إسرائيل سيطرت على لبنان، على من يقع اللوم؟
بعد اشهر واسابيع وايام طويلة، حلّ 18 شباط وهو الموعد الممدد الذي تم التوافق عليه لانسحاب اسرائيل من كافة المناطق التي احتلتها خلال الحرب الاخيرة على لبنان. بدا منذ اللحظة الاولى ان اسرائيل ومعها الولايات المتحدة الاميركية، هما من يقودان سفينة المفاوضات، ويسيّران الامور وفق ما تقتضيه مصلحتهما، على ان تكون مصلحة لبنان في الدرجة الادنى. وها هي اليوم السلطات الاسرائيلية، تعلن على الملأ بأنها قررت البقاء في خمس نقاط داخل الحدود اللبنانية وذلك بهدف تأمين حماية سكان الشمال (الذين لم يعودوا بعد الى منازلهم ومناطقهم). باختصار، اصبحت اسرائيل تتحكم بالامور في لبنان، وهي سيطرت عليه من دون تواجد عسكري شامل على اراضيه، ولكنها تفرض ما تريد، بحيث اصبح البلد في موقع المتلقّي، انما عبر قناة اميركية حفاظاً على ماء الوجه. فعلى من يقع اللوم في ما وصلنا اليه اليوم؟.
بغض النظر عن الموقف من حزب الله، فإنه كان بالفعل، حجر عثرة لاسرائيل ومصدر قلق دائم لها، ومن خلال امكاناته وجهوزيته، قام بأمور لم ولن يستطيع الجيش اللبناني القيام بها، ليس من باب النقص في الشجاعة، بل من باب "الفيتو" الذي اغلق على الجيش باب الاسلحة النوعية التي يحتاج اليها لمواجهة عدو يملك ترسانة لا تنضب من الطائرات والغواصات والسفن الحربية والدبابات وغيرها من الاسلحة التي يكفي ان يطلبها حتى تصل اليه بالسرعة اللازمة. فكيف يمكن الطلب من الجيش ان يقوم بالمواجهة، وهو لا يملك السلاح اللازم لذلك، وممنوع عليه امتلاك مثل هذا السلاح؟.
ولكن، بعيداً عن العاطفة، فإنّ المنطق يفرض الاعتراف بأنّ حزب الله لم يعد كما كان في السابق، ومع استشهاد امينه العام حسن نصر الله، يمكن القول انّه انتهى عسكرياً. من هنا، يمكن تحميل الملامة للحزب على انه خاض حرباً لم يتوقع نتيجتها، وان ما حلّ به انعكس سلباً على الوضع والموقف اللبناني، ومن غير المتوقع ان تنفع (اقله في المدى المنظور) محاولاته للعودة الى سابق عهده، فسيكتفي باثبات النفس على الساحة الداخلية لشد عصب اتباعه ومناصريه، والتحضير للانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية المقبلة.
في مقابل هذا اللوم، هناك من يلقي اللوم على الدولة لعدم القيام بتحركها او الايفاء بوعودها حول ضرورة الثقة بالاميركيين والمجتمع الدولي لضمان الاستقلال والحفاظ على السيادة. في الواقع، هذا اللوم في مكانه ايضاً، ولكنه غير مفاجئ، فالجميع يعلم ان الاميركيين حالياً يديرون العالم، وما يقوم به الرئيس الحالي دونالد ترامب تخطى كل المنطق والعقل، فحتى رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن كريستوف هيوسغن، بكى بسبب مواقف ترامب ونائبه جاي دي فانس التي بدت فعلياً وكأنها "طلاق" مع الحلفاء الاوروبيين. واذا كانت اميركا تضع اسرائيل في المقام الاول، فكيف يمكن انتظار ان تفضّل لبنان عليها؟ وهل من عاقل سيصدق ان الادارة الاميركية ستسمح بتهديد لبنان لاسرائيل او الوقوف في وجهها؟ هذه النقطة سيعوّل عليها حزب الله للقول بأن طريق المقاومة هو الوحيد لاسترجاع الحقوق، وان ما ينادي به معارضوه لجهة نزع السلاح ومنع اي تدابير مقاومة، لا تقابله ضمانات بتحقيق الاستقلال. ولكن هذه المرة، لن يكون باستطاعة الحزب القيام بالدور الذي لطالما لعبه على مر السنوات العشرين الماضية، لا بل سيكون ايّ عمل عسكري له من دون فائدة وسيتسبب بالويل والمصائب للبنانيين، فتكون الارواح البشرية والخسائر المادية قد ذهبت ادراج الرياح.
بكل الاحوال، لا ينفع اللوم، فالحزب يتحمّل مسؤولية، والدولة ايضاً (بدرجة اقل) لعلمها ان ايّ مسعى من قبلها لن يكتب له النجاح لانّ المقابل سيكون امكان تعريض اسرائيل للخطر. وللاسف، فإن المعادلة الجديدة اصبحت سيطرة الأخيرة على لبنان والمنطقة بأسرها، الى اجل غير معروف، والى حين استعادة المقاومة في الدول المعنية المحيطة بها قوتها، وهي فترة زمنية قد تطول كثيراً.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|