حزب الله واليونيفيل: تاريخ من انعدام الثقة والمواجهات المقنّعة
ليس جديداً مشهد اعتداء عناصر غير منضبطة من حزب الله على القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، اليونيفيل.
في معظم الاحيان كان بعض هذه الاعتداءات مبرمجاً مقصوداً، وفي أحيان أخرى كان يتم الايحاء بأنها عفوية. في كلا الحالتين، هدف حزب الله واحد: تطويق وترهيب الجهة التي تزاحمه في الساحة التي أحكم السيطرة عليها منذ تحرير الجنوب في العام 2000، وانسحاب الجيش الاسرائيلي وانتشار محدود الصلاحيات للجيش اللبناني جنوباً. وزاد تضييق الحزب على اليونيفيل منذ تعزيز عديدها وتوسيع رقعة انتشارها في الجنوب بعد حرب تموز العام 2006.
اليونيفيل والقرار 425
يعود وجود القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان إلى العام 1978، عندما أسست قوة دولية تابعة للامم المتحدة أسندت اليها مهمة مؤقتة في جنوب البلاد بموجب قرار مجلس الامن الدولي 425. هو القرار الشهير الذي رفضت اسرائيل تطبيقه وأبقت على احتلالها الجنوب. كان حدّد إطار عمل هذه القوة الأممية المؤقتة لناحية "التحقق من انسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة السلام والأمن الدوليين، ومساعدة حكومة لبنان على تأمين عودة سلطتها الفاعلة إلى المنطقة". لكن اسرائيل التي لم تحترم منذ تأسيسها أياً من المواثيق الدولية، ومن بينها القرار 425.
استمرار الاحتلال في الجنوب منذ العام 1978 والاجتياح الاسرائيلي في العام 1982، غيّر الموازين العسكرية.
وقتها بدأت حركة مقاومة جديدة تتقدم المشهد، مقصيّة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمّول"، فكان حزب الله- المقاومة الاسلامية في لبنان. مقاومة خرجت من رحم حركة أمل التي أسسها الإمام موسى الصدر.
في العام 1983، بدأ حزب الله عمله العسكري المقاوم لاسرائيل. لكن جيش الاحتلال لم يكن وحده هدفاً له، إنما أيضا القوات المتعددة الجنسيات التي انتشرت في لبنان في خلال الحرب اللبنانية، وكان أبرزها تفجير مقر المارينز الاميركي والقوات الفرنسية في بيروت، الذي أدى الى مقتل أكثر من 300 جندي أميركي وفرنسي. هذا التفجير جعل المجتمع الدولي يتنبه أكثر لخطورة حزب الله وقدراته التي بدأت تتطور، وكان خلفها الحرس الثوري الإيراني وتمويل النظام في طهران.
استمر تصاعد عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي لسبعة عشر عاما، حتى انسحبت إسرائيل من الجنوب في العام 2000. دخل حزب الله الجنوب من بوابته العريضة. بسط نفوذه سياسياً واجتماعياً وشعبياً وحتى عسكرياً، وإن كان بشكل غير ظاهر، على الرغم من انتشار الجيش اللبناني في مواقع محددة واستمرار اليونيفيل بمهامها وتوسيع نشاطها ضمن مهمة حفظ السلام في الجنوب بعد تحديد الخط الازرق.
الحرب الثانية والقرار 1701
اتسعت مهام اليونيفيل بعد حرب تموز 2006 بموجب القرار 1701 الذي أوقف حرب إسرائيل الثانية على لبنان والتي أتت رداً على عملية خطف جنديين اسرائيليين بعملية نوعية نفذها حزب الله. هذه المهام أقلقت حزب الله على الرغم من قبوله بالقرار الذي أوقف حرب الـ33 يوما.
غالبية الأوقات كانت علاقة حزب الله باليونيفيل متوترة. اعتبر الحزب أن القوة الدولية تمثل أداة للغرب لمراقبته والحد من قدراته، بينما كانت الأمم المتحدة تعتبر أن قوة حفظ سلام تعمل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن.
لم يعلن حزب الله مسؤوليته عن الاعتداءات التي كانت تتعرض لها قوات اليونيفيل في الجنوب. لكنه كان المتهم الاول، إما بغضّ الطرف عنها أو بالوقوف خلفها عبر مجموعات محلية محسوبة عليه، لفرض معادلة ردع ومنع أي محاولة للمساس بمناطق نفوذه في الجنوب.
اعتداءات كثيرة تعرضت لها اليونيفيل، كان أخطرها الاعتداء على دورية اسبانية في تموز العام 2007 الذي أدى الى مقتل ستة جنود إسبان. وقتها لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجير، لكن أصابع الاتهام وجهت الى مجموعات متشددة أو مقربة من حزب الله، لكون الحزب هو، بحكم ألأمر الواقع، الجهة الممسكة بالارض في الجنوب. استهداف الدول المشاركة في اليونيفيل طال أيضا الكتيبة الفرنسية موقعاً اصابات في صفوفها في تموز وكانون الاول العام 2011.
استمرت الاحداث المتفرقة ضد قوات اليونيفيل واعتراض دورياتها والاعتداء على عناصرها بذرائع مختلفة طيلة السنوات الماضية في مناطق نفوذ حزب الله، في محاولة مستمرة للحد من حركة القوة الدولية وحجب أنظارها عما يجري في تلك المناطق حيث كان نفوذ حزب الله وبناء ترسانته العسكرية يتمدد ويتطور.
وبعد حادثة الكتيبة الاسبانية في العام 2007، قتل جندي من الكتيبة الايرلندية إثر هجوم مسلح على دورية اليونيفيل قرب بلدة العاقبية في كانون الاول 2022. وكما في كل مرة، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الاعتداء، لكن الاتهامات وجهت الى عناصر قيل إنها غير منضبطة تابعة لحزب الله.
بعد حرب الـ 66 يوماً
ما حصل على طريق المطار من اعتداء وضرب وحرق لآلية اليونيفيل، وتكرر في يوم الاعتصام الذي دعا اليه الحزب على طريق المطار أيضا احتجاجاً على منع الطائرة الايرانية من التوجه الى مطار بيروت، لم يستغربه من يتابع تاريخ علاقة الحزب وبيئته مع القوات الدولية في الجنوب، لاسيما بعد حرب تموز 2006 .
بموجب القرار 1701 منحت اليونيفيل التي ارتفع عدد الدول المشاركة فيها الى 49 ، صلاحيات أوسع لمراقبة وقف اطلاق النار ومنع تهريب السلاح. الامر الذي اعتبره حزب الله تضييقا على نشاطه العسكري وعملياته ضد اسرائيل، كما تهديداً وكشفاً لتحركاته وانتشاره الذي اتسع وأصبح يوازي بقوته، قوة الجيش واليونيفيل أكان تحت الارض في الانفاق التي بناها تحت عشرات القرى والبلدات الحدودية والتي فجرها الجيش الاسرائيلي في الحرب الاخيرة ومعها فجر تلك القرى والبلدات، أو فوق الارض باستهداف وجوده الذي كان يتلطى خلف تسميات مختلفة لجمعيات اجتماعية أهلية، أو بيئية كأخضر بلا حدود التي استهدفت كل مراكزها في الحرب.
دائما كان حزب الله ينظر بعين الريبة الى دور القوات الدولية في الجنوب، ويعتبر أنها متواطئة مع اسرائيل في "التجسس" على نشاطه وكشفه للعدو.
صحيح أن حزب الله لم يعلن يوماً استهدافه اليونيفيل أو رفضه لوجودها في الجنوب وتوسيع مهامها على طول الخط الازرق، وعلى الرغم من خروج أصوات من بعض قيادييه منددة بالاعتداء على اليونيفيل على طريق المطار، إلا أن البيئة الشعبية المؤيدة للحزب لا تتحرك الا بايعاز أو إيحاء مباشر أو غير مباشر منه.
بعد التحرير في العام 2000، كان حزب الله سيد الساحة الجنوبية على الرغم من وجود اليونيفيل والجيش اللبناني.
بعد العام 2006، أصبحت اليونيفيل التي عزز عديدها ووسعت صلاحياتها تزعج الحزب وتقلقه.
بعد حرب الستة وستين يوماً، راكم حزب الله العديد من الخسائر، بدءا من اغتيال الامين العام السيد حسن نصر الله الى بدء نزع سلاحه مصدر قوته، بعدما فتح جبهة الاسناد في الثامن من تشرين الاول العام 2023.
اليوم حزب الله الذي وافق على آلية تنفيذ القرار 1701 من خلال اتفاق وقف اطلاق النار، لا يتقبل حتى الان أنه فقد السيطرة على ساحته، أقله عسكريا، وأن الجيش اللبناني واليونيفيل حلا محله.
حالة انعدام ثقة هي التي تسود ما بين حزب الله من جهة ومن جهة اخرى اليونيفيل وخلفها العديد من الدول التي تنتمي اليها وحدات قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان. بعض هذه الدول تضع حزب الله على لائحة التنظيمات الأرهابية وبعضها كانت له مواقف مؤيدة لإسرائيل في حربها على لبنان. كيف يمكن البناء على ارضية مشتركة بين صاحب الارض وبين مجتمع ودول تؤيد حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها. إشكالية من الصعب القفز فوقها في وقت تحاول فيه الدولة اللبنانية التصدي لأزمات أكبر منها ومن قدراتها الذاتية على الخروج منها وتخطيها.
ندى أندراوس - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|