية متعددة الأطراف لضمان إدراج لبنان في أي مفاوضات أمنية تخص الحدود أو المياه أو الطاقة.
ومثلما كانت "الحدود" شرارة الحروب، قد تكون أيضًا مدخلًا إلى سلام هشّ، لا يُبنى إلا بثمن، وغالبًا ما يدفعه الأضعف.
جوانا فرحات - المركزية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|