إقفال طريق عيون السيمان – البقاع أمام الشاحنات السبت.. والسبب؟
جنوب الليطاني أرض الاختبار: تقرير الجيش فاتحةٌ لمسار معقّد
في خضمّ التعقيدات السياسية والأمنية التي تخيّم على لبنان، يتقدم التقرير الذي يشرح سريان خطة الجيش اللبناني لحصرية السلاح ويشكل محوراً أساسياً في رسم ملامح المرحلة المقبلة. ففي الخامس من أيلول، أعلن عن خطة وُضعت بعناية وأُحيطت بهالة من السرّية، لتكون مرجعاً ومعياراً في مقاربة ملفّ حسّاس يرتبط مباشرةً بسيادة الدولة ومصيرها. وقد استقبلت الحكومة هذه الخطة بترحيب واضح، مقرونةً بقرارٍ يفرض الإبقاء عليها طيّ الكتمان، مع الاكتفاء بتقارير شهرية يرفعها الجيش لتبيان مدى التقدّم في التنفيذ. وبين ترحيبٍ هنا واعتبارٍ للانتصار هناك، برز مشهد لبناني مألوف: كل طرفٍ يقرأ الاتفاق بعينه، ويُسقط عليه حساباته، فالثنائي رأى فيه انتصاراً سياسياً يمحو ما سبق من وقائع، فيما اعتبر المعارضون أنّ اللحظة تشكّل بدايةً فعلية لتكريس مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة. ومنذ ذلك الحين، انشدّت الأنظار، داخلياً وخارجياً، إلى التاريخ المحدّد لرفع التقرير الأول، بوصفه اختباراً لجدّية الالتزام وميزاناً يقاس به مدى الصلابة أو التراخي في مواجهة التحديات. وهنا تبرز الأسئلة الكبرى: هل استطاع الجيش أن يخطو خطواتٍ ملموسة في جنوب الليطاني ضمن المهلة المحدّدة؟ وهل واجه عراقيل تتصل بحزب الله وامتداداته الشعبية؟ ثم كيف تعامل مع الاعتداءات والخروقات التي تهدّد سلامة الخطة؟ والأهم، هل سيكون ما سيُقدَّم كافياً لإرضاء الحكومة في الداخل، وطمأنة القوى الدولية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية في الخارج؟
جنوب الليطاني… ساحة الإختبار الأول
منطقة جنوب الليطاني هي المنطقة الوحيدة التي لا يشكّل فيها بسط الجيش اللبناني سيطرته الأمنية أي استفزاز مباشر لحزب الله، ذلك أنّ الاتفاق الذي يُعَدّ الحزب ركناً أساسياً فيه، نصّ بوضوح على أن هذه المنطقة ستكون خالية من أي وجود له، تاركاً المجال كاملاً للجيش اللبناني ليتحمّل منفرداً مسؤولية الأمن هناك. وقد جدّد الحزب أكثر من مرة التزامه بهذا الانسحاب، مؤكداً أنّه لن يكون له أي حضور عسكري في تلك البقعة.
وفي هذا الإطار، وقبل أيام قليلة من صدور التقرير الأول، يؤكد مصدر عسكري لـ"المدن" أنّ الجيش اللبناني أنجز ما كان قد خطط له كبداية في هذه الرقعة الجغرافية، حيث انتقل من مرحلة المعاينة المحدودة للمناطق التي كان يتم تبليغه بها من قوات الطوارئ الدولية، إلى مرحلة المسح الميداني الشامل لكل القرى الواقعة في منطقة جنوب الليطاني. وقد تمكن من السيطرة على المنشآت والأسلحة، وتمركز في نقاط عديدة لتأمين أوسع انتشار ممكن في هذه المنطقة. ويشير المصدر إلى أنّ الخطة شملت كامل القطاعات: الغربي، والشرقي، والأوسط، وأنّ الجيش أنجز ما كان قد تعهّد به أمام الحكومة اللبنانية. إلا أنّ الحاجة ما زالت قائمة للمزيد من الوقت من أجل الانتهاء من هذه المنطقة وتأمينها بشكل كامل، حيث يرتبط ذلك بالمهلة الزمنية المحددة حتى نهاية هذا العام، أي ما بين 25 و31 كانون الأول المقبل. ويضيف المصدر أنّ سرية إضافية من فوج الهندسة ستصل إلى الجنوب لتسريع وتيرة العمل، إذ إنّ الاعتماد سابقاً كان على سرية واحدة فقط، وهو ما تبيّن أنّه غير كافٍ لمجاراة حجم المهمة وتعقيداتها.
الخروقات الإسرائيلية… عائق الانتشار
غير أنّ المصدر يلفت إلى أنّ هذا الإنجاز يبقى رهناً أيضاً بتعامل العدو الإسرائيلي وانسحابه، قائلاً: «لو كانت إسرائيل خارج حدودنا، لأنجز الجيش انتشاره كاملاً في غضون شهر واحد فقط». لكنّ الخروقات والاعتداءات المتواصلة من جانب العدو تعطل عمل الجيش وتفرض واقعاً معقداً يعرقل تنفيذ الخطة بالسرعة المرجوة.
وعن احتمال وقوع صدام بين عناصر الجيش اللبناني ومناصري حزب الله في تلك القرى، خصوصاً أنّها تُعرف بتبعيتها الشعبية للثنائي "أمل – حزب الله"، يؤكد المصدر أنّ عناصر الجيش يقومون بدورياتهم بشكل طبيعي، وبمؤازرة المخابرات، من دون أن يتعرضوا لأي حادث أو اعتراض يُذكر. ويضيف أنّ الحزب يعي خطورة المرحلة وأهميتها، وأنه أبلغ عناصره بقرار واضح يقضي بمنع التعرض لأي عنصر أو دورية تابعة للجيش، مشدداً على أنّ الصدام ممنوع والقرار معروف وموافق عليه من الجميع.
بين 2006 واليوم…
ويتابع المصدر مؤكداً أنّ عدداً قليلاً من القرى فقط هو المتبقي لإتمام المسح الكامل للمنطقة، باستثناء النقاط التي يسيطر عليها العدو الإسرائيلي. ويشير إلى أنّ هذه القرى سبق أن تمت معاينتها، إلا أنّ الجيش يصرّ على استكمال عملية المسح الميداني في جميع القرى، ومعاينة المناطق كافة التي يتم التبليغ عنها.
وعند مقارنة هذه المرحلة بما جرى في العام 2006، يوضح المصدر أنّ الفارق واضح، فالجيش حينها بدا حازماً جداً في تنفيذ القرار 1701، قبل أن تدفعه المتغيرات السياسية إلى التهاون والتخلي عن دوره. أما اليوم، فإنّ القرار الدولي والداخلي معاً واضح وصريح: حصرية السلاح لا مفر منها. ويضيف أنّ تعاطي الجيش في هذه المرحلة إما أن يكون جدياً وحازماً، وإلا فإنّ البلد سيدخل في متاهة لا يُعرَف ما إذا كانت ستفضي إلى حرب كبرى جديدة.
تعزيزات وتشكيلات… الجيش يثبت حضوره
ويلفت المصدر إلى أنّ المنطقة تشهد وصول تعزيزات عسكرية جديدة، تتزامن مع استقدام سرايا من الجيش لتحل مكان أخرى أصابها الإرهاق نتيجة الضغط الكبير الذي تتعرض له. ويضيف أنّ المرحلة المقبلة ستشهد تشكيلات جديدة في الجنوب تشمل تغييرات على مستوى القيادة العسكرية والأمنية، بما يعكس إرادة الجيش في التعاطي بجدية تامة مع الملف، وتنفيذ قرار الحكومة المتعلق بحصرية السلاح.
كما يشير المصدر إلى أنّ الجيش سيحكم سيطرته على المنطقة من خلال أبراج مراقبة يجري تشييدها بدعم بريطاني، لتغطّي كامل المنطقة من شرقها إلى غربها. وستتيح هذه الأبراج للجيش مراقبة أي خروقات إسرائيلية، إضافة إلى رصد أي محاولات للتسلح أو القيام بأنشطة عسكرية في المنطقة، سواء من جانب الحزب أو المنظمات الفلسطينية، بما يساهم في منع أي توتر على الحدود الجنوبية.
بين بقاء الاحتلال وانسحابه… مصير الخطة معلق
وبذلك يكون الجيش اللبناني قد أنهى عملياته الأساسية في منطقة جنوب النهر، بانتظار التغيرات السياسية التي ستحدد مسار تنفيذ الخطة على كامل الأراضي اللبنانية. إلا أنّ المصدر يؤكد أنّ بقاء الاحتلال الإسرائيلي سيعطّل عمل الجيش ويفشل تطبيق الخطة في مختلف المناطق، في حين أنّ انسحاب العدو سيسهّل تنفيذها بشكل كبير.
ويتابع أنّه حتى نهاية العام ستكون تحركات الجيش في القرى الحدودية مقبولة ولن تواجه اعتراضات شعبية، غير أنّ استمرار الاحتلال بعد ذلك قد يضع الأمور في مسار مختلف، فهل سيقبل حزب الله باستمرار الجيش في تنفيذ خطته على كامل الأراضي؟ خصوصاً أنّ الحزب سبق أن ألمح إلى أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى عودة العمل في منطقة جنوب الليطاني.
نفي الشائعات: لا تسليم سلاح ولا مداهمات
وفي هذا الإطار، تنفي مصادر عسكرية لـ"المدن" أن يكون الحزب قد سلّم أيّاً من أسلحته في منطقة البقاع، أو أن يكون الجيش قد داهم أي مخزن يعود له هناك. وتوضح أنّ ما يحصل بالفعل هو مجرد عمليات ملاحقة لبعض المطلوبين من العشائر ومداهمة أماكن تواجدهم، وهو أمر لا علاقة له مباشرة بالحزب. وتشدد على أنّ تلك المنطقة هي المحطة الأخيرة المدرجة على جدول خطة الجيش في إطار تطبيق مبدأ حصرية السلاح، وأنّ ما يُشاع خلاف ذلك عارٍ تماماً من الصحة. فالجيش قام بمعالجة ومعاينة الأماكن التي تم استهدافها مسبقاً فقط وتعامل معها.
التقرير الأول… خطوة أولى في مسار طويل
وعليه، فإنّ الجيش سيقدّم تقريره الأول بعد أيام قليلة، وهو تقرير من المتوقع أن يلقى صدى إيجابياً على المستويين الداخلي والخارجي. لكنّ السؤال يبقى: هل سيتحول هذا الصدى إلى خطوات عملية على الأرض، خصوصاً لجهة انسحاب إسرائيل وضغط الولايات المتحدة والدول الضامنة لوقف الخروقات، وبدء عملية إعادة الإعمار؟ أم أنّ منطقة جنوب الليطاني ستكون مجرد "بروفة" أولى لما هو آتٍ، خصوصاً أن أمام الجيش شهرين إضافيين فقط لاستكمال هذه المرحلة؟
هذا التقرير، مهما بلغت أهميته، لن يكشف عن مصير المرحلة المقبلة، بل سيظل خطوة أولى ضمن مسار طويل ومعقد. خطوة قد تشكّل انطلاقة إيجابية، لكنها لا تلغي أنّ المستقبل يبقى مرهوناً بالتطورات الإقليمية والدولية، وأنّ المرحلة المقبلة ستظل معلّقة بين الخطر والمجهول.
حسن فقيه - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|