العلاقات اللبنانية - السورية: من التاريخ المشترك إلى إعادة ترميم الثقة
لطالما اتسمت العلاقة بين لبنان وسوريا بخصوصية معقدة، تستمد جذورها من الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك، وتتشعب بتأثير التداخلات السياسية والتباينات في الرؤى والمصالح. فمنذ استقلال البلدين، لم تكن العلاقات بين بيروت ودمشق علاقة بين دولتين عاديتين، بل علاقة مشبعة بالحساسية، محكومة بمعادلات إقليمية ودولية، ومحمّلة بإرث ثقيل من التداخل الأمني والسياسي، لا سيما خلال الحرب الأهلية اللبنانية وما تلاها من وصاية سورية امتدت حتى عام 2005.
وقد مرت هذه العلاقات بمراحل متقلبة، من التنسيق الكامل إلى القطيعة، فالتطبيع الحذر. فبعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، دخلت العلاقات في نفق من التوتر، توج بانسحاب القوات السورية من لبنان تحت ضغط شعبي ودولي. ورغم تبادل التمثيل الدبلوماسي في العام 2008 لأول مرة منذ الاستقلال، إلا أن العلاقات بقيت متأرجحة، تشوبها الشكوك وغياب الثقة، لا سيما في ظل الانقسام اللبناني الداخلي حيال الموقف من النظام السوري، وتصاعد تأثير القوى الإقليمية والدولية في الداخل اللبناني.
زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام التي قام بها أمس إلى دمشق، على رأس وفد وزاري رفيع، تمثل محطة مفصلية في مسار إعادة ترميم العلاقات بين البلدين. فالزيارة، وإن تم تبريرها بملفات إنسانية واقتصادية وأمنية ملحة كملف النزوح السوري، والتهريب، وتنسيق المعابر، إلا أنها تحمل أبعاداً سياسية بالغة الدلالة، خصوصاً أنها تأتي بعد اكتمال عقد المؤسسات الدستورية في لبنان، وأوضاع إقليمية متوترة، وحاجة ملحّة إلى إعادة بناء جسور الحوار مع الجوار السوري.
الملاحظ في هذه الزيارة أنها تأتي بلهجة مختلفة عن تلك التي طبعت علاقة الحكومات السابقة مع دمشق، وتفتح المجال أمام مقاربة براغماتية للمصالح اللبنانية، من دون الغرق في الاصطفافات السياسية التقليدية. فالمقاربة الواقعية تفرض نفسها في ظل التحديات الوجودية التي يواجهها لبنان، بدءاً من الانهيار الاقتصادي، مروراً بأزمة النزوح، وليس انتهاءً بالخطر الأمني المحدق على حدوده الجنوبية.
وبينما تلقّت دمشق الزيارة بكثير بالترحيب، معتبرة إياها عودة لبنانية إلى "الاطار الطبيعي"، فإن الرأي العام اللبناني لا يزال منقسماً حيال هذا التقارب، وسط تساؤلات عن ما إذا كانت هذه الخطوة مقدمة لانفتاح أوسع على النظام السوري، أم أنها مجرّد مقاربة موضعية فرضتها الضرورات، من دون أن تحمل تحوّلاً جذرياً في السياسة الخارجية اللبنانية.
إن إعادة بناء العلاقات اللبنانية - السورية على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة تتطلب أكثر من زيارة رسمية؛ فهي تحتاج إلى إعادة صياغة متكافئة للعلاقة، تراعي استقلالية القرار اللبناني من جهة، وتستند إلى الشفافية والانفتاح السياسي من جهة أخرى. وحده الحوار الصريح، البعيد عن منطق الغلبة والإملاء، كفيل بإعادة ترميم ما تصدّع في العقود الماضية، وفتح صفحة جديدة تُعيد إلى العلاقة بعداً أخوياً حقيقياً، بعيداً عن الحسابات الضيقة والرهانات الخاسرة.
داود رمال - "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|