نوّاف سلام بمواجهة تحالف الخاسرين
يصرّ رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة في لبنان نوّاف سلام، على السرعة في تشكيل حكومة بحجّة أنّ الوقت ضيّق، ولا بدّ من الانطلاق، وما عاد يمكن التردّد أو التباطؤ لأنّنا محشورون بالأزمات المتلاحقة والمتراكمة.
أمّا الواقع، فإنّ السرعة تأتي لتغيير العادات، عادات الإعاقة وعادات الكيد. الرئيس السابق ميشال عون والنائب جبران باسيل كانا يتعمّدان إعاقة التشكيل من أجل الإرغام على تبنّي برنامجهما في التوظيف وفي الكسب، وقبل ذلك وبعده من أجل إظهار ضعف رئيس الحكومة السنّي. فالأيديولوجية الأقلّوية العونية تقول إنّ السنّة هم الذين أكلوا حقوق المسيحيين من خلال دستور الطائف.
أمّا “الحزب”، فقد كان يُماشي عون وباسيل، تارةً لتوثيق التحالف، وطوراً لإثبات سيطرته وقواه الفائقة أو ما صار يُسمَّى بفائض القوّة، كما ظهر في حرب عام 2006 تجاه الداخل والخارج. لكنْ عندما لجأ “الحزب” إلى احتلال بيروت في 7 أيار عام 2008 تبيّن أنّ للطرف “المتأيرن” أهدافاً أخرى أكبر من اعتبارات التحالف. وعلى كلّ حال كان في الأهداف تداخُل. ذلك أنّ احتلال بيروت كان لإذلال السنّة ليس سياسيّاً فقط، بل شعبياً أيضاً، وإعلان نهاية 14 آذار ونهاية ثورة الأرز واستمرار السياسة الاستراتيجية الإيرانية التي بدأت باغتيال الرئيس الحريري عام 2005 واستمرّت حلقاتها في الاغتيال والإضعاف والتخويف حتى عام 2013.
كنت قريباً من مفاوضات الرئيس فؤاد السنيورة لتشكيل حكومته الأولى عام 2005 (وأظنّ أنّ الدكتور نوّاف سلام كان موجوداً أيضاً). وفي أحد الأيّام عند التفاوض مع الجنرال ميشال عون للمشاركة في الحكومة، عاد المفاوضون خائبين فانزعجتُ كثيراً لأنّ الجنرال كان أقوى الزعماء المسيحيين كما أثبتت الانتخابات.
لكنّني انتبهت إلى أنّ معظم المحيطين بالرئيس السنيورة كانوا مسرورين لفشل المفاوضات مع عون أو انقطاعها. لقد تبيّن لي أنّ معظم قوى 14 آذار (وأهمّهم وليد جنبلاط آنذاك) كانوا مع استمرار الرباعي في الحكومة، ولا داعي لإشراك عون! وكان الذي حصل مسارعة حسن نصرالله إلى التحالف مع الجنرال عون في كنيسة مار مخايل، فكان ما كان ممّا لستُ أذكره، لضيق المجال. لكنّه التحالف (قوى 8 آذار) هو الذي استولى على لبنان ودمّره عارفاً غير جاهل: “التيار الوطني الحر” لكراهيّته لـ”الطائف” وأقلّويّته، و”الحزب” الذي يرتبط بإيران ومصالحها الاستراتيجيّة، وإرادات السيطرة على المنطقة.
تحالف الخاسرين
لستُ أعرف على ماذا وكيف تجري المفاوضات على تشكيل حكومة الآن. لكن كما هناك ميل قويّ عربياً ودولياً لمساعدة العهد الجديد بشتّى السُبُل، هناك إعادة تشكيل لتحالف الخاسرين، وعضواه الرئيسيان بعد “الحزب” والرئيس نبيه بري، سليمان فرنجية، وجبران باسيل المتجدّد دائماً.
الضغوط الآن شديدة الإضرار في عدّة نواحٍ، أولاها وأهمّها إنفاذ القرار 1701 الذي يحتاج إلى صدقيّة وعمل، وقد قال الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنّ الجيش واليونيفيل اكتشفوا مئة مركز للسلاح في جنوب الليطاني. و”الحزب” ذو شخصية معقّدة وانقسامية الآن. فهو من جهة يريد إثبات أنّ قوّته ما تزال على حالها حتى في جنوب الليطاني. لكنّه في الحقيقة يريد تثبيت مركزه في البلاد والحكومة الجديدة. وقد تسعى قوى 8 آذار القديمة/ الجديدة إلى الحصول على الثلث المعطّل الذي كان يمثّل قوّتها بعد اتّفاق الدوحة داخل الحكومة وربّما داخل البلاد أيضاً.
أهل الرئاستين الجديدتين مطمئنّون إلى الدعم الدولي والعربي، وبخاصة في قرار جنوب الليطاني. لكنّهم لا يملكون الضمانات نفسها للعمل الداخلي. ولذلك هم تحت وطأة السرعة يمكن أن يخطئوا في قبول الثلث المعطّل وفي نوعية الوزراء. وإذا حصل ذلك فستكون خيبةً كبيرةً لكلّ الآملين الكثر بالرئيس ورئيس الحكومة. ثمّ إنّ الهيبة تنكسر وما انكسر لا يمكن جبره.
كلّ شيء تغيّر أم يجب أن يتغيّر؟
إنّ ما جرى في مجلس النواب في انتخاب الرئيس، وفي مشاورات تشكيل الحكومة لا يبعث على التفاؤل. هم يريدون القول إنّه لم يتغيّر شيء، ونحن نقول إنّ كلّ شيء يجب أن يتغيّر أو نسقط في وهدة عميقة من خيبات الآمال، وفقد الثقة من الجمهور. الرئيس نوّاف سلام ليس مثل نجيب ميقاتي ولا مثل حسّان دياب. حسّان دياب هاوي سياسي، والرئيس ميقاتي يمثّل عدم التوازن الذي خلّفه احتلال بيروت. كلا الأمرين لا ينبغي أن يتكرّر حتى لو كان الرئيس نوّاف سلام واقعاً تحت عبء إثبات القدرة على تشكيل حكومة لأوّل مرّة.
يقول فريقٌ ثالثٌ غير التغييريّين وخصومهم إنّ استقبال الجديد ينبغي لكي يكون ممكناً أن يحدث بالتدريج. ولذلك ينبغي أن يجري تنبيه أهل هذا الفريق إلى استخفافات الرئيس بري، وبهورات نعيم قاسم، وإذا قيل: إنّ الرئيسين قالا إنّه ليس هناك مهزوم أو مستبعَد. وقد كان ذلك منطق الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، الذي كان يقول إنّ اللبنانيين يختلفون على الماضي ولا يختلفون على المستقبل.
كان الجميع (وبخاصّة الشيعة) مستفيدين من النهوض أيّام الحريري والسنيورة، لكنّ ذلك لم يمنعهم من احتلال بيروت والسعي إلى تدمير البلاد بدون هوادة. متى وإلى أيّ مدى يمكن التنازل من دون العودة للإخلال بالتوازُن؟ هذا ميزان دقيق لا يمكن تقدير استحقاقاته إلّا من جانب المشاركين في العملية مباشرةً.
بين 2006 و2019
في الخاتمة تعالوا ننظر في الظروف والاستحقاقات. بين 2006 تاريخ تحالف عون مع نصرالله في كنيسة مار مخايل، وبين ثوران عام 2019، كانت أكثرية مسيحية (كما اعتقد بعضنا) مع عون وباسيل. الثوران والتحدّيان الشيعي والباسيليّ له أثبتت أنّ الكتلة المسيحية ما عادت معه. وهي الآن مع رئيس الجمهورية الجديد رمز الاستقلالية والجدّية.
بين عام 2011 وبين مجيء نوّاف سلام لرئاسة الحكومة أوائل عام 2025، ظلّت أوضاع أهل السنّة السياسية والمعيشية تتهاوى في بئرٍ بدون قاع. أمّا أوضاع الشيعة فظلّت منذ مقتل الحريري (2005) حتّى حرب الإسناد عام 2023 في صعود، حتى صار حسن نصرالله متحدّثاً باسم إيران في لبنان وسورية والعراق واليمن. النكسة المفزعة التي أصابتهم في الحرب وقاهُم مظاهرها (وليس نتائجها) نبيه بري رئيس مجلس النواب.
المظاهر لا تفيد لأنّها لا تستمرّ طويلاً، خصوصاً وسط الرقابة الدولية الدقيقة. ولذلك المسألة السياسية محتاجةٌ الآن إلى أمرين:
1- مراجعة الثنائي الشيعي لأموره مراجعةً نقديّة بدون عنتريّات نعيم قاسم والسخرية لنبيه برّي. ولا أدري إن كانوا قادرين على ذلك.
2- قيام السنّة لاستعادة دورهم كما يحصل في أجزاء أخرى من المنطقة، ومع آمال عودة العرب إلى لبنان وسورية.
قد لا يكون ذلك بين أولويّات الرئيس نواف سلام، لكنّ الطبيعة تأبى الفراغ، وإذا لم يضطرّ الشيعة والمسيحيون إلى معاملتك باعتبارك زعيماً سنّياً أو زعيم السنّة (كما هي عقليّتهم وطريقة حسابهم!) فكيف سيعاملونك؟ في أحسن الأحوال، كما عاملوا ميقاتي، وفي أسوئها، كما عاملوا حسان دياب. فانتبه للوزارات والوزراء، وانتبه للتعيينات، وانتبه قبل ذلك وبعده للعلاقات بالمملكة وبالسلطة الجديدة في سورية.
رضوان السيد-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|