إبراهيم: التراجع أمام الضغوط أوصل لبنان إلى ما يعانيه اليوم من ضربٍ لأمنه واستقراره
ترامب يعالج “مماطلة” إيران… بالصدمة
تسعى واشنطن إلى تسريع المفاوضات مع إيران وتكليلها باتّفاق على مرحلتين: الأوّل “تمهيديّ” يُقرّ قبل نهاية حزيران يتضمّن الخطوط العريضة لاتّفاق لاحق نهائي مرتقب إنجازه قبل نهاية شهر أيلول.
أمّا إيران فغير مستعجلة، لا سيما أنّ رسالة الرئيس دونالد ترامب إلى بنيامين نتنياهو بعدم الإقدام على أيّ عمل عسكري ضدّها، قد وصلتها بوضوح. تفهم طهران جيّداً ما يدور في البحر الأحمر وعلى أراضي اليمن الشمالي، وما يحصل للحوثي، غير أنّها تتبع ما اعتادته مع الرئيس السابق جو بايدن عندما انخرطت وإيّاه في ثماني جولات من المباحثات طوال سنتين لم تؤدِّ إلى أيّ اتّفاق.
استراتيجية ترامب “مختلفة”
بين “جزرة” المفاوضات و”عصا” الحشد العسكري يختلف ترامب عن سلفه الذي أجرى مباحثات دبلوماسية طويلة “فاشلة” لعدم إرفاقها بإظهار قوّة أميركا العسكرية.
في اللقاء الأوّل في مسقط أبلغ وزير خارجية إيران عبّاس عراقتشي مبعوث الرئيس ترامب وصديقه ستيف ويتكوف بأنّه مخوّل الصلاحيّة من المرشد “وكلّ القوى الإيرانية الباقية”. وكان عراقجي “صادقاً” بهذا الشأن لأنّه خلال الأسبوع الأوّل من شهر نيسان نشر في صحيفة “واشنطن بوست” مقالاً اعتبر ضمن حيثيّاته أنّ “الرئيس ترامب رجل سلام” وعلى إيران ملاقاته. وللمفارقة، لم يُثر في الداخل، كما كان يجري في السابق، أيّ حملة تخوين ضدّه من الحرس الثوري أو من المتشدّدين، ولم يطوَّق بحملة “أميركا الشيطان الأكبر”.
بل على العكس، عندما أثار مدير صحيفة “كيهان” حسين شريعتمداري، المحسوب كما صحيفته على المتشددين، “ضرورة اغتيال ترامب للاقتصاص منه لاغتياله قاسم سليماني”، وجّهت له هيئة الصحافة الرسمية “تنبيهاً”، وأصبح التهجّم على ترامب في الإعلام “ممنوعاً”، وبدأ الترويج للمفاوضات الدبلوماسية.
“عدم نزع السّلاح” ورقة تفاوضيّة “ضعيفة”
تلمّست طهران خسارتها “حماس” و”الجهاد” وغزّة، وخسارتها لـ”الحزب” ودوره الإقليمي في الدفاع عن أراضيها بما هو قوّة إقليمية، وما نزل بها جرّاء سقوط نظام الأسد وخسارة “محور الممانعة” لسوريا، وتحييد “الحشد الشعبي” في العراق وتمنّعه عمّا يريده نظام الملالي، فتراجعت عن الكثير من شعاراتها وعمّا روّجت له من خطوط حمر.
لكن ليست صدفة أن يخرج السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني غداة كلام الأمين العامّ لـ”الحزب” نعيم قاسم “الرافض لتسليم السلاح”، بعد ساعات قليلة على كلام القيادي في “حماس” خليل الحيّة على “رفض حماس تسليم سلاحها”، ليقول “مشروع نزع السلاح مؤامرة واضحة ضدّ الدول”. تعلم طهران أنّ أوامرها بإصدار تصريحات كهذه لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع، فـ”لا سلاح “الحزب” يمكن تبريره بعد الآن في لبنان، ولا سلاح حماس موجود كما كان”.
كلّ ما في الأمر أنّ هذه التصريحات التي ترافقت مع مفاوضات روما لا تتعدّى كونها “شعارات تفاوضيّة”، والأميركيون “ليسوا أغبياء”. يعلمون ذلك تمام العلم. وقد قالها الرئيس الأميركي: “لست على عجلة لضربة عسكرية”، لكنّه لم ينفِها. إيران “ضعيفة” في هذه المفاوضات مهما حاولت الاستكبار. كلّ ما باستطاعتها هو تأجيلها وتأخير حصول الاتّفاق بعكس “ما يشتهي ترامب”.
إيران ضعيفة
لهذه الأسباب “ضعف” إيران واضح:
– تراجعت عن موقفها بأنّها لا تفاوض الشيطان الأكبر، وانتقلت إلى التفاوض مع واشنطن.
– ردّدت أنّها لن تتفاوض مع أميركا “تحت التهديد” والضغوطات القصوى، وذهبت إلى مسقط وروما والبوارج وحاملات الطائرات وقاذفات الـB52 تحيط بها من كلّ صوب.
– قالت طهران إنّها تختار الزمان المناسب لها للتفاوض، وجلست بسرعة فائقة إلى طاولة المفاوضات بعد تلقّيها رسالة ترامب التي نقلها المبعوث الرئاسي الاماراتي أنور قرقاش إليها والمتضمّنة “أحذّركم من رفض اليد الممدودة”.
– ردّدت إيران أنّها لن تفاوض إلّا من حيثما انتهى اتّفاق عام 2015، وأصبح المطروح حاليّاً البدء مجدّداً من الصفر في ما يتعلّق بالتخصيب والبرنامج الصاروخي ودعم الميليشيات، تحت المزيد من العقوبات القصوى وملاحقة سفن تهريب النفط. أبدت استعدادها بالموازاة لتخفيض التخصيب وتخفيض كمّيات اليورانيوم المخصّب والاستعداد لإعادة تسليمه لروسيا على الطريقة الليبية، وزيادة رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.
– يحلو لإيران التبجّح بأنّ المفاوضات غير مباشرة، فيما تراجعت من أوّل المباحثات حين التقى الوفدان وجهاً لوجه في مسقط، واجتمع عراقجي مع ويتكوف لمدّة 45 دقيقة.
– لم يتردّد الناطق باسم وزارة الخارجية في دعوة “ويتكوف إلى زيارة طهران”.
ترامب “متعاون” لكنّه ليس “ضعيفاً”
يعكس تعامل الرئيس ترامب مع طهران روحاً عمليّة. فهو وإن هدّد بالبدائل العسكرية المحتملة لا يبدي اهتماماً كافياً بمطالب نتنياهو. وقد سرّبت الإدارة في واشنطن “عدم إصرارها على كلّ المطالب، وعلى إمكان المساومة”. ومن بينها:
– لم يعد تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل مطروحاً، بل العودة إلى نسبة التخصيب المنخفضة التي حُدّدت عند نسبة 3.67 في المئة.
– ترامب يرفض أن تحصل إيران على سلاح نووي، لكنّه لا يرفض أن يكون لديها برنامج نوويّ سلميّ.
– يعود ترامب منفرداً ليتفاوض مع إيران، غير مبالٍ بصيغة “5+1”.
– أعلن ترامب أنّه لا يستهدف النظام الإيراني، بل يريد إيران المفيدة والمطيعة، ويتطلّع إلى الاستثمار في الأسواق الإيرانية، ويرغب بالحصول على المعادن التي تقدّر بحوالي 27 تريليون دولار.
– يرغب ترامب بحرمان الصين من مزايا اكتساب إيران حليفاً استراتيجيّاً لها بعد توقيع بكين وطهران على معاهدة مدّتها 25 عاماً.
صيغة انتصار
في الخلاصة يعلم ترامب أنّ لدى إيران ولعاً بالتفاوض بنفَس طويل، ومهارات في المساومات، وأنّ إيران لن تخوض بنفسها حرباً. ترامب “العمليّ” واضح في أنّه يريد “اتّفاقاً”، ولا يمانع الصيغة التي تروّجها طهران لجمهورها، وهي “صيغة انتصار”. فهذا “الانتصار” تعبير مثير لطهران كما لـ”الحزب”. ألم يقُل نعيم قاسم إنّ الاتّفاق الأخير مع إسرائيل هو “انتصار” أيضاً؟!
بكلمتين يقول ترامب للإيرانيين ضمنيّاً: وقّعوا وسمّوه انتصاراً إذا شئتم.
ترامب العمليّ تهمّه النتائج، وإيران “الضعيفة” يهمّها إظهار “القوّة لجمهورها”. تعلم أنّ أكبر انتصار قد تحقّقه قبل توقيع الاتّفاق هو “إطالة أمد التوصّل إلى توقيعه”. لكنّها تعرف الخطر الآخر وصبر ترامب. ستماطل إلى حين تشعر بسخونة الأميركيين.
بكلّ الأحوال أبقت واشنطن الباب مفتوحاً كما ورد في تصريح رئيس CIA: “في حال عدم شنّ هجوم واسع ضدّ إيران، سيكون بالإمكان تنفيذ عمليات تخريب سيبرانيّة ضدّ البرنامج النووي”، وهو ما يشير إلى أنّه ليست مؤكّدة الوجهة التي يسعى إليها ترامب، لكنّ المؤكّد أنّ إيران تعلم أنّ ترامب قد يمارس العلاج بالصدمة في أيّ لحظة.
هل سمعتم بانفجار الأمس في ميناء بندر عباس؟
بديع يونس - أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|