"ادعاء كاذب".. إيران تعلق على أنباء وقف التخصيب المؤقت لليورانيوم
جعجع – باسيل… هل يعرفان ماذا يفعلان؟
كان لا بد من جرعة في جزين تنعش شعبية جبران باسيل وتياره المتعثر، وكان لا بد أيضاً من رشقة ماء يصحو بها سمير جعجع الممنوع من أن يتحول مع حزبه المتصاعد الى مرجعية مسيحية وحيدة لا مكان لسواها في المجتمع المسيحي خصوصاً والسيادي عموماً.
فالمطلوب ألا يلتقي هذا الثنائي حول أي قضية سواء كانت مسيحية أو سياسية أو وطنية، ولا أن يتفوق أحدهما على الآخر على غرار ما حدث خلال حرب الالغاء التي قاتل فيها الطرفان بشراسة استنزافية قلّ نظيرها فتحت الطريق أمام الجيش السوري نحو قصر بعبدا حيث خلع ميشال عون ونفاه الى باريس، ونحو غدراس حيث أوقع بسمير جعجع وأودعه السجن.
العدوان المسيحيان لا يزالان هما نفسيهما لكن العدو تغير وانتقل من قصر المهاجرين بعد سقوط آل الاسد، الى طهران التي تعمل من خلال “حزب الله” منفرداً في مكان ومتحالفاً مع حركة “أمل” في مكان آخر، لاستيعاب “التيار الوطني الحر” كلما لمس تحولاً سياسياً سلبياً لديه، وتعزيز موقفه في كل مواجهة يخوضها مع “القوات اللبنانية” في أي منطقة من لبنان بدءاً من النهر الكبير الجنوبي وصولاً الى الناقورة، اذ ان الوصول الى أيار المقبل، أي موعد الانتخابات النيابية المقبلة، يحتاج الى حليف مسيحي، ولا سيما في المناطق المختلطة لتأمين أمرين، الأول منع المعارضة الشيعية من تسجيل أي اختراقات، والثاني الوصول الى كتلة نيابية شيعية ممانعة تبقي “الثنائي” ممسكاً بمفتاح المجلس النيابي من جهة، وتعزز موقعه في أي مفاوضات تتعلق بمستقبل السلاح ومصالح بيئته من جهة ثانية.
وليس سراً في هذا المجال أن “حزب الله” لن يسلم سلاحه لأي قوة رسمية أو عسكرية لبنانية وهو ما أكده الشيخ نعيم قاسم في الأمس يساعده في ذلك امتناع السلطة السياسية عن تبني أي خيار صدامي من جهة، وبقاء اسرائيل في النقاط الخمس من جهة ثانية، اضافة الى عدم وجود أي نية أميركية حتى الآن على الأقل، لاطلاق يد الجيش الاسرائيلي مجدداً في لبنان واستكمال المهمة التي تشبه ما يفعله في غزة.
وليس سراً أيضاً أن “حزب الله” يعرف تماماً أن التباطؤ الرسمي في موضوع السلاح يصب في مصلحته أولاً، ويعزز ثانياً موقف ايران في المفاوضات النووية مع أميركا، ويسحب ثالثاً الملف اللبناني تدريجاً من اهتمامات العالمين الغربي والعربي، وهي أمور تبشر بالتالي باحتمال عودته بقوة الى دوائر القرار في لبنان وتنظيم صفوفه من جديد.
وليست نتائج الانتخابات البلدية في معاقله الجنوبية والبقاعية الا الدليل الأسطع على مدى حرصه على التفرد بالقرار الشيعي وحمايته من أي اختراقات شيعية أو شيعية – مسيحية أو شيعية – سنية أو مسيحية – سنية.
من هنا، يمكن فهم الحرص الذي قاده الرئيس نبيه بري بالتنسيق مع الحزب لتعويم جبران باسيل في جزين في محاولة يأملان في أن تكون مقدمة لاسترجاع نواب المدينة من كتلة “الجمهورية القوية”، وفي تعويم “التيار” في مواجهة حزب “القوات اللبنانية” الذي بدأ يواجه باكراً سلسلة تحالفات متنوعة تهدف الى لجم اندفاعته وتحجيم قيادته.
أمام هذا المشهد لا بد من السؤال: هل انتهى الأمر وفقد لبنان فرصة بناء دولة قوية بعيداً من أي قوى عسكرية غير شرعية سواء كانت لبنانية أو فلسطينية “جهادية”؟
الجواب يكمن في ملفات ومخارج عدة بعضها ممكن محلياً وبعضها يحتاح الى دفعات خارجية عربية وأميركية، اضافة الى تطورات عسكرية لم تصل الى خواتيمها بعد.
في الملفات المحلية التي يمكن أن تحبط ما يخطط له الثنائي الشيعي على المستوى السياسي، قيام ثنائي مسيحي لا بل ثلاثي يضم “القوات” و”التيار” و”الكتائب” يشبه “الحلف الثلاثي” الذي ضم في آخر ستينيات القرن الماضي كميل شمعون وبيار الجميل وريمون اده وحصد أكثرية المقاعد النيابية المسيحية في مواجهة الهيمنة الشهابية ومخابراتها، وقيام ثنائي مسيحي – سني – درزي يشبه ما جرى في “الرابع عشر من آذار”، وعودة تيار “المستقبل” الى الساح السياسية في بيروت والشمال والبقاع والجنوب لقطع الطريق على سنة الممانعة الذين تحولوا بيضة قبان للثنائي الشيعي في مفاصل جوهرية عدة، وهو ما ألمحت اليه بهية الحريري خلال الادلاء بصوتها في صيدا.
وذهبت مصادر ديبلوماسية غربية بعيداً في هذا المشهد الى حد القول، ان ثمة محاولات عربية – غربية لانتاج ما يشبه “ثورة الأرز” للضغط على الحزب والسلطة معاً، وتأمين غالبية سيادية تأخذ على عاتقها تشريع العمل لسحب السلاح غير الشرعي، وترتيب العلاقات الملتبسة مع النظام الجديد في سوريا، وتطبيعها مع الدولة العبرية تماهياً مع موجة التطبيع العربية – الاسرائيلية المتسارعة.
وأضافت المصادر أن مثل هذه الكتلة يجب أن تكون قائمة في مواجهة “حزب الله” سواء توصل الأميركيون الى اتفاق مع ايران عبر النزال أو التوافق، مشيرة الى أن لبنان سيكون معنياً بهذين الخيارين ومضطراً حكماً الى مواجهته من منطلق سيادي راجح.
ولم تستبعد المصادر أن يعمد الأميركيون الى اطلاق ما تيسر من مغريات لضم “التيار” الى الحلف المسيحي المنشود حتى لو اضطروا الى نزع العقوبات عنه، قائلة ان من يفك العقوبات عن أحمد الشرع لن يصعب عليه فكها عن جبران باسيل اذا اقتضت المصلحة ذلك.
الواضح أن “حزب الله” يعرف ذلك ويعمل فوق الطاولة وتحتها لاحباط ما يحاك ضده أو الحد من أضراره، مستغلاً أولاً في الشارع المسيحي كمية التراكمات الحاقدة بين جعجع وباسيل ومدى الاصرار على المضي بها حتى النهاية، ومستغلاً ثانياً حال التباعد المسيحي – السني الذي تجلى خصوصاً في الانتخابات البلدية في العاصمة، ومستغلاً ثالثاً مدى قدرته الأمنية على ترويع المعارضين الشيعة ومنعهم من التمدد والتأثير، ومستغلاً رابعاً مدى التحام نبيه بري ببيئته سواء طوعاً أو قسراً.
من هنا، يمكن فهم ما جرى في جزين، ليس من زاوية الرابح والخاسر، بل من زاوية العرّاب الشيعي الذي “يضحك في عبه” من جديد هامساً أمام أعوانه أنه نجح في استعادة “الابن الشاطر” أي جبران باسيل، وتحجيم “الابن العاصي” أي سمير جعجع في انتظار ما قد يخرج من مئذنتي مسقط وروما ومن أنفاق غزة، وما يمكن أن يفعله سعد الحريري، وما يمكن أن يفعله وليد جنبلاط الخائف من أن تقع طائفته في سوريا بين خيارين، اما نظام أصولي لا يشبهها واما دولة عبرية لا تريدها.
انها العودة التدريجية الى ما قبل الثامن من أكتوبر بالنسبة الى “حزب الله”، فهل ينجح الآخرون في التمترس خلف القرار ١٧٠١ أم يواصلون سياسة السلحفاة في ميدان يعج بالخيول الجامحة؟
أنطوني جعجع - لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|