سقف الـ4000 دولار للأونصة سقط... الذهب يُحطّم رقماً قياسيّاً
"الإسناد" يعجن المنطقة: "الحزب" سقط وإيران "برّا"
تُحفر في ذاكرة الأوطان تواريخ لا يمكن نسيانها، وتشكّل المدخل لأي تغيير كبير. وفي لبنان البلد الذي يعجّ بالأحداث، يُعتبر تاريخ 8 تشرين الأول 2023 بداية التحوّل الكبير.
اختار القياديّ في حركة "حماس" يحيى السنوار يوم 7 تشرين الأوّل 2023 ليطلق عملية "طوفان الأقصى". ودخل هذا اليوم كتاريخ أساسي في مسار القضية الفلسطينية، ولم تتوقّف تردداته على غزة وفلسطين، بل طالت السهام منطقة الشرق الأوسط بأكملها وكان للبنان حصّة الأسد.
في ذاك اليوم الواقع في 8 تشرين الأول، وقف "حزب الله" محتارًا، بين التهليل لعملية "حماس" التي خرقت المحظورات، وبين كشف زيف شعاراته من قدرته على احتلال الجليل... كان الخيار صعب جدًا. لا يوجد فرصة أفضل مما حصل، إسرائيل مربكة وتحت الصدمة، و"الحزب" الذي كان أمينه العام السيّد حسن نصرالله بإمكانه أن يطلق شعارات نارية وتعبوية، وأن يحقق كل وعوده، لكن في باله تكرار مشهد حرب "تموز" المدمّر، إذ لا رحمة عند إسرائيل، فكيف الحال إذا كانت مجروحة نتيجة العملية.
القذيفة الأولى
أطلق "حزب الله" أول صاروخ وقذيفة في 8 تشرين الأول، ودخل وأدخل لبنان حرب "الإسناد"، وظلّ الغموض يلفّ موقف "الحزب" حتى الإطلالة الأولى لنصرالله الذي أعلن فيها إسناد جبهة غزة فقط وليس دخول الحرب الشاملة، وكانت كل ضحية تسقط من "الحزب" يطلق عليها شهيد على طريق القدس.
قامت القيامة في لبنان ولم تقعد والجميع حذّر من مغبة إدخال لبنان في الحرب. لكن "الحزب" الذي يعتبر نفسه هزم إسرائيل في حرب "تموز"، لم يردّ على أصوات الداخل، وبذلك انطلقت حرب "الإسناد"، وسارت وفق ما عرف بقواعد الاشتباك حيث أوهمت تل أبيب "حزب الله" بأنها لا تريد الحرب.
ظهر التفوّق الإسرائيلي واضحًا، واعترف نصرالله بهذا الأمر، فكل مجموعة من قوّة "الرضوان" كانت تطلق صاروخًا كانت تضرب وتصاب، وكثر الكلام عن وجود عملاء داخل "حزب الله"، لكن نصرالله لم يعر هذا الأمر اهتمامًا واعتبر أن الخليوي هو العميل.
الضاحية تُستهدف
قتلت إسرائيل القائد العسكري في "حماس" صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، ولم يردّ "حزب الله" ويقصف تل أبيب، وبقي قصفه محدودًا في شمال إسرائيل حيث هجّرت قرى الشريط الحدودي. وفشلت كل محاولات إبعاد "حزب الله" عن الشريط الحدودي وتطبيق القرار 1701 لأن نصرالله، أكد أن جبهة لبنان لن تقف قبل جبهة غزة. وفي مطلع أيلول 2024 أعلن الجيش الإسرائيلي وصول عمليته في غزة إلى نقطة متقدّمة ونقل عددًا من جنوده إلى جبهة لبنان.
الحرب تشتدّ
لم يفهم "حزب الله" الرسالة جيدًا، وبقي على عناده، حصلت تفجيرات "البيجر" في 17 أيلول، وفي 23 أيلول ضربت معظم مخازن ومراكز "حزب الله" في يوم سقط فيه أكثر من 1000 شخص بين قتيل وجريح، لتضرب بعدها مقرّ قيادة قوة "الرضوان" وتستهدف نصرالله في 27 أيلول وبعده معظم قيادات "حزب الله" وأبرزهم السيد هاشم صفي الدين، ومن ثم إطلاق العملية البرية في جنوب الليطاني التي دمّرت بنى "الحزب" العسكرية.
وجّهت حرب "الإسناد" ضربة قوية لـ "حزب الله" ومحور "الممانعة"، وعملية اغتيال نصرالله فكّكت المحور بأكمله في المنطقة وذلك باعتراف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أشار إلى أن نصرالله كان محور المحور، والدليل هو سقوط نظام الرئيس بشّار الأسد بعد أيام من توقيع اتفاق 27 تشرين الثاني 2024 الذي أوقف حرب لبنان.
لا يمكن قياس التغيرات على الساحة اللبنانية لحرب "الإسناد" بلحظتها، لكن مع الوقت يتم اكتشاف كيف اهتزّ محور "الممانعة" وتقلّصت قبضته على لبنان. عسكريًا بات "حزب الله" غير قادر على افتعال حرب، بينما سلاحه يهدد الداخل فقط. أما سياسيًا فحرب "الإسناد" أحدثت تغيرًا جذريًا في الحياة السياسية اللبنانية يحصل كل ثلاثين عامًا أو أكثر.
الانقلاب الكبير
باتت البلاد من دون نصرالله الذي كان إذا رفع إصبعه يوقف البلد لأسابيع وسنوات، وسقط ما كان يُعرف "بمرشد الجمهورية"، وتحرّرت الحياة السياسية من قبضة "حزب الله"، وانتخب رئيس جديد للجمهورية وتألفت حكومة لا يملك "الحزب" الثلث المعطّل فيها، وأصبح بلا حلفاء فأغلبيتهم تبرأت منه وأيّدت مطلب حصر السلاح.
خرج "حزب الله" من مطار بيروت، وحتى الطائرات الإيرانية لم تعد قادرة على الهبوط في المطار، وتكثّفت الإجراءات في المرفأ، وقُطع خط الإمداد من دمشق، وأصبح مجلس الوزراء قادرًا على اتخاذ قرار بحصر السلاح مثلما حصل في جلستي 5 و7 آب من دون قدرة لـ "الحزب" على تكرار 7 أيار جديد.
سقطت هيبة "حزب الله" وسطوته على الداخل، وحوّلته حرب "الإسناد" من قوّة إقليمية تقارع إسرائيل والولايات المتحدة، إلى حزب يحاول استعادة قوته وأقصى ما يمكن فعله هو إضاءة صخرة الروشة وكسر قرار الدولة، ولا يستطيع حماية الجمعية التي تلطى وراءها والتي علّق مجلس الوزراء عملها إلى حين انتهاء التحقيقات.
ما أحدثته حرب "الإسناد" هو زلزال سياسي وعسكري ضرب لبنان والمنطقة، فمن كان يتصوّر أن الطائرات الإيرانية غير قادرة على الهبوط في مطار بيروت، وهذا أكبر دليل على خروج لبنان من دائرة الاحتلال الإيراني، وإذا كان ما حصل يعتبر مهمًا، إلا أن نتائج حرب "الإسناد" لم تنته بعد، فعلى سبيل المثال لم يعد المهجرون إلى قراهم ولا يوجد إعادة إعمار، وهناك نقمة داخلية شيعية على "حزب الله" يحاول إخفاءها.
ويزيد الموقف العربي والأميركي من خسائر حرب "الإسناد" على إيران و"حزب الله"، فالتشدّد الأميركي واضح، وهناك إصرار على تسليم سلاح "الحزب" وإلا ستعود الحرب بشراسة أكثر، ومهما حاول "حزب الله" التخفيف من وطأتها، إلا أنه بات يعلم انتهاء صلاحية سلاحه وعدم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في لبنان والمنطقة، فـ "الإسناد" الذي دخل فيه أنهاه بالشكل الذي كان فيه، وبالتالي دخل لبنان والمنطقة مرحلة سياسية جديدة لا تزال ترتسم خيوطها، والأكيد أن "الممانعة" خارج المشهد الذي يرتسم.
آلان سركيس-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|