الصحافة

أزمة “الحزب” الآن: إسرائيل أم بعبدا؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في شتاء 1995 دعاني السيّد حسن نصرالله، رحمه الله، إلى إفطار خاصّ في منزله بحارة حريك.

كان الإفطار بسيطاً “شهيّاً” يتضمّن صحن فول بالحمّص ما زال مذاقه المتميّز لا أنساه على الرغم من مرور قرابة 40 عاماً.

حينما وصلنا إلى دور تناول الشاي ذي المذاق الإيراني بادرني قائلاً: “تذكّر مقولتي هذه يا أبا محمّد. سوف يأتي يوم ليس ببعيد سوف يكون قرار الحرب والسلام في هذه المنطقة عند الحزب”.

هنا دخلنا في مناقشة مطوّلة أردت بها أن أطرح الرأي القائل إنّ قرارات الحرب والسلام المصيرية تتّخذها السلطات الرسمية للدولة الوطنية وليست أيّ قوى مسلّحة منفردة. حتى لو كان الهدف هو المقاومة المشروعة للعدوّ.

فكّرت وحذرت من الخطأ الذي ارتكبته المقاومة الفلسطينية أثناء وجودها في لبنان.

هنا قال سماحة السيّد، رحمه الله: نحن لسنا ضيوفاً على هذا البلد. نحن أبناؤه. نحن الحزب اللبناني.

تدخّلت وقلت متسائلاً: اللبناني أم الإيراني؟

قال: أنت سألتني في المقابلة التي أجريتها معي قبل أيام عن حقيقة علاقتنا بإيران. فهل وجدنا غيرها كي يدعمنا؟ ثمّ لماذا حرام علينا ما هو حلال لغيرنا. فالسعودية تدعم السنّة، والمسيحيون يدعمهم الغرب، والموارنة الفاتيكان، والأرمن أرمينيا، والبعث سوريا، والحزب الشيوعي اللبناني كانت تدعمه موسكو؟

ثمّ قال الرجل عبارة لم ولن أنساها: نحن نعرف حدود قوّتنا جيّداً ولا نتجاوزها أبداً.

خطأ الأمن… بسبب “فائض القوّة”

كنت أتذكّر هذه العبارة في كلّ خطاب حماسيّ سياسي للرجل. خاصة في مرحلة ما بعد 7 أكتوبر تشرين الأوّل 2023)، وكنت أخشى عليه أن يقع في المحظور ويتجاوز حدود قوّته الحقيقية.

الأمن كان الخطأ التاريخي الذي وقع فيه الحزب. مثله مثل كثير من جماعات الإسلام السياسي (التنظيم الدولي للإخوان، القاعدة، داعش، الحشد الشعبي، الحوثيين، حماس). ومصدره هو الشعور المخيف والمتزايد بفائض القوّة الوهمي الذي يجعلهم يؤمنون إيماناً جازماً، عن خطأ في المعطيات الحقيقية، بفائض قوّة أكبر من الحقيقة.

هذا التقدير الوهمي المبالغ فيه يأخذ هذه الجماعات إلى كوارث ويدفع بهم وبمجتمعاتهم وأنصارهم إلى فوضى وفواتير مدمّرة.

هذا التقدير الوهمي يجعلهم يقدمون، عن إيمان خاطئ، على البدء بإدارة معارك وحروب يتصوّرون أنّهم قادرون على بدء القتال وتطويره والانتصار الكامل فيه.

هذا التصوّر الوهمي يجعلهم لا يحسبون حساباً لشركائهم في الوطن والمنطقة على أساس أنّهم ليسوا بحاجة إليهم. فهم يكتفون بأنفسهم وقدراتهم وحدهم.

هذا التصوّر الوهمي كلّف العالم 11 تريليوناً من الدولارات ثمناً باهظاً لعمليات 11 أيلول2001 الإرهابية.

هذا التصوّر الوهمي كلّف فلسطين والمنطقة 50 ألف شهيد ومفقود و120 ألف جريح ومعوّق، وتدمير 90% من البنية العمرانية في غزة ونزوح 1.7 مليون فلسطيني في القطاع.

هذا التصوّر أدّى إلى قيام داعش بعمليات وحشية في سوريا ولبنان وأوروبا أساءت للإسلام والمسلمين، وكلّفت المنطقة والعالم أكثر من 40 مليار دولار تكاليف مباشرة وغير مباشرة.

هذا التصوّر أدّى إلى توريط لبنان في حرب المساندة للحرب في غزة، وهو ما كلّف الحزب اغتيال قيادته العليا. بدءاً من الأمين العامّ ولجنة الجهاد والقيادات الأمنيّة والماليّة العليا للحزب. وكلّف أهالي الضاحية والجنوب والبقاع نزوح 1.5 مليون مواطن وفاتورة لا تقلّ عن 20 مليار دولار وإضعاف المركز السياسي للحزب في المعادلة اللبنانية الداخلية.

“عصبية” الثنائي… بعد “الانكسار”

كلّه بدا للوهلة الأولى كأنّه “انكسار مكتوم” لنفوذ وتأثير الحزب في الداخل اللبناني. إلّا أنّ مسار الأحداث يظهر بين الوقت والآخر “القبول النفسي” و”التسليم السياسي” من قيادات الحزب بخسائر ونتائج معركة “إسناد غزة” على قوّة ونفوذ الحزب محليّاً وإقليمياً.

يمكن من رصد سلوك نوّاب الحزب وأمل في البرلمان في ملفّي تسمية الرئيس ثمّ في الاستشارات النيابية الملزمة أن نلاحظ عدّة أمور:

1- عصبيّة النائب محمد رعد البادية بعد إدراكه تسمية القاضي نوّاف سلام.

2- حضور الرئيس بري بشكل مقتضب الاجتماع الثلاثي المعتاد بين الرئيس عون والرئيس سلام من دون الإدلاء بتصريح.

3- عدم استقبال الرئيس بري لرئيس الوزراء الجديد وقيام نائب رئيس المجلس الياس بوصعب باستقباله.

4- حرص الأداة الإعلامية للثنائي الشيعي على تسريب أنّ هناك “مقلباً سياسياً” وخديعة غدر وخيانة في ترتيبات الساعات الأخيرة لاختيار الرئيس وتسمية رئيس الوزراء.

هل كلّ ذلك موقف استراتيجي أم سلوك ابتزاز سياسي؟ بعدما حقّقت دورها جولات التكليف والتسمية بحيث تتمّ مراضاتهم بحقائب مميّزة في مرحلة التأليف؟

يدرك المراقب المحايد أنّ وضعية الثنائي الشيعي هذه المرّة مضطربة ومرتبكة وعصبيّة لأسباب استجدّت عليهما دفعة واحدة لأوّل مرّة في ميزان القوى الداخلي منذ عقود.

إنّها المرّة الأولى التي لا يصبح الصوت الشيعي هو صاحب الرأي الأوّل في تسمية الرئيس.

إنّها المرّة الأولى أيضاً التي يفاجأ بها الثنائي الشيعي أنّ رئيس الوزراء الذي كانوا يراهنون عليه قد حصل على 9 أصوات مقابل 84 صوتاً لمنافسه الفائز.

الحزب “يترنّح” سياسياً

هنا يواجه هذا الثنائي حالة ترنّح سياسي وكأنّها رصاصة الرحمة التي أطلقت عليه بعد الضربات العسكرية الإسرائيلية واستشهاد الأمين العامّ وتصفية الصفوف الثلاثة الأولى من قياداته وإبعاد قوّات النخبة عن الحدود الجنوبية وفوز الرئيس جوزف عون ثمّ الرئيس نوّاف سلام.

هذا الترنّح له عدّة أدبيات سياسية ملزمة:

  • القرار 1701.
  • اتّفاق الطائف الذي لم ينفَّذ.
  • خطاب القسم للرئيس عون.
  • خطاب الرئيس سلام عقب تكليفه تشكيل الحكومة.

كلّ ذلك مجتمعاً خلق معادلة جديدة تماماً مناقضة ومخالفة ومعاكسة تماماً لكلّ قواعد اللعبة التي اعتادها الثنائي الشيعي.

تضاف إلى ذلك كلّه الضربة الموجعة الكبرى بسقوط نظام بشار الأسد وتولّي الحكم في دمشق تيّار معادٍ فكرياً وعقدياً وسياسياً للثنائي الشيعي وكاره تماماً لحكم ولاية الفقيه وشديد الولاء للحكم التركي السنّي الإخواني.

لا خطوط إمداد وتموين عسكرية برّية وبحريّة للثنائي الشيعي. ولا دعم ولا تنسيق أمنيّاً مع النظام الأمنيّ السوري يمكن الاستقواء به.

كانت الضربة القاضية حينما أبلغت طهران الشيخ نعيم قاسم بأنّه نتيجة زيادة إجراءات العقوبات الدولية على إيران لن تكون قادرة على توفير الدعم الماليّ المطلوب لإعادة إعمار الجنوب والضاحية والبقاع وإعادة إسكان أكثر من مليون وسبعمئة ألف نازح، بما يعني ذلك من تكاليف باهظة.

ثلاثة أمور متناقضة مؤلمة معقّدة تضغط الآن على الثنائي الشيعي ليس بينها خيار سهل. لأنّ أيّ خيار سيكون مكلفاًر:

  • القبول والانصياع لتنفيذ القرار 1701 كاملاً بكلّ آليّاته.
  • التغيير الجوهري البنيوي المطلوب من الحزب. بحيث يتحوّل من حزب مقاتل عابر لسلطة الدولة إلى حزب سياسي تحت مظلّة العهد والدولة الجديدة.
  • ضرورة الالتزام بالشرطين السابقين كمسارين إجباريّين من أجل حصول “الدعم الإقليمي والدولي” المطلوب لإعادة الإعمار وإسكان وتسيير حياة أكثر من 1.7 مليون نازح من الجمهور الشيعي. فقدوا منازلهم وأعمالهم ومصالحهم في الجنوب والضاحية والبقاع.

يحدث ذلك ولا تمويل من إيران ولا إمداد تسليحيّاً عبر سوريا، ولا إمكان لاستمرار التهريب عبر الحدود لموادّ أساسية أو مخدّرات أو كبتاغون.

كلّ الضغوط على الحزب. وهي شديدة وقويّة. في حين يهدّد بعدم المراهنة على صبر الحزب على خروقات إسرائيل.

السؤال هو: هل “العدوّ” الآن في جهة إسرائيل؟ أم جهة “بعبدا”؟

عماد الدين أديب -اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا