السويداء تصعّد... والأسد يستنجد بالصين
بدخول الحراك الشعبي في محافظة السويداء السورية ضدّ النظام، شهره الثاني، تتراجع المراهنة من قبل حكّام دمشق على أن يتعب المتظاهرون الذين يحملون الشعارات المطالبة بسقوطه، على أبواب فصل الخريف ومع بدء موسم المدارس والحاجة إلى دوائر الدولة.
بموازاة ذلك يسعى الرئيس السوري بشار الأسد إلى الالتفاف على ارتباط وعود العرب بالمساعدات الماليّة العربية والخليجية بشروط محدّدة من دول الخليج، وذلك من خلال زيارته للصين.
وتُختصر الشروط الخليجية بالتالي:
- وقف تهريب الكبتاغون.
- بدء خطوات جدّية لإعادة النازحين.
- تسهيل وصول المساعدات "لكلّ مستحقّيها" في المناطق المنكوبة والمدمّرة بفعل الحرب وزلزال 6 شباط الماضي.
- مباشرة خطوات عملية على طريق الحلّ السياسي بدءاً بالإفراج عن عشرات الآلاف من المعارضين في السجون.
ردّ قادة الحراك بالإبقاء على معظم دوائر الدولة مفتوحة لتسيير شؤون المواطنين، كما طالبهم بذلك أحد مشايخ العقل الدروز الشيخ حكمت الهجري، واكتفوا بإقفال مكاتب حزب "البعث" في المدينة والقرى المحيطة، مع "تلحيم" أبوابها ومداخلها، وبشلّ حركة بعض مكاتب أجهزة الأمن والمخابرات.
فشل تهمة الانفصال... وجنبلاط "على الخطّ"
في سياق الحملة الدعائية المضادّة ردّ الناشطون في حراك السويداء كالآتي:
- واجهوا وصفهم من قبل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المؤيّدة للنظام بالسعي إلى "الانفصال" وإقامة حكم ذاتي، فرفضوا الدعوات إلى قيام "منطقة حرّة" مستقلّة في السويداء. ومن أجل تبرير نيّة قمع الاحتجاجات المتصاعدة لاحقاً، سعى مؤيّدو النظام إلى إيقاظ الذاكرة السورية حول المشاريع الاستعمارية الفرنسية بإقامة دولة درزية (وأخرى علوية) في بداية القرن الماضي، التي أحبطها حينذاك أحد قادة الثورة الكبرى ضدّ الاستعمار سلطان باشا الأطرش بتعاونه مع رموز الانتفاضة على الانتداب الفرنسي في الطوائف الأخرى من العلويين والسنّة والكرد.
- حاول النظام بنشر هذه التهمة دغدغة مواقف بعض المعارضين المتطرّفين الذين حملوا على وقوف بعض وجهاء السويداء على الحياد أثناء الحملة العسكرية للنظام على المناطق السنّية المعارضة بين 2011 و2018، بحجّة عدم الانخراط في القتال بين السوريين. لكنّ ما أجهض تهمة "الانفصال" هو التنسيق الواضح بين السويداء وناشطي التحرّكات المتصاعدة في محافظة درعا السنيّة القريبة، الذين شاركت مجموعات منهم في تحرّكات المحافظة الدرزية.
- ساهم بردّ التهمة أيضاً، إضافة إلى انتشار أصداء هتاف "سوريا واحد واحد"، انضمام القائد الدرزي اللبناني رئيس "الحزب التقدّمي الاشتراكي" وليد جنبلاط إلى المواقف الرافضة لطروحات الأميركي من أصل لبناني المقرّب من دوائر الحزب الجمهوري في الكونغرس وليد فارس الذي أخذ يبشّر بقيام "منطقة حرّة" في السويداء مستقلّة عن سائر المحافظات السورية. وهو كان يروّج لها منذ مدّة، وتشمل قيام منطقة حرّة مسيحية في لبنان، على غرار الإدارة الذاتية الكردية شمال سوريا بالاستناد إلى تجربة الحكم الذاتي في كردستان العراق مع توقّعات وتمنّيات باقترانها مع "منطقة حظر جوّي". لكنّ جنبلاط، الذي له كلمة مسموعة في السويداء حيث رفع المحتجّون صور والده كمال جنبلاط المتّهم النظام السوري باغتياله عام 1977، رأى في تغريدة أنّ "دروز سوريا بقيادة الشيخ حكمت الهجري جزء من الشعب السوري، يريدون الحرّية والكرامة، والحذر الشديد من أصوات اليمين الصهيوني أمثال وليد فارس وجماعته". وكانت فعّاليات في السويداء انتقدت أحد التنظيمات الناشئة في المحافظة تحت اسم "حزب اللواء" الداعي إلى إدارة ذاتية للمنطقة تقدّم الخدمات لأبنائها وتعين العائلات الفقيرة بالمساعدات، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة غير المسبوقة.
هل يئس حكّام دمشق من إخماد الحراك؟
نحن على مشارف نهاية الشهر الأوّل لانطلاقة التظاهرات تحت عناوين مطالب حياتية، تحوّلت بعد أسبوعين إلى سياسية. وكان أشعل شرارتها رفع السلطات أسعار المحروقات، الذي تراجعت عنه في حينها للإيحاء بتجاوبها مع المطالب المعيشية. لكن عادت الحكومة السورية إلى رفع السعر مجدّداً قبل أسبوع، بموازاة انخفاض قيمة الليرة السورية مقارنة بالدولار الأميركي (بات أكثر من 15 ألف ليرة للدولار الواحد).
كأنّ حكام دمشق يئسوا من محاولة إغراء بعض قادة الحراك في السويداء بمعالجة الأوضاع الحياتية، التي تفاقمت لانعدام الموارد لدى الدولة، في وقت يخدم ارتفاع الأسعار أرباح كبار تجّار اقتصاد الحرب، وهم واجهة لإثراء العائلة الحاكمة. ويردّد معارضون منذ مدّة معلومات عن شركات يملكها أقرباء السيدة الأولى أسماء الأسد. فالنظام اعتمد خلال السنوات الماضية على شخصيات ظهرت فجأة في الاقتصاد، مع أن لا تاريخ لها مالياً واستثمارياً، تولّت قيادة توظيفات اقتصادية تعود عادة إلى عائلة الأسد. وهذا جزء من أسباب تصاعد النقمة الشعبية التي انفجرت في الأسابيع الماضية من درعا إلى السويداء وحماة وريف حلب وغيرها من المناطق التي شهدت تحركات احتجاجية وشعبية حظيت بتغطية إعلامية نالت منها السويداء القسط الأكبر نظراً إلى دخولها المستجدّ حلبة الانتفاض على النظام.
السباق مع الوقت ورفض جدول زمنيّ للتنفيذ
يسابق النظام السوري الوقت بالسعي إلى الحصول على المساعدات الاقتصادية من أيّ كان، وهذا كان هدف زيارته الصين، بعدما فشل نهج ابتزاز دول الخليج للحصول على تمويل يسدّ فجوة هائلة في الاقتصاد السوري، نظراً إلى امتناعه عن التزام تنفيذ مندرجات بيان عمّان الذي أطلق الانفتاح العربي على الأسد، في الأول من أيار الماضي، والذي نصّ على خريطة طريق رسمت الخطوات الآنيّة والقصيرة والبعيدة المدى لحلّ الأزمة السورية، وفق نهج "الخطوة مقابل خطوة" في المبادرة الأردنية.
في اجتماع عمّان حضر وزراء خارجية السعودية، مصر، العراق، والأردن، وحضره وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الذي التزم العمل على تنفيذ ما تضمّنه من خطوات، لعلّها تساعد في رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، لكن لم تنفَّذ أيّ منها.
مع كثرة المحطات التي راجعت التعثّر في التزامات دمشق، على الرغم من الانفتاح العربي عليها ودعوة الرئيس السوري إلى قمّة جدّة العربية، يمكن ذكر الآتي:
-أولاً: الأبرز اجتماع القاهرة في 15 آب الماضي للجنة الاتصال السداسية في شأن سوريا (ضمّت الجامعة العربية إلى دول عمّان، لبنان والأمين العام للجامعة)، حيث فاتح بعض الوزراء العرب، بعد العتاب، المقداد بوجوب وضع جدول زمني لتنفيذ بنود عمّان.
تفيد معلومات "أساس" أنّ الجانبين السعودي والأردني وضعا بنود هذا الجدول وتواريخه، واقترحا تضمينه البيان الختامي الذي صدر، إلا أنّ المقداد رفض الالتزام به، واكتفى بإبلاغ زملائه باعتباره اقتراحاً منهم. لم يلتزم المقداد إلا بقرار عودة لجنة صياغة الدستور المشكّلة منذ 2021 وأدار مناقشاتها من دون جدوى الموفد الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، على أن تجتمع في سلطنة عمان قبل نهاية السنة (كان يريد نقلها من جنيف إلى دمشق).
-ثانياً: البيان الصادر عن الاجتماع المشترك بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون والولايات المتحدة الأميركية في 20 أيلول في نيويورك، الذي خصّص فقرة لسوريا كرّرت معظم بنود بيان عمّان، واجتماع القاهرة الشهر الماضي، بضرورة الحلّ السياسي التدريجي للأزمة السورية وفق القرار الدولي الرقم 2254 الذي لا يريد حكّام دمشق السماع به، ويعتبرونه منتهياً بعد انتصار النظام.
تتحدّث بعض المصادر عن إمكان صدور مرسوم بعفو عامّ عن بعض السجناء، ويتساءل معارضون عمّا إذا كان شكليّاً يشمل بعض الجرائم الجنائية وقلّة من المعارضين، كما سبق أن حصل السنة الماضية.
زيارة الصين والأمل بالاستثمار
في زيارته الصين يهدف الأسد إلى الحصول على استثمارات. تحدّث الجانبان عن دفع العلاقات نحو "شراكة استراتيجية"، ودعت بكين إلى رفع العقوبات "غير المشروعة" عن سوريا، وعن استعداد الرئيس شي جينبينغ للمساعدة في إعادة إعمار سوريا. وتناول الحديث "الحلّ السياسي"، لكنّ المتابعين لعلاقة بكين بدمشق يشيرون إلى الآتي:
- استقبال جينبينغ الأسد يأتي في إطار احتدام تعدّد المحاور الدولية واستقطابها لدول إضافية، حيث الحديث عن محور صيني روسي كوري شمالي تتعاون معه إيران التي لها اليد الطولى في سوريا.
- سبق لبكين أن وقّعت اتفاقات للمساهمة في إعادة الإعمار في سوريا، وهيّأت أرضية لها باعتماد مقرّات لشركات مقاولات صينية، ما لبثت أن انسحبت عام 2020، وقلّصت علاقاتها مع وكلاء في سوريا، بفعل عقوبات قانون قيصر، على الرغم من توقيع دمشق على اتفاقية "الحرير والطريق".
- بكين من الدول التي سبق أن صوّتت على القرار الدولي الرقم 2254 في مجلس الأمن. وهي تجري اتصالات بعيدة من الأضواء مع المعارضة السورية، واستقبلت وفدين منها في السنتين الأخيرتين.
- تعتمد الصين في استثماراتها مبدأ ضمان الاستقرار في الدول التي توظّف فيها المال، في وقت تُعتبر سوريا، مثل لبنان والعراق واليمن، غير مستقرّة، قياساً إلى دول الخليج.
فهل طريق الصين "حريرية" بالنسبة إلى الأسد، أم يدور ويعود إلى الخليج؟
وليد شقير - أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|