الصحافة
“7 أكتوبر”: إسرائيل بانتظار الحقيقة “المُعلّقة”!
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا
بعد مرور عامَيْن على الهجوم الدموي الذي شنّته حركة “حماس” على جنوب إسرائيل، لا تزال الدولة العبرية عاجزة عن صياغة روايتها الرسمية لما حدث في السابع من أكتوبر. فعلى الرّغم من اعتراف الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية بـ”الفشل الشامل” في حماية البلاد، لم تُشكِّل الحكومة حتى اليوم لجنة تحقيق رسمية، وهي الأداة القانونية الأعلى في إسرائيل لتحديد المسؤوليات. هذا الغياب تحوّل إلى ثغرة عميقة تُغذّي الشكوك داخل المجتمع الإسرائيلي، وتُعمّق الفجوة بين رأيٍ عامٍّ يطالب بالشفافية والمحاسبة، وحكومة تُفضّل تأجيل المواجهة مع الحقيقة حفاظًا على قدرتها على المناورة. لجنة تحقيق مؤجّلة باستمرار منذ ربيع عام 2025، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه المتكرّر لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في أحداث السابع من أكتوبر، متذرّعًا بأنّ الأولوية يجب أن تبقى لمواصلة الحرب ولجهود استعادة الرهائن لدى حماس. لكنّ هذا الموقف لا يلقى إجماعًا داخل إسرائيل. فـ”المعارضة” وعائلات الضحايا وعددٌ من الخبراء القانونيين يرون أنّ تشكيل مثل هذه اللجنة أمرٌ أساسيٌّ لكشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات. وقد حذّرت المدّعية العامة غالي باهراف–ميارا من أنّ المماطلة تزيد مع الوقت من التعقيد في التحقيقات. وفي ظلّ هذا الفراغ المؤسّساتي، حاول مراقب الدولة متنياهو إنغلمان ملء الفراغ من خلال إطلاق تحقيق خاصٍّ به حول الإخفاقات الأمنية والإدارية التي سبقت هجوم حماس، شمل استعدادات مجلس الأمن المُصغّر والدفاع عن الحدود، وجاهزية الحماية المدنية. لكنّ مبادرته أثارت غضب المؤسّسة العسكرية، التي اعتبرت تدخّله تجاوزًا لصلاحياته، وندّدت بما وصفته “تسرّعًا” غير مناسب في زمن الحرب. الاعتراف بفشلٍ عسكريٍّ ذريع منذ آذار 2024، أطلق الجيش الإسرائيلي سلسلةً من التحقيقات الداخلية على مستوى القيادات العسكرية، وفي شباط 2025 أقرّت خُلاصتها بالفشل في المهمة الأساسية المتمثّلة بحماية المدنيين. النتائج أتت صادمةً: ثقة مفرطة بالسياج الأمني حول غزّة، واعتقاد راسخ أنّ حركة حماس لن تُقدِم على حربٍ واسعة النطاق، إلى جانب عجزٍ استخباراتيّ في التمييز بين النوايا والقدرات الفعلية للخصم. وعلى الرغم من ذلك، كانت إشارات الإنذار واضحة. ففي اليوم السابق للهجوم، رصد المراقبون الميدانيون تحرّكات غير اعتيادية وتشغيلًا مكثّفًا لشرائح اتصال مرتبطة بعناصر من حماس، لكن هذه المؤشرات فُسّرت كمجرّد تدريبٍ عسكريّ روتينيّ. في تلك اللحظات الحرجة، كان الجنرال أهارون حاليفا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية آنذاك، في إجازة، فيما توقّفت تقارير الضباط الصغار في سلسلة القيادة ولم تصل إلى أصحاب القرار. وعلى الأرض، انهارت قيادة المنطقة الجنوبية منذ الساعات الأولى، وسط فوضى عارمة وتأخّر في وصول التعزيزات، فكانت المجزرة حتميّة. وفي كانون الثاني 2025، قدّم رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي استقالته، معترفًا بـ”إخفاقات فادحة”. وخلفه الجنرال إيال زمير الذي تعهّد بـ”تحوّلٍ جذريٍّ في منظومة الاستخبارات”، مؤكّدًا أنّ الجيش لن يُفاجأ مُجدّدًا كما حدث في 7 أكتوبر. المسؤولية السياسية في قلب العاصفة بعيدًا عن الإخفاقات العسكرية والميدانية، تبقى المسؤولية السياسية محور الجدل داخل إسرائيل. فعدّة وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها “هآرتس” و”جيروزالم بوست”، تشير إلى أنّ الحكومة تحاول حصر النقاش في الأخطاء التقنية والعسكرية، متجنّبةً فتح ملفّ سلسلة القرارات السياسية التي سبقت هجوم 7 تشرين الأول. مراكز الأبحاث مثل معهد دراسات الأمن القومي (INSS) في تل أبيب ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن، تؤكّد من جهتها أنّ الصدمة الاستراتيجية التي عاشتها إسرائيل لا يمكن فهمها من دون تفحّص خيارات مجلس الأمن المصغّر ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه. وفي تطوّر لافت، أصدرت لجنة مدنية مستقلة، شكّلتها عائلات الضحايا الثكلى، تقريرًا قاسيًا اتهمت فيه نتنياهو ووزراءه “بإضعاف مراكز القرار في الدولة” وتعميق الفجوة بين المستويات السياسية والعسكرية. وأدانت اللجنة سلسلةً من الخيارات الاستراتيجية الموصوفة بالمعاكسة للمصلحة الوطنية: استمرار التحويلات المالية إلى حركة حماس تحت ذريعة “شراء الهدوء”، والتركيز المُفرط على قطاع غزّة من دون النظر في احتمالات تمدّد التهديد إلى جبهاتٍ أخرى، فضلًا عن لامبالاة رئيس الوزراء بالجلسات الأمنية. ونقل بعض الشهود صورةً لزعيمٍ “بليدٍ وغير مبالٍ”، يُعيد تكرار أخطاء عام 1973، في دلالة على عجزه عن استخلاص دروس التاريخ. في هذا السياق، اعترف المدير السابق لجهاز الشاباك، رونين بار، بمسؤوليته عن التقصير قائلًا: “لم نمنع مجزرة السابع من أكتوبر”، مضيفًا أنّ جهازه فشل في أداء مهمته، وأنّه سيحمل هذا “العبء الثقيل” طوال حياته. وفي أيلول 2025، عيّنت الحكومة دايفيد زيني مديرًا جديدًا لجهاز الشاباك، وهو ضابط قادم من الجيش، يُفترض أن يقدّم رؤيةً جديدة ونهجًا نقديًا. الإصلاحات قيد الانتظار أمام تصاعد الانتقادات، أعلنت الحكومة الإسرائيلية والجيش عن سلسلة من الإصلاحات. وشُكِّلت لجانٌ من الخبراء، من بينها لجنة يرأسها الجنرال سامي ترجمان، كُلِّفت بتقييم تطبيق الدروس المستخلصة من الكارثة. غير أنّ تقرير هذه اللجان لا يزال قيد الانتظار، بذريعة أنّ الأولوية تُمنح للعمليات العسكرية الجارية في غزّة. ويعكس هذا التأجيل التوتّر المستمرّ بين الجيش ومكتب مراقب الدولة من جهة، والحكومة من جهةٍ أخرى. وفي بعض الحالات، لجأ الجيش حتّى إلى المحكمة العليا لوقف التحقيقات المدنية، معتبرًا أنّ إجراءها أثناء الحرب أمرٌ مستحيل. حقيقة ناقصة اليوم، وبعد مرور عامَيْن على المجزرة، لا يزال المجتمع الإسرائيلي مُثقّلًا بصدمة الحدث. ووفقًا لاستطلاعات معهد الديمقراطية الإسرائيلي، تؤيّد غالبية واسعة من الإسرائيليين إنشاء لجنة تحقيق رسمية للدولة، وترى أنّ على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحمّل مسؤوليته، عاجلًا أم آجلًا. التعبئة الشعبية تستمرّ على الأرض أيضًا: مظاهرات أمام الكنيست، ومقاطعة للمراسم الرسمية، ورسائل مفتوحة موقّعة من مئاتٍ من ذوي الضحايا. كما تواصل المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام إجراء تحقيقاتٍ مُعمّقةٍ، ما يزيد الضغط من أجل كشف الحقيقة بشفافية. وفي الذكرى الثانية للهجوم، باتت بعض الحقائق ثابتة: مفاجأة استراتيجية كبرى، فشلٌ ذريعٌ في حماية الجنوب، تجاهلٌ للإشارات التحذيرية، وقصورٌ في العقيدة الأمنية، إلى جانب المسؤولية الثقيلة التي تقع على عاتق الجيش الإسرائيلي. ولا تزال حقائق أخرى ضمن المناطق الرمادية: القرارات السياسية التي اتُّخذت، وتجاهل التحذير، والمسؤولية الشخصية لرئيس الوزراء… وبغياب لجنة تحقيق رسمية، ستبقى سلسلة المسؤوليات السياسية والعسكرية مُبهمة، وسيبقى المجتمع الإسرائيلي بانتظار “الحقيقة الرسمية”.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا