الصحافة

بعد الانتقال إلى رحمة المعارضة... باسيل و"التيار" في ذمّة "حزب الله"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تكفي عملية استعراض مشاهد التسليم والتسلّم في الوزارات بين وزراء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ووزراء حكومة الرئيس نوّاف سلام لاكتشاف الفارق الكبير بين التمثيل السياسي، المسيحي وغير المسيحي، في آخر حكومات عهد الرئيس ميشال عون وأولى حكومات الرئيس جوزاف عون. المشهد وحده يكفي للرد على وقوف رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل باكياً على أطلال العهد السابق الذي لم يعرف كيف يحافظ على العهد.

احتكر باسيل والرئيس ميشال عون و"التيار الوطني الحر" التمثيل المسيحي في حكومة الرئيس حسّان دياب التي صدرت مراسيم تشكيلها في 21 كانون الثاني 2020، بعد ثورة 17 تشرين 2019 وسقوط حكومة الرئيس سعد الحريري الثالثة. واحتكروا هذا التمثيل أيضاً في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تشكلت في 10 أيلول 2021 بعد 13 شهراً على استقالة حكومة دياب بعد تفجير مرفأ بيروت، كما احتكر "حزب الله" وحلفاؤه باقي الحقائب. اليوم بعد خمسة أعوام بالكاد يمكن تذكّر أسماء الوزراء الذين مثلوا المسيحيين، وبالكاد يمكن التوقف عند إنجازات أو بصمات لهم ولـ"التيار" والعهد وللرئيس عون، إلا ما يسجّل عليهم في المساهمة في الذهاب إلى الانهيار والتوجّه نحو جهنم.

ليس من أجل عيون باسيل

كان الأجدى برئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل إجراء مراجعة نقدية ذاتية للمرحلة السابقة التي دخل فيها مع تياره إلى جنّة السلطة منذ العام 2008 بدل أن ينعى التمثيل المسيحي في حكومة الرئيس نوّاف سلام. ربّما انتهى اليوم الزمن الذي كان يتمّ فيه تعطيل الحكم والحكومات "من أجل عيون باسيل" وللحصول على حقيبة سيادية أو تسميته وزيراً في حقيبة أساسية. لم يكن "الثنائي" الشيعي والنظام السوري يكتفيان بتسمية الوزراء المحسوبين عليهم وتسليم أسمائهم في القصر الجمهوري إلى الرئيس المكلف، بل كانوا يعمدون إلى فرض الأسماء الأخرى التي تُعتبر من حصة حلفائهم المسيحيين وخصوصاً "التيار الوطني الحر".

انكسار هذه المعادلة اليوم قد يكون السبب في الأسى الذي ينتاب باسيل وحلفاءه الذين خرجوا من جنة السلطة إلى صفوف المعارضة، وهو خروج قد يكون مفيداً لهم إذا راجعوا حساباتهم وأسباب تراجعهم السياسي والشعبي بدل التلهّي في مراقبة حصّة "القوات اللبنانية" والعهد والرئيس سلام، وعدّ الوزراء وتوصيفهم ومعرفة من سمّاهم واقترحهم. صورة الحكومة الجامعة من دون ثلث معطل ومن دون سطوة "حزب الله" عليها تكفي لكي يعرف باسيل أن ليس له أي فضل على العهد الجديد وأنّ ما يجب أن يحتسبه هو ما له في ذمة "حزب الله".

خسارة الدنيا والآخرة

بدأ عهد العماد ميشال عون بقوة في الحكومة الأولى التي شكّلها برئاسة الرئيس سعد الحريري وبمشاركة "القوات اللبنانية". كان اتفاق معراب الذي فتح طريق قصر بعبدا أمام عون الأول لا يزال قوياً وأعطى قوة دفع كبيرة للعهد. ولكنّ باسيل والرئيس عملا معاً على إنهاء مفاعيل هذا التفاهم لمصلحة اتفاق 6 شباط مع "حزب الله". كان الهدف التخلّص من "القوات" وبناء استراتجية وصول باسيل إلى قصر بعبدا خلفاً لعمّه بدعم من "حزب الله". ولكن الحسابات لم تكن صائبة فانهار العهد وانهارت أحلام باسيل بالرئاسة عندما فضّل أمين عام "الحزب" السيد حسن نصرالله دعم رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية. فخسر باسيل و"التيار" الدنيا والآخرة معاً.

في حكومة دياب كان "حزب الله" هو الذي يشكّل. وفي حكومة ميقاتي ايضاً. انهيار العهد في الشارع كان انهياراً لـ"الحزب" أيضاً ولمحور الممانعة. لذلك كانت عملية المواجهة بقيادة "الحزب" بعد الضعف الذي اعترى العهد و"التيار" وضرب صورة عون وباسيل. كان يكفي في ظل وجود الرئيس عون على رأس طاولة مجلس الوزراء أن يضرب وزير الثقافة محمد المرتضى مثلاً على الطاولة ويهدد العهد وكل السلطات لمنع التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت ومنع ملاحقة وزراء من "الثنائي" الشيعي، وأن يظلّ الرئيس ميشال عون ساكتاً ويتصرف كأنّ شيئاً لم يحصل وينهي الاجتماع. وكان يكفي أيضاً أن ينزل رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" الحاج وفيق صفا إلى قصر العدل ويهدّد بقبع المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار من دون أن يعترض عون والتيار.

على العكس حاولوا من خلال وزير العدل، الذي عيّنوه، تحقيق هدف صفا من خلال تطيير البيطار أو تعيين محقق عدلي رديف يلغي مذكرات التوقيف والملاحقة والإدعاءات التي أصدرها البيطار. يكفي أن البيطار يعود إلى استئناف التحقيقات اليوم بعد بداية عهد جوزاف عون. ويكفي أن يكون غسان سلامة وزيراً للثقافة محلّ محمد المرتضى وجوزيف رجّي محلّ عبدالله بو حبيب في وزارة الخارجية وجو صدّي محلّ وليد فياض في وزارة الطاقة ... لكي يقاس الفارق بين الحكومة الجديدة وحكومات التيار و"الثنائي" الشيعي السابقة.

بين جنّة السلطة وجهنّم الانهيار

لقد أودع باسيل وعون كل رصيدهم في حساب لـ"حزب الله" وسلّفاه العهد كلّه بينما كانت تضيع حسابات المودعين في المصارف. كانا يريدان جنّة السلطة بينما يذهب البلد إلى جهنّم الانهيار. ولكنّ "الحزب" لم يردّ لهما الجميل. اعتبر أن لا حقّ لهما عنده وأنّه وفى كلّ ديونه مع وصول عون إلى قصر بعبدا. طار عهد عون في حساب انتظار عهد باسيل الذي لم يأتِ. المقارنة تكفي أيضاً بين خطاب قسم الرئيس ميشال عون وخطاب قسم الرئيس جوزاف عون. وبين البيانات الوزارية أيام عهد عون الأول والبيان الوزاري للحكومة الحالية. كان قريبون من عون الأول يراهنون على أنّه سيتمسّك بالتفاهم مع "القوات" لكي يستمرّ تحقيق التوازن في الحكم وفي السلطة وداخل مجلس الوزراء.

ولكنّه تخلّى عن هذا التحالف لإخراج "القوات" من المعادلة اعتقاداً منه أنّ هذا الإبعاد يسهّل وصول باسيل إلى قصر بعبدا. ولكن خروج "القوات" استتبعه خروج ملحقات سياسية تغطّت بالعهد وتياره. فنزل عدد تكتله النيابي في انتخابات أيار 2022 عمّا كان عليه بعد انتخابات 2018. الإنجاز الأهمّ الذي تحقّق من خلال العهد بالنسبة إلى تحسين التمثيل النيابي المسيحي كان في قانون الانتخابات الحالي القائم على الصوت التفضيلي.

أكثر من ذلك انفضّت من حول العهد والتيار أسماء كثيرة كانت على لائحة التأييد الأعمى. وحتى داخل الحكم بعض من عيّنهم العهد معتقداً أنّهم سيكونون في خدمة أهدافه، خرجوا عن طاعته، لا سيّما قائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود. لم تكن مسألة سهلة على العهد أن يصبح في مواجهة مفتوحة مع الموقعين المارونيين الأساسيين.

ولم يكن من السهل على عون وباسيل القبول بمنافسة العماد جوزاف عون على رئاسة الجمهورية عندما ظهر بعد ثورة 17 تشرين أنّه المرشّح الأوفر حظاً بانتظار أن تحين الساعة. وقد حانت في 9 كانون الثاني الماضي.

أضاع عون وباسيل رصيدهم كله في معركة رئاسية خاسرة. اختلفا مع "حزب الله". وعاديا رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية. وحاولا إزاحة العماد جوزاف عون وخاضا معركة عدم التمديد له، وحاول باسيل حتى قبل جلسة 9 كانون الثاني أن يعقد صفقات مع "الثنائي" الشيعي، على رغم أنّه في كثير من مواقفه حمّل "الثنائي" مسؤولية إفشال العهد بعدما كان يلقي معظم هذه المسؤولية على "القوات".

خارج الحسابات

على رغم أن "حزب الله" بقي يدعم باسيل حتى تبقى لديه كتلة أكبر من كتلة "القوات" ولكنّ تصدّع "التيار" وصل إلى كتلته بخروج أربعة نوّاب منها. توالت خسائر "التيار" تباعاً. فشل في منع انتخاب العماد جوزاف عون وبعد حملة شرسة ضده واتهامه بالفساد عاد ليعلن أنه يدعم عهده. وبعد معارضته تسمية القاضي نوّاف سلام ومحاولة التوصل إلى صفقة حكومية مع "الثنائي" الشيعي للحدّ من الخسائر، عاد وسمّى سلام وترك "الثنائي" يخسر الجولة الثانية وحده. حاول أن يكسب من تسمية سلام بالبقاء في جنّة السلطة إلّا أن حساباته أخفقت أيضاً وخرج من الحسابات الحكومية.

لم يسقط "التيار" وحده في هذه الجولات. معظم حلفاء "الحزب" وعناصر محور الممانعة صاروا أيضاً خارج اللعبة. القومي والبعث والمردة وطلال أرسلان... بعدما كان يتعطّل البلد من أجل عيون باسيل مشى "حزب الله" بالحكومة من دون التمسّك بـ"التيار". ثمّة رهان على إمكانية التحالف بعد مرة في انتخابات أيار 2026. ولكن إذا كانت انتخابات 2022، في ظلّ حكم ميشال عون وقوة "حزب الله" الجامحة، خسّرت "التيار" فهل يمكن أن يربح في عهد جوزاف عون الذي خاصمه وقاتل لمنع انتخابه؟ 

نجم الهاشم - نداء الوطن 

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا