تقويض الإصلاح الإقتصادي... "الحزب" ظهير بري!
لا يخفي حزب الله انزعاجه من جهات تحمّل رئيس مجلس النواب نبيه بري قسطه من أسباب الأزمة. هذا ما قاله الحزب للتيار الوطني الحر خلال المرحلة الماضية في تبريرات الخلاف بين الطرفين. ويردد الحزب دائماً أن الحصار أساس الأزمة، وبالنسبة له لا صوت الآن يعلو فوق معركة رئاسة الجمهورية. وما طريقة رئيس مجلس النواب نبيه بري في ادارة الجلسات المزعومة لانتخاب رئيس، وتصرف «حزب الله» باعتبار نفسه ناخباً أول الا عينة من عينات تلازم اهداف الثنائي الشيعي سياسياً واقتصادياً.
في الشق الاقتصادي، يمكن اعتبار طرفي الثنائي متكافلين متضامنين متفقين على ان معظم أزمة لبنان يمكن حصرها بـ «الحصار المفروض»، والباقي تفاصيل. هذا ما يؤكده أمين عام «حزب الله» ونواب حركة أمل في كل مناسبة يأتون فيها على ذكر الازمة الاقتصادية وأسبابها.
بعد اندلاع انتفاضة 17 تشرين 2019 تولى «الثنائي» باساليب عنيفة تفتيت تلك الانتفاضة وتخوين اطراف أساسيين فيها. ثم شكلت حكومة حسان دياب التي وصفت عربياً ودولياً بأنها حكومة «حزب الله». كانت تلك الحكومة مؤلفة من الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر وبعض من لف لفهما في 8 آذار. لم يكن سراً آنذاك أن الثنائي كان من أشد المتحمسين لتعليق لبنان سداد او دفع سندات اليوروبوندز. ففي اجتماع بعبدا المالي الذي عقد في 7 آذار 2020، كان الرئيس بري حاضراً ومؤيداً بقوة للبيان الذي صدر مانحاً الحكومة الضوء الأخضر لتعليق السداد. ذلك القرار مبرر نسبياً، بيد أن ما تلاه كان فوضى عارمة مقصودة قوضت أي فرصة للتعثر المنظم. هل كان ذلك صدفة أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ قبل الذهاب بعيداً في محاولة الجواب، تتعين الاشارة الى جملة قضايا تخص الثنائي الشيعي، حتى لو أن بعضها يخص طرفاً بعينه، إلا أن توأمه هو ظهيره المؤيد سواء بشكل مباشر او غير مباشر.
الحصار لم يبدّد ودائع الناس ولا فرض المحاصصة بالفساد
أولاً: لا شك في أن لـ»حزب الله» اسبابه الخاصة في التركيز على نظرية مؤامرة الحصار. فهو معني بالدرجة الأولى بها في سياق عداء بينه وبين دول غربية وخليجية، وذلك في سياقات جيوبوليتيكة بعيدة عن أسباب أزمة النظام المصرفي اللبناني على سبيل المثال، طالما ان الحزب يؤكد انه خارج ذلك النظام منذ زمن بعيد. رغم ذلك لديه مصلحة في التركيز على الحصار جاعلاً بيئته مشدودة العصب ضد «آخر» يريد تجويعها وتركيعها ونزع سلاحها كما تقول سرديات الحزب.
لكن ما مصلحة حركة أمل في التركيز على أن أسباب الأزمة تكمن أولاً في الحصار؟؟ والاسئلة التي تطرح نفسها هي: هل الحصار فرض على لبنان الاستدانة حتى 100 مليار دولار ووصول نسبة ذلك الدين العام الى 180% من الناتج، أي إلى نسبة هي بين الأعلى في العالم؟ هل الحصار هو من مد يده على ودائع الناس وبدد منها أكثر من 100 مليار دولار؟ هل من أعمال الحصار تصنيف لبنان في أسفل قوائم الدول من حيث انتشار الفساد فيه واضمحلال حكم القانون؟ هل سوء ادارة قطاعات الكهرباء والاتصالات والنفايات والمياه من تداعيات الحصار؟ هل المحاصصة في الوزارات والإدارات والمؤسسات والمجالس والصناديق من أجندات الحصار؟ ما سبق من أسئلة غيض من فيض ردود غير مباشرة تؤكد أن الأزمة من صنع محلي بالدرجة الأولى. من صنع معظم من شارك في الحكم منذ التسعينات إلى اليوم مثل حركة أمل، وحزب الله منذ 2005 حتى تاريخه.
بري كان يجاهر علناً بمعارضته قانون الكابيتال كونترول
ثانياً: عندما اقفلت المصارف أبوابها غداة الانتفاضة ثم عادت وفتحت بعد أقل من اسبوعين، كان لا بد من اقرار سريع لقانون ضبط السحوبات والتحويلات (الكابيتال كونترول)، لكن الرئيس بري وقف مع آخرين بالمرصاد ولم يقر القانون حتى يومنا هذا. جاهر الرئيس بري آنذاك برفضه، وما الدعوات المتكررة التي اطلقها في الأسابيع الماضية لاجتماعات اللجان النيابية المشتركة لاقرار الكابيتال كونترول الا من باب محاولة الإيحاء انه مع اقرار القانون اليوم... وبعد أكثر من 3 سنوات. علماً بأن الجدوى تراجعت كثيراً بعدما هربت اموال بالمليارات الى الخارج بتواطؤ بين مصرف لبنان والمصارف وسياسيين ومتنفذين واصحاب ثروات من «الشله» عينها.
تفخيخ تعديل قانون السرية المصرفية... ليس صدفةً
ثالثاً: في الاصلاحات المجهضة او المقوضة او المفخخة، هناك تعديل قانون السرية المصرفية الذي خرج من رئاسة مجلس النواب ومطبخها التشريعي خلافاً لما اراد ونصح به صندوق النقد الدولي. رد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون القانون الى مجلس النواب، فاذا بالتعديل الجديد يخرج ايضاً من مجلس النواب قاصراً عن متطلبات صندوق النقد. ليس في الأمر صدفة، بل تعمد عدم رضوخ لشروط الصندوق كما قال الرئيس بري نفسه في احدى الجلسات.
ويذكر أن لعدم تعديل قانون السرية كما يجب أسباباً كثيرة تجمع عليها جملة أطراف أخرى مثل جمعية المصارف وطبقة رجال أعمال وأثرياء متلحفة بغطاءات حماية سياسية طائفية تتبادل معها المصالح.
وزارة المال ليست إصلاحية... التوقيع الثالث للنفوذ اولاً
رابعاً: التوقيع الشيعي الثالث الذي يصر عليه الرئيس بري دائماً وبات الحزب يطلبه أيضاً، والمقصود بذلك وزارة المال، ليس توقيعاً اصلاحياً في سياق الازمة وحلولها. وللمثال خرجت موازنة 2022 ترقيعية من غير أي جرأة على طرح ما يسهم في حل أي من التداعيات الكارثية. اقتصر الأمر على اعتماد سعر جديد للدولار الجمركي وبعض الرسوم والضرائب الاخرى لزيادة ايرادات يذهب معظمها الى زيادة رواتب القطاع العام. وعندما نقول غير اصلاحية نقصد مثلاً انها لم تجر اي اصلاح ضريبي حقيقي، وتستمر في تجاهل ضريبة تفرض على الاثرياء اللبنانيين المقيمين في الداخل وثرواتهم في الخارج. جباية تلك الضريبة حق للخزينة وفقا لتطبيق «سي آر اس» لتبادل المعلومات الضريبة التلقائية مع عشرات الدول حول العالم. لبنان يزود تلك الدول بمعلومات عن مواطنيها ولا يتزود باي معلومات مالية وضريبية عن ثروات ومداخيل مواطنيه في الخارج، ما يعني ان وزارة المال تساعد المتهربين من الضرائب وتتستر على ثروات الاثرياء وفي مقدمهم السياسيون الفاسدون. ومن الاصلاحات التي تتجنبها وزارة المال ايضا تقاعسها شبه الكامل عن مسك الملف المصرفي، تاركة الأمر لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وحده لا شريك له، متناسية انها الوزارة الوصية على البنك المركزي، وان في الحلول المطروحة ما له علاقة بالمال العام.
حماية رياض سلامة جزء من حماية المنظومة ككل
خامساً: على سيرة حاكم مصرف لبنان، فقد ارادت الحكومة السابقة وتحديداً رئيسها حسان دياب كما رئيس الجمهوية آنذاك اقالة رياض سلامة، فما كان من الرئيس بري الا التصدي لتلك المحاولة واجهاضها. ولا يعبأ بري كما ميقاتي وعدد من الاطراف الأخرى بملاحقة سلامة في عدد من الدول الأوروبية والتحقيق في شبهات اختلاس وتبييض أموال واثراء غير مشروع. فالاجدر في حالة كهذه ترك سلامة يستقيل للدفاع عن نفسه اذا كان بريئاً لا تركه في منصبه متمتعاً بحصانته حتى آخر دقيقة من ولايته.
على صعيد آخر، فان نظرية الرئيس بري عن الودائع المقدسة، والتي قدم من وحيها نواب «حزب الله» مشروع قانون معجل يطلب عدم المساس بتلك الودائع، فتلك النظرية تنتهك يومياً من المصارف ومن مصرف لبنان بهيركات حتى 85% وبسحوبات مقننة اشبه بإعاشة. رغم ذلك فهم صم بكم لا يفقهون.لا بل يفقهون ويتركون المصارف وسلامة على غيهما بما يشي بموافقة ضمنية على تذويب الودائع بشكل خبيث مقصود على حساب الناس وحفاظاً على المنظومة.
عدم تأييد الخطط الإصلاحية... من حسان دياب إلى ميقاتي
سادساً: عندما عرضت حكومة نجيب ميقاتي خطتها الاولى للاصلاح عشية الانتخابات النيابية اعترض عليها الثنائي الشيعي. كما ان يومها طلب الرئيس بري من وزير المالية يوسف خليل سحب بند الدولار الجمركي. واذا كان الشيء بالشيء يذكر، فان الثنائي الشيعي تفرج صامتاً وراضياً على بهدلة مشروع حكومة حسان دياب وخطة لازار في 2020، وتجلى ذلك في لجنة المال والموازنة التي تجمع كل الاطياف بما فيها امل والحزب، والتي تولت تهديم ارقام الخسائر وكيفية معالجتها، وكان ذلك مقدمة لافشال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في تلك المرحلة الحرجة.
أين التدقيق الجنائي يا وزير المال؟ وماذا فعلت بالتقرير الأولي؟
سابعاً: منذ حكومة دياب ايضاً هناك التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان الذي اخذ شداً وجذباً حوله بين عدة اطراف. ثم نجح الرئيس بري في اقرار قانون يطلب التدقيق الجنائي في معظم القطاعات العامة مثل الكهرباء وغيرها. وبعد جهد جهيد وقعت وزارة المال اتفاقاً مع شركة «الفاريز اند مارسال» التي كان يفترض ان تنهي المرحلة الاولى من التدقيق في ايلول الماضي. تمضي الاشهر تلو الاشهر ولا حس ولا خبر عن ذلك التدقيق الذي على الوزير يوسف خليل اطلاع اللبنانيين على آخر مستجداته، لكنه وبقدرة قادر من فوق لا ينبس ببنت شفة.
معارضة غريبة لرفع تعرفة الكهرباء لزيادة التغذية
ثامناً: يضاف الى ما سبق جملة ملفات اخرى مثل غرابة معارضة الثنائي لرفع تعرفة كهرباء لبنان كما يطرح وزير الطاقة لزيادة ساعات التغذية. إذ ارتفعت اصوات من الحزب وامل تطلب زيادة التغذية قبل رفع التعرفة.
إيهام الناس بأن حل الأزمة في الغاز وليس صندوق النقد
تاسعاً: لا يخفي الحزب رأيه في ان الغاز هو الحل لأزمات لبنان. وساق في هذا المجال سرديات على مدى اشهر طويلة قللت من اهمية الاتفاق مع صندوق النقد، مع تعليق اهمية قصوى على الغاز قافزاً فوق كل الاسباب الاخرى للأزمة، وفوق اي مساءلة للطبقة الحاكمة عن المرحلة الماضية التي زخرت بالمخالفات والارتكابات الجسيمة التي اوصلت البلاد الى ما هي فيه اليوم من ازمات مستفحلة.
في القضاء تعطيل... وفي اجتماعات الحكومة: الأمر لي
عاشراً: الحزب والحركة بالتكافل والتضامن استطاعا تعطيل تحقيق المرفأ وتعطيل جلسات الحكومة 4 اشهر لفرض شروطهما في ما خص التحقيق. كما يستطيع الثنائي الدفع باتجاه عقد جلسة للحكومة حتى لو كانت حكومة تصريف اعمال في اضيق الحدود.
مما سبق يمكن الاستنتاج ان النظام اليوم ممسوك من الثنائي الشيعي وحاكم مصرف لبنان، وما نجيب ميقاتي الا رجل أعمال يبحث بين الإثنين عن كرسي حكم يرعى بها مصلحته ومصلحة من يمثل في طبقة هي على تقاطع فاقع بين المال والسياسة والطائفية. وما استمرار ذلك التقاطع الا استمرار لأزمات لبنان ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|