الصحافة

إيران : تغيير في التكتيك لا في الاستراتيجيا؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أمّا وأننا، ربما لسنوات، داخل الزلزال الأميركي، ولا ندري أين ستكون رؤوسنا بعد حين (نحن الحيوانات الصغيرة التي تدوسها الفيلة). أين هي ايران كدولة مركزية في المنطقة، والتي تضاءل دورها الجيوسياسي على نحو دراماتيكي في الآونة الأخيرة، بفعل التداعيات الكارثية للحرب على لبنان، وانتقال سوريا، وهي حلقة الربط، من حال الى حال؟

بطبيعة الحال، لا يستطيع أي رئيس ايراني، سواء كان اصلاحياً أم محافظاً، أن يتقمص شخصية رجب طيب اردوغان الذي يمثل ذروة الزبائنية، بالبحث عن ذلك الدور الضائع الذي يوصله الى قبعة السلطان أو الى عمامة الخليفة. ها أن عراب "الاخوان المسلمين" الذين كرسوا أنفسهم هذه المرة، النيوانكشارية في خدمة النيوعثمانية، يشهد احتفال شرم الشيخ بتجريد حركة "حماس" حتى من عظامها، بعدما تحولت غزة الى هيروشيما القرن، بل وأكثر من ذلك بكثير، ليبدأ دونالد ترامب، كمقاول محترف، في جعلها "ريفييرا الشرق الأوسط".

مسافة ايديولوجية تفصلنا عن ايران، والآن يهلل الكثيرون للاتجاه الى الغاء قانون الزام المرأة بارتداء الحجاب، كونه يعكس بداية تغيير في المسار التاريخي للثورة، أي أن نصف المجتمع بات خارج التعليب الايديولوجي، فيما تعاني شعوب المحيط كمخلوقات بشرية، من التعليب السياسي والتعليب القبلي، ناهيك بالتعليب الطائفي بأبشع مظاهره، للبقاء هكذا تحت خط الزمن، بل... وتحت خط الحياة!

قطعاً لا ننسى ما فعلته ايران للبنان ابان الاحتلال للجنوب، والى حد التفكير بالحاقه "باسرائيل"، على غرار ما حصل للجولان السوري، لولا أن ظهر حزب الله  الذي وفرت له طهران المال والسلاح والتدريب، وحتى الديناميكة الايديولوجية، لتمكينه (والدولة غائبة كلياً وكذلك العرب) من اجتثاث كل أثر للأقدام الهمجية، ما جعل مناحيم بيغن الذي قال "ان العالم لا يشفق على المذبوحين لكنه يحترم المحاربين"، يلتف ببطانية الصوف بانتظار اليوم الأخير، ليدخل شريكه آرييل شارون في الغيبوبة الصغرى، قبل أن ينتقل الى الغيبوبة الكبرى.

منذ البداية كان كلام للايرانيين، أن الأميركيين أقاموا سورا حول المنطقة. لا مجال لأي مشروع جيوسياسي أو جيوستراتيجي اقليمي فيها، منذ اطلاق "مبدأ ايزنهاور" عام 1957  لـ"ملء الفراغ في الشرق الأوسط"، بالتفريغ المنهجي لكل الدول العربية في المحيط من عوامل القوة، وحتى من مقومات الدفاع عن النفس. هكذا بات "الصراع العربي ـ الاسرائيلي" بمثابة الكوميديا الكبرى داخل تلك التراجيديا الكبرى.

جهات صديقة نصحت الايرانيين بانتهاج الطريق البراغماتي، في التعاطي مع أميركا بالقواعد العسكرية ان على ضفاف الخليج أو على ضفاف قزوين، ومع اعتبار أننا في زمن العولمة، وحيث حل التفاعل بين الأسواق، محل التفاعل بين الحضارات، ليغدو المسار الفلسفي للقرن. ولكن كيف لايران أن تكون على شاكلة "الغلام العثماني" في الحرملك الأميركي؟

ايران لا تستطيع أن تكون كذلك، وآية الله خامنئي كمرشد للجمهورية، لا يستطيع أن يكون الشاه محمد رضا بهلوي. لكنها بالتأكيد تستطيع أن تحد، وكما كان يدعو محمد جواد ظريف، من التأثير الايديولوجي وايضاً التأثير العسكري، في صياغة مسارها الديبلوماسي أو حتى في مسارها الاستراتيجي، بعدما لاحظنا أن دونالد ترامب لا يريد فقط الحد من دورها في الشرق الأوسط فحسب، بل وعلى الأرض الآسيوية، بمشاركة بلاده في مشروع تأهيل مرفأ "باسني" الباكستاني، كمنافس لميناء تشابهار الايراني الذي يربط بين الهند وآسيا الوسطى.

هذا الاتجاه ينسحب على القوقاز أيضاً. الولايات المتحدة تتبنى مشروع "ممر زغزور" الذي تدعمه تركيا، التي هاجسها أن تكون زعيمة "العالم التركي"، وحتى داخل روسيا (11 مقاطعة بحكم ذاتي) وداخل الصين (مقاطعة شينغيانغ أي تركستان الشرقية). وهذا ما يحرم ايران من دورها كنقطة اتصال وتواصل بين القوقاز والشرق الأوسط، ما حملها على اعادة تأهيل "ممر آرسي" الذي يعتبر جسراً محورياً بين الممرات العابرة بين الشرق والغرب، اضافة الى كونه يشكل "حالة استراتيجية" في حال اندلاع أي صراع على الأرض الآسيوية.

ترامب الذي يريد للشرق الأوسط أن يكون كـ "المنتجع الاستراتيجي" لبارونات أميركا (والغرب) أو لجنرالات أميركا، لا يمكن أن يحقق ذلك بوجود التوتر بين واشنطن وطهران، بعث بأكثر من اشارة الى ايران ، شكرها على ترحيبها بوقف النار في غزة، ودعاها الى حضور قمة شرم الشيخ، فيما أعلنت ايران ترحيبها بأي مقترح نووي أميركي عادل ومتوازن.

لكن الأكثر اثارة هنا، تصريح فلاديمير بوتين "اننا تلقينا اشارات من القيادة الاسرائيلية بأنها غير معنية بالتصعيد، وهي تسعى الى تسوية والى توافق في العلاقات، دون أن تكون مهتمة بالصراع مع الايرانيين".

والواقع، لا مجال للرهان على أي تغيير جذري في الموقف الايديولوجي أو الاستراتيجي لايران. ولكن لا بد من احداث تغيير في التكتيك، الذي لم يعد صالحاً للمرحلة. على الأقل ريثما يبدأ الزلزال الذي يضرب الشرق الأوسط، وهو في ذروته الآن، في التراجع...

هذه جدلية التاريخ، بل وحتمية التاريخ، فكيف الحال بذلك الأمبراطور الذي لا يعرف ما هو الشرق الأوسط، وحيث ولدت الأساطير والأديان، وحيث مات الآلهة والأباطرة!!

نبيه البرجي -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا