سلام خيّب آمال بري... والخبر اليقين عند عون
اذا كان ثمة انقسام بين من اعتبر التصريحات الاخيرة للمبعوث الاميركي توم براك، كـ "ضوء اخضر" لشن عدوان جديد على لبنان، وبين آخرين اعتبروها مجرد "ثرثرة" من قبل رجل يشبه رئيسه في اطلاق المواقف المتناقضة، فان وقعها داخليا لا يحتمل الكثير من التاويلات، اقله لدى "الثنائي الشيعي". فقد خيب رد الفعل الصادر عن رئيس الحكومة نواف سلام على تصريحات براك، آمال الرئيس نبيه بري بحصول تحول ولو شكلي في مواقف الرئاسة الثالثة من القضايا الجوهرية التي تمس جوهر السيادة اللبنانية، واكتفاء سلام بالتعبير عن استغرابه "لزوم ما لا يلزم"، وكان افضل لو لم يعلق ، وفق مصادر مقربة من "عين التينة"، لان الرد الخجول يعزز الانطباع العام السائد بوجود استسلام كامل لمزاجية مسؤولي الادارة الاميركية الذين لا يجدون انفسهم معنيين، بمراعاة الموقف الرسمي اللبناني وانتقاء عبارات ديبلوماسية لا تحرج بعض المسؤولين الذين يحاولون جاهدين تزيين السياسة الاميركية واعطاءها بعدا ايجابيا، الا ان اصدقاء ترامب الذين يقودون الجسم الديبلوماسي، ومنهم براك، يشبهون رئيسهم في فظاظته وعدم الاكتراث لـ "ماء وجه" الحلفاء، ولهذا يقول ما يقوله دون مواربة ناسفا سرديتهم المنمقة حول ملف "حصرية السلاح" الذي لن يحصل لبنان مقابل تنفيذه على اي ضمانات اقتصادية او امنية، بل كل ما في الامر خضوع، واستسلام، واملاء لشروط لم يعد بالامكان التحايل عليه او محاولة تجميلها. فهل يمكن الرد على ما قاله براك، وفيه اهانة للجيش، والحكومة، والشعب اللبناني بمجرد "استغراب"؟
هذا الموقف الضعيف من قبل رئيس الحكومة، المستنفر بكل حواسه لقيادة معركة "الصخرة"، سيترك المزيد من الندوب على العلاقة مع "الثنائي الشيعي" الذي لم يعد يراهن على تصحيح سلام لمسيرة عدائه المفرط، لبيئة المقاومة، وهو يثبت كل يوم انه غير معني بجسر الهوة معها، بل يزايد على الآخرين وياخذ "بصدره" التصدي لملفات لا تعنيه من قريب او بعيد، فقط لاثبات جدارته في هذه المواجهة، وما لم يطرأ تحولا نوعيا في الموقف السعودي، يجبره على التراجع "خطوة الى الوراء"، فان "الكباش" السياسي يتجه تصاعديا، وبات واضحا انه سيكون جزءا من الحرب المستعرة لاضاعف "الثنائي" في انتخابات ايار 2026، ولن يتوانى عن استخدام صلاحياته ونفوذه في هذا السبيل. و "المشاغبة" غير القانونية على اضاءة صخرة الروشة، نموذج "ساذج" عما سيحصل لاحقا.
ولهذا ثمة الكثير من الريبة بما قد يقدم عليه رئيس الحكومة، "فالثنائي" كان يظن ان تصرفاته سببها انه عديم الخبرة في تفاصيل المشهد اللبناني، ويتعامل بسذاجة مع ملفات شديدة الخطورة والحساسية، ولهذا يرتكب الاخطاء، اما اليوم فالقناعة باتت راسخة بانه يتصرف "بسوء نية"، وهذا ما يزيد المخاطر من ارتفاع حدة التوتر السياسي في المرحلة المقبلة، خصوصا اذا ما برر سلام تحركاته بالضغوط الدولية التي يبدو مستسلما لها. ولهذا يبدو الرئيس بري قلقا وهو يخشى من "شياطين" داخلية وخارجية تعمل على تخريب الاتفاق الذي عمل مع الرئيس عون على نسجه عشية جلسة الخامس من ايلول، ونجحا في تنفيس الاحتقان في البلاد، ولا توجد اي ضمانات بألا يكون رئيس الحكومة جزءا من "ادواتها".
وفي هذا السياق، ينتظر الرئيس بري عودة رئيس الجمهورية جوزاف عون من نيويورك لمحاولة فهم حقيقة الموقف الاميركي في ضوء تقلبات مواقف براك الاخيرة، وعلم في هذا السياق، ان الرئيس عون تلقى "بانزعاج" شديد مقابلة المبعوث الاميركي، شكلا ومضمونا، وهو يعتبرها احراجا علنيا للعهد الذي لم يخف قط موقفه في التدرج لتطبيق خطة "حصرية السلاح" مراعاة للوضع الداخلي اللبناني الدقيق جدا، وهو ما تم ابلاغه للاميركيين، وابدوا نوعا من التفهم الضمني، في ضوء ادراكهم لتعقيدات الساحة اللبنانية، وايضا لقدرات المؤسسة العسكرية، وليس مفهوما اسباب هذا "التقريع" العلني من قبل براك، فيما كان الرئيس يجري محادثات مع وزير الخارجية الاميركي مايك روبيو الذي لم يبلغ الرئيس باي تغييرات جوهرية بالسياسات الاميركية. وهو امر يفترض ان يكون تمت مناقشته في اللقاء الذي عقد بين الرئيس عون وكل من براك مورغان اورتاغوس في نيويورك. ولهذا فان ثمة انتظارا لعودة الرئيس الى بيروت "ليبنى على الشيء مقتضاه" حيال كيفية التعامل مع المستجد الاميركي، اذا كان جديا، وليس مجرد "كلام فارغ" اعتاد براك اطلاقه، وهو لا يفوت فرصة الا ويؤكد فيها انه لا يفهم حقيقة الواقع في لبنان والمنطقة، ووجوده في مركز القرار لا يرتبط بكفاءته، وانما بعلاقته الشخصية مع الرئيس ترامب.
وفي الانتظار، يرتقب ان يلتقي عون مع بري لدى عودته لاطلاعه على اجواء زيارته الى نيويورك، والهم الاساسي لدى رئيس المجلس سيبقى ابعاد الفوضى عن الداخل اللبناني، وعدم السماح بعودة الامور الى "نقطة الصفر"، اما الخطر الاسرائيلي فيبقى قائما، ولا بد من الحذر الشديد، لما يمكن ان يكون عليه المشهد اثناء وبعد عودة رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو من نيويورك ولقائه الرئيس ترامب. وفي هذا السياق، لا تعويل ابدا على اي ضمانات اميركية في ظل الدعم المطلق من قبل الرئيس الاميركي لحكومة اليمين الاسرائيلية التي تنفذ استراتيجية مشتركة مع الاميركيين للهيمنة على المنطقة. "ومين جرب مجرب كان عقلوا مخرب"...
ابراهيم ناصر الدين - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|